[أميرة الشوق]

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد:
إليك - أخي - تلك الكلمات في موضوع كثير من الناس من ينساه في زحمة الحياة ، بالرغم من أنهم مقدمون عليه ، ولا بد أن يتجرعون كأسه إنه : الموت ! لا يعرف صغير …
ولا يميز بين الوضيع والوزير …
ولا يحابي صاحب المنصب الكبير…
أخي المسلم : هل خلوت يوما بنفسك فقلت لها : يا نفس إنك ( شيء ! ) وقد قال تعالى: (كل شيء هالك إلا وجهه) .
أخي: (إنه هادم اللذات !) دعاك النبي إلى كثرة تذكره ! إذ يقول رسول الله: » أكثروا ذكر هادم اللذات « ] رواه الترمذي والنسائي/ صحيح النسائي: 1823 [ .
أخي: أليس من العجيب أن نودع كل يوم ميتا ! ثم لا يحرك ذلك قلبا؟! ولا يثير خوفا أو فزعا؟!
بل كأن الموت مكتوب على هذا المشيع وحده ! فكم هي هذه الغفلة قبيحة ! وكم هي كريهة وشنيعة! إنه عمى القلوب ! وما أسوأه من عمى .. ( فإنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور)
xxxx.
أخي , أختي مشاهد أبكتني فهل نعتبر منها؟

ذهبت البارحة لزيارة جدتي في المستشفى و كنت قلقة جدا عليه و كنت حريصة على أن أراجع للامتحانات الجامعية التي نحن بصددها و مراجعة القرآن و كذلك كنت حزينة من نقص المال , فقال لي أبي تعالي معنا إلى المشفى زوري جدتك و اطمئني عليها لأنها تبحث عنك ثم اذهبي إلى امرأة قربها و انظري إليها خففي عنها و كذا اعتبري مما ستقوله.
ذهبت إلى جدتي و كانت بأحسن حالاتها قبل دخولها المشفى و لكن لما دخلت عليها كانت في نصف إغماء لم تحدث أحد و لم تعقل أحدا دخلت عليها فعرفتني و ندات بأعلى صوتها باسمي و قالت لي اقتربي لم لم تأتي إلي فقلت لها يا جدتي كنت أفكر بك و أدعو الله لك الشفاء و ها أنا قد جئت أجابتني قائلة إقرئي علي القرآن فقلت لها بل عليك أن تقرئي بنفسك فبدأت تقرأ البقرة من أولها حتى جف لسانها ثم قالت لي لا تعتمي لشيء اهتمي بدراستك و تعلمي كيف تبلغين الرسالة للناس و اعلمي أن الدنيا لم يبق فيها شيء , استغربت لكلامها لأنها أول مرة تكلمني بهذه الطريقة ثم تركتها و ذهبت إلى المرأة التي اخبرني عنها والدي زرتها فإذا هي أجمل النساء و صغيرة السن و ذات جاه و مال و أيضا ذات علم دنيوي متحصلة على ماجستير علوم السياسة و الدولة , قضت حياتها في الدراسة و العمل لتؤمن لأبنائها الثلاثة و زوجها مسكنا مريحا و حياة هنيئة ثم بدأ هذا المرض الخبيث يأكل أجزاء جسدها و أول ما بدأت أعراض المرض بدأ زوجها بإزعاجها و تركها , ترك عنايتها حتى جاءت أختها , لترعاها تهتم بها و لم تكن تتكلم حتى قال لا زوجها سأعيد الزواج فسقطت و بقيت في المشفى استغربت لحالها و لكنها قالت رغم كل ما كنت أملكه إلا أني لم أشعر بالسعادة رغم أنها مسلمة , لكنها كما قالت قد فقدت لذة الإيمان و التضرع إلى الله و الدعاء ألهتها الدنيا إلى أن بقيت في المشفى فأمسكت المصحف بعد أن هجرته مدة طويلة و حاولت أن تقرا بالعربية بعد أن نسيت بعض أحرفها سبحان الله ثم قالت لي , لا تغتري لا بالجمال و لا المال و لا حتى الدراسة التي يئسنا منها لم تنفعنا في شيء طلب العلم الحقيقي هو الذي يقربك لمولاك و يعرفك بخالقك و يحفظك في قبرك و يؤمن آخرتك , خرجت من عندها و عيناي لا تكاد تجمدان من الدموع , ثم خرجت لأعود لولدتي فإذا أبي يقول إن الفتى قد أصيب بعرق ينزف في قلبه سألت أبي عن هذا الفتى فقال هو شاب لا يتجاوز 25 سنة و طالب علم و يحفظ كتاب الله و فتى رياضي لا يكاد المرض يصيبه إلا انه في لمشفى ينتظر ساعته , ما إن وصلت إلى باب المشفى اتثلت صديقتي و قالت إن هناك أما مريضا تعالي لنزورها . كانت هذه العجوز آية في الأدب و الخلق تجلس كل يوم في المسجد حتى تبتعد عن الغيبة أو النميمة أو المشاكل التي قد تحدث في بيتها و تقرأ القرآن يوميا بصوت عجيب دون لحن في المخارج و لا الحروف و تحفظ ما أمكنها حفظه و إذا ألقينا عليها التحية ردت بأحسن منها و أتبعتها بدعاء يشفي غليل الصدر كنت أفرح كلما لقيتها في المسجد و ذهبنا غليها فإذا هي نشيطة و مبتسمة و تقول لبناتها خذوني إلى المسجد لقد اشتقت إليه و تقرأ القرآن , خرجت من عندها محملة بدعائها و ما إن وصلت إلى البيت حتى اتصلوا بي و قالوا إنها انتقلت لرحمة الله جل و علا. هذه مشاهد مرت علي في يوم واحد لم أكد أصدق ما رأيتثم علمت أن هذه الدنيا فناء و لا يتعلق بها قلب المؤمن بل إنها لا تساوي شيئا أمام الآخرة , بعد هذا هل فينا من يريد الدنيا ..؟
أخي : إذا شغلتك الدنيا! فتذكر الموت فإنك راحل ! ولن تجد لتلك النفس سوطا أشد عليها من تذكر الموت !
» فهل تفكرت يا ابن آدم في يوم مصرعك وانتقالك من موضعك ؟! وإذا نقلت من سعة إلى ضيق‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍! وخانك الصاحب والرفيق! وهجرك الأخ والصديق! وأخذت من فراشك وغطائك إلى غرر! وغطوك من بعد لين لحافك بتراب ومدر! فيا جامع المال والمجتهد في البنيان! ليس لك والله من المال إلا الأكفان! بل هي والله للخراب والذهاب! وجسمك للتراب والمآب! فأين الذي جمعته من المال؟! فهل أنقذك من الأهوال؟! كلا بل تركته إلى من لا يحملك! وقدمت بأوزارك على من لا يعذرك! « ]الإمام القرطبي[ .
أخي: كم مضى من الدنيا؟! وكم هلكت من الجبال وأمم؟! كم من ميت من إخوانك وأحبابك أودعته في جوف الثرى؟! كم مرة حدثتك نفسك إنك قد تموت اليوم أو غدا؟! كم من العمر مضى وأنت تؤمل الآمال العراض؟! وهل بلغت كل ما تؤمل؟! وإن! هل وقفت بك الآمال عند أملك؟!
أخي: تذكر.. ثم تذكر.. وإليك: ( للعبد رب هو ملاقيه وبيت هو ساكنه فينبغي له أن يسترضي ربه قبل لقائه ويعمر بيته قبل انتقاله إليه )]الإمام ابن القيم[ .
أخي: كن على حذر! وهل ينبغي الحذر؟ ما بقي أخي غير العمل الصالح فهو خير زاد.. وخير رفيق يوم المعاد.. وروضتك يوم الرقاد.. وأنيسك إذا تفرق عن قبرك العباد..
وصلى الله على نبيا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .



ملاحظة : جزاكم الله خيرا ادعوا لجدتي بالشفاء و الثبات .