لطلب خدمة التعبير الهاتفي فضلا ابعث رسال لرقم الجوال:0568849911,أخي الزائر / أختي الزائرة مرحبا بكم في موقع بشارة خير ولتفسير أحلامكم نرجو اطلاعكم على المواضيع التالية:,منتدى التعبير المجاني بموقع د/ فهد بن سعود العصيمي,تفعيل خدمة الدعم الهاتفي (رسائل واتس أب) وإشتراك الدعم (الماسي), |
![]() |
الدكتور فهد بن سعود العصيمي |
![]() |
اللهم ارحمهما واغفر لهما واجعل مثواهما الجنة |
![]() |
![]() ![]() |
صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن عبدالرحمن بن عبدالعزيز حفظه الله ورعاه |
![]() |
![]() |
||
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
مساحة إعلانيه |
لطلب خدمة التعبير الهاتفي فضلا ابعث رسال لرقم الجوال:0568849911,أخي الزائر / أختي الزائرة مرحبا بكم في موقع بشارة خير ولتفسير أحلامكم نرجو اطلاعكم على المواضيع التالية:,منتدى التعبير المجاني بموقع د/ فهد بن سعود العصيمي,تفعيل خدمة الدعم الهاتفي (رسائل واتس أب) وإشتراك الدعم (الماسي), |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
راضي ومطيعة جمال أبو زيد في أحد البيوت الفقيرة، كان وجدي يصارع الموت، بعدما باغته مرضٌ غريب لم يلبث أن تفاقم على نحو سريع، ولم يعرف أبواه سبب ذلك، كان الألم يعتصر قلبيهما وهما يشاهدان ابنهما الوحيد يئنُّ ويتألم من شدة المرض، وكانا يتناوبان على خدمته والسهر عليه. لم تَجِدْ مطيعةُ بدًّا من الذَّهاب إلى أخيها راضي، الذي هجرهم منذ أكثر من عشرين عامًا ولم يسأل عنهم، بعدما طرده والدُه بسبب عقوقه، إذ أوصدتْ في وجهها جميعُ الأبواب. طوال المسافة التي قطعتْها مطيعة مشيًا على الأقدام تحت حرارة الشمس اللاهبة، لم يتوقف ذهنها عن التفكير، ولسانها عن الدعاء، كان الأمل يدفعها، والأماني تحدوها، والرغبة في إنقاذ ابنها الوحيد وفلذة كبدها تُهوِّن عليها مشقةَ الطريق وطول المسافة، وتُلهيها وتسليها عن أشعة الشمس الحارقة، وكانت الخواطر والذكريات تتناهب تفكيرها، فمنذ أكثر من عشرين سنة لم ترَ راضيًا ولم تسمع صوته، هل سيعرفها بعد كلِّ هذي السنوات يا ترى؟ وكيف سيكون اللقاء؟ هل سيتنكَّر لها؟ أم سيفرح بلقائها وينفق على علاج ابنها؟ وصلتْ إلى بوابة الجامعة وهي منهكة القُوى، خائرة العزيمة، خائفة ومرتبكة، أرادت أن تدخل من بوابة الجامعة، لكنَّ الحارس نَهَرَها، فقالت لـه: • أريد مقابلة عميد الجامعة، لو سمحت. فبدأ يقهقه ويشير إليها بازدراء وتعجُّب، ثم قال لها: • وهل تظنين أن العميد لا عمل له إلا مقابلة كلّ مَنْ هَبَّ ودبّ؟! هيا ابتعدي عن هذا المكان بسرعة. ردَّتْ عليه بهدوء وبصوت حزين: • أرجوك، أريد أن أقابله في أمر هام. تمالك الحارس نفسَه عندما رأى إصرارها، وسألها بلهجة أكثر جدية: • ما هو هذا الأمر الهام الذي تريدين مقابلة عميد الجامعة من أجله؟ • إنه أمر خاص، أرجوك أريد أن أقابله. رقَّ الحارس لحالها؛ لكنه التفت حوله ثم قال بصوت خافت: • إنه ليس موجودًا في الجامعة الآن، وأنا أنصحكِ ألاَّ تتعبي نفسك مع هذا الرجل. وفي غضون ساعة من انتظارٍ ما كانتْ لتحتمل ذلَّهُ ووطأتَهُ لولا تفكيرُها في وجدي، رأتْ سيارة فاخرةً تتهادى في طريقها نحو البوَّابة، فتقافز قلبها من صدرها، قال الحارس لها وقد تغير لون وجهه: • ها هو العميد قد وصل، فأرجوكِ ابتعدي من هنا، أرجوك. في هذه الأثناء كانت سيارة سوداء فاخرة تتقدَّم نحو البوابة، وكان يجلس في مقعدها الخلفي رجل يرتدي حلة سوداء أنيقة، مع قميص أبيض وربطة عنق حمراء، ويضع نظَّارة شمسية سوداء على عينيه. صرخ الحارس في وجهها: • لقد قلتُ لكِ: أرجوك ابتعدي من هنا، تنحَّي عن البوّابة أيتها المرأة. يا له من موقف عاطفي عصيب! فهذا أخوها الذي لم ترَه منذ أكثر من عشرين عامًا أمامها، ولا يَحُول بينها وبينه إلا زجاجُ السيارة الملون القاتم، وقفتْ أمام السيارة وفرَدَتْ يديها لإيقافها. صرخ راضي في وجه الحارس بصوت غاضب: • أبعِدْ هذه المجنونةَ من طريقي أيها الأحمق. تقدم الحارس نحوه مذعورًا وهو يقول: • معذرة يا سيدي، إنها تريد مقابلتك شخصيًّا، وهي مصرَّة على ذلك، وقد حاولتُ طردها بشتى الطرق؛ ولكنها أبتْ إلا أن تراكَ. أنزل راضي نصف الزجاج ليسفر عن وجه عابس مكفهر، ونظر إليها نظرة غضب، ثم قال متجهمًا: • من أنتِ، وماذا تريدين أيتها المرأة؟ تقدمتْ إليه وهي تحملق في وجهه، ولا تكاد تصدق ناظريها، تحاملت على نفسها، وجمعت قواها المشتتة، ثم قالت في صوت مستكين: • ألم تعرفني يا راضي؟ أنا مطيعة، أختك الصغيرة! احمرَّ وجهه، وأسقط في يده، ودارتْ به الدنيا لحظةَ سمع اسمها، رفع النظارة عن عينيه ثم رنا بنظره باتجاه السائق فالتقت عيناه بعينيه في المرآة، تدارَكَ نفسه وسألها بارتباكٍ وهو في حالة ذهول: • ماذا؟ ماذا تقولين؟ هل أنت مجنونة؟! • إنني بحاجة لمساعدتك يا أخي. نظر إلى الحارس وقال له غاضبًا: • أحضرها إلى مكتبي لنرى ماذا تريد؟ جلس راضي على كرسيه الدوّار الفاخر في مكتبه بانتظارها غاضبًا مرتبكًا، ومرَّت الذكريات سريعة في وجدانه، فتذكرها وهي صغيرة، وتذكَّر كيف كانت تعانقه، وتلعب معه، وتذكر كيف كان يغضب منها أحيانًا عندما كانت تعبث بكتبه المدرسية ودفاتره، وأغراضه الشخصية، وأراد أن يقارن صورتها التي في ذهنه بالتي رآها أمام البوابة، الصورتان مختلفتان تمامًا، فقد كانت مطيعة جميلة، ومرحة، تتدفق حيوية ونضارة، ولكن المرأة التي رآها قبل قليل تبدو هزيلة كئيبة، فعلى الرغم من أنه تركها طفلةً ولم يرها منذ ذلك الحين، إلا أن صورتها الجميلة لم تغادر خياله.
|
|
هز رأسه متحسِّرًا، وتنهد بلوعة، كأنه يريد أن يفيق من الحلم، ويواجه الواقع، وهو يفكر في طريقة للخروج من هذا المأزق الذي لم يكن في الحسبان، ويا للقدر! لِمَ جاءت في هذا اليوم بالذات؟ فاليوم سيزورني وزير التعليم، ولطالما انتظرتُ هذه الزيارة، وهو يوم مهم لمستقبلي الوظيفي. قطعت عليه مطيعة تفكيره بطرقها على الباب، فقام من كرسيه مسرعًا، وأغلق الباب بإحكام. فتحت ذراعيها وتقدمت نحوه لتحتضنه، فدفعها بقوة وصرخ في وجهها: • ما الذي جاء بكِ إلى هنا؟ أجهشت بالبكاء، وقالت بحزن شديد والعَبرة تخنقها: • ابني مريض جدًّا يا أخي، إنه يموت، أرجوك ساعدْنا في إنقاذه. • لا تناديني بأخي؛ فأنا أكره أن أسمع هذه الكلمة منكِ، ثم ما علاقتي بالموضوع؟ يموت ابنكِ أو لا يموت، هذا الأمر لا يعنيني. • أحتاج إلى مساعدتك يا أخي لإنقاذه، فنحن فقراء وليس لدينا ثمن العلاج. • لستُ أخًا لك، كما أنه لا يشرفني أن تكون لي أخت مثلك، فأنا لا علاقة لي بك ولا بابنك، لقد نسيتكم منذ فارقتكم، وغيَّرت نمط حياتي، كما أني لا أريد أن أراك، أو أرى أي شيء يذكِّرني بكم. ثم قال لها بصوت خافت: • إني أحذرك مـن القدوم إلى هنا مرة أخرى، وإياكِ ثم إياكِ أن تقولي لأي شخص في الجامعة: إنكِ أختي، أو إنه تربطني بكِ أيُّ علاقة، الآن اخرجي من هنا بسرعة وبهدوء، ولا أريد أن أراك مرة أخرى. خرجت من المكتب متثاقلة والدموعُ تنهمر على وجنتيها، ويكاد الألم يمزق قلبَها. دخلت السكرتيرة إلى مكتبه بعد خروجها، ثم وقفت صامتة برهة وهي تمعن النظر في وجهه. قال لها مستغربًا: • ما بك؟ لِمَ تنظرين إليَّ هكذا؟ هزَّت رأسها متعجبة، ثم قالت: • لا، لا شيء يا سيدي، غير أن تلك المرأة تشبهك تمامًا، وتبدو وكأنها أختك من شدة الشبه! قال غاضبًا: • تعلمين بأنني لا أخت لديّ، فلِمَ هذا السؤال السخيف؟ هيا اذهبي لعملك! قفلتْ مطيعة راجعةً تجر أذيال الخيبة، وقد زادها الذل على الإملاق ثقلاً وحزنًا، وقد علتْ محيَّاها الكآبةُ واليأس، وسالت الدموع على وجنتيها، غير أنها لم تكن ترى شيئًا أمامها إلا صورة وجدي في مخيلتها، وقد وكَّلت أمرها لله، بعد أن يئست من أخيها الذي كان آخر سهم في جعبة أملهـا، وكلما تذكرت الطريقة التي قابلها بها ازداد قلبُها التهابًا، وكلما اقتربت خطوة من بيتها ازداد معدل دقات قلبها، وازداد خوفها من أن تُفاجأ بخبر سيئ، انطلقت كالسهم إلى الغرفة التي كان ينام فيها وجدي، ما أن فتح زوجها الباب، وهي لا تلوي على شيء، فأكبَّتْ عليه تقبِّله وتبكي بأسى ومرارة وهي تقول: • سامحني يا بُني، فأنا عاجزة عن مساعدتك. أجهشت بالبكاء عندما سألها زوجها عن مقابلتها لأخيها، وقالت بحزن: • ليتني لم أقابله، ليتني لم أره؛ لقد قابلتُ وحشًا، لا قلب له، ولا رحمة في صدره. • لا عليك سيأتي الله بالفرج - إن شاء الله. وعند حلول المساء طرق جارُهم سالم باب بيتهم، وقد أحضر معه بعض المال، الذي جمعه من المحسنين وأعطاه إلى فرج ثم انصرف، أخذ فرج ومطيعة ابنهما إلى الطبيب في صباح اليوم التالي. واظبت أمُّه على إعطائه الدواء، الذي أحضره والده من الصيدلية، ولكن للأسف، لم يجد الدواء نفعًا، فازدادت حالة وجدي في التدهور، أسرع به أبواه إلى مستشفى المدينة حينما شارف على الهلاك؛ أملاً في العثور على مَنْ يساعدهما، أو من يشفق على الطفل ويرقُّ لحاله، رفض المسؤول عن استقبال المرضى أن يدخله المستشفى حين علِم أنه ليس لديهما المال الكافي للعلاج. رجعا به إلى البيت وهما في غاية الحزن، وقد تبدَّد الأمل في إنقاذه، فسلَّما أمرهما لله، وبعد ساعات من رجوعهما إلى البيت دخل وجدي في غيبوبة، ولم يلبث أنْ فارق الحياة في حضن أمه. أجهشت مطيعة بالبكاء في حالة هستيرية وهي تقبِّله وتضمه إلى صدرها، وفاضتْ عينا فرج بالدمع وطفق يردد: إنا لله وإنا إليه راجعون! مضت الأيام بطيئة كئيبة، ومطيعة تواصل الليل بالنهار وهي في غاية الحزن، وكلما تذكرت كلمات ابنها: "أنا لا أريد أن أموت يا أمي، أريد أن أخرج وألعب مع أصحابي"، ازدادتْ لوعتها، وكلما تذكرت مقابلة أخيها القاسية لها ازداد قلبها اشتعالاً، وتضاعف شعورها بالاكتئاب، وكانت تحدوها رغبةٌ جامحة في أن تكتب له رسالة تُعلِمه فيها نتيجة غطرسته، فلعل ذلك يردّ لها اعتبارها، ويخفف من آلامها، ويطفئ لهيب الحزن في صدرها، وأخيرًا أحضرت ورقةً وكتبت: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد: فقد ترددتُ كثيرًا قبل أن أمسك بقلمي، لأكتب لك هذه الكلمات، ولكنني حين وجدتُ نفسي عاجزةً عن نسيان نظراتك الحادة المليئة بالكِبر والغرور، ونبرة صوتك الحانق، قررتُ أن أكتب إليك هذه الرسالة؛ لعل ذلك يذهب ببعض ما أقاسيه. كم كنتَ قاسيًا يا راضي، حين التقيتك! وكم كنتَ فظًّا غليظ القلب!لم تكن ظروفي النفسية آنذاك تسمح لي بمعاتبتك، ولم أكن أشعر بشيء من جفوتك وقسوتك، فلقد كنتُ مخدرة بالآلام، مثقلة بالأحزان، وقد بلغ بك الصلف والغرور كلَّ مبلَغٍ حتى منعتني من أن أناديك بأخي، لقد بددتَ أملي في أن أجد فيك صدرًا حانيًا، وقلبًا رحيمًا يرحم الله به ضعفي، وينقذ به فلذة كبدي. لم أكن أبتغي منك إلا حفنة من المال أنقذ بها حبَّة قلبي، وقرّة عيني، وما طرقتُ بابك إلا بعد أن أوصدت كل الأبواب في وجهي، وضاقت بي الأرضُ على اتساعها، كنتُ أحسب أن المدة التي فصلتْ بيننا قد ألانتْ جانبك، وصقلت أخلاقك، وخففت من حدة طبعك، ولكن - وللأسف الشديد - لم تزدك الأيامُ إلا قسوة، ولم تزدك السِّنون إلا جفوة، ليتني لم أرك، وليتني لم أعرفك، وليتني لم أكن أختك.
|
|
ها قد مات وجدي، مات حبيبي الصغير، مات قرة عيني، مات فلذة كبدي، مات أنيس وحشتي، وسمير وحدتي، ولقد ساهمتَ أنتَ في قتله بكبرك وغطرستك، لقد مات وهو يحبك، وكانت أمنيته أن يراك من كثرة ما حكيت له عنك، فعش كما شئت، وتغطرس كما شئت؛ بَيْدَ أنك في نهاية الأمر ستشرب من الكأس الذي شرب منها، فكل من عليها فانٍ، ولا يبقى إلا وجه الله الكريم، فكيف بك إذا نقر في الناقور، وجُمع مَنْ في القبور، وبُعثتَ يوم النشور؟!
وهنالك، عنده، عند ربِّ العالمين، حين سنقف جميعًا بين يدي الله في يوم الحساب، سيسألك وجدي: "لِمَ تركتني أموت قبل أن أرى الدنيا يا خالي؟ لِمَ لَمْ تشترِ لي الدواء؟"، فماذا ستقول له؟! فأعدَّ لذلك السؤال جوابًا، وانتظر لعلك تبتلى قبل ذلك اليوم، فتعاني ما عانى، وتقاسي ما قاسى، فالجزاء من جنس العمل، وكما تدين تدان. وفي الختام، أرجو أن تعود إلى رشدك، وتخرج من الوهم الذي تعيش فيه، وتفتش عن قلب الإنسان الذي فيك، فلن ينفعك ما أنت فيه، فإنك عما قريب ستفارقه أو يفارقك. وصلتْ إليه الرسالة، عن طريق البريد، في وقت كان فيه كئيبًا حزينًا؛ إذ كان قد استلم قبلها رسالة من المحكمة تقضي بإتمام إجراءات الطلاق بينه وبين زوجته سحر، وجاءت هذه الرسالة من أخته لتزيده حزنًا على حزنه، وهمًّا على همِّه، فما أن قرأها حتى دارت به الدنيا وأظلمت في عينيه، وأحس بصدمة، فانتفض قلبه على أثر ذلك، ودبَّتْ فيه الحياة من جديد، فدمعتْ عيناه، ولم يلبث أن أطلق العنان لدموعه لتسيل، فلطالما أمسكها في الأيام الخوالي، وقد آن الأوان لإطلاق سراحها كي تنهمر. بَيْدَ أنه هذه المرة وضع يديه على رأسه وأخذ يصرخ: "إليك عني أيتها النفس الشريرة الأمَّارة بالسوء، دعيني فأنا إنسان لي قلب لم يمت، ولي عواطفُ وأحاسيس لم تتعطل، كفاني زيفًا، كفاني وَهْمًا!". ثم قام فجأة وغادر مكتبه، وقاد سيارته بنفسه في اتجاه الحارة القديمة التي عاش فيها طفولته، وغادرها منذ أكثر من عشرين سنة ولم يدخلها منذ ذلك الوقت، اجتمع أهل الحارة حول سيارته، ينظرون إليها في دهشة، فهذه هي المرة الأولى التي يرى فيها هؤلاء مثلَ هذا النوع من السيارات الفخمة تدخل حارتهم، وجرى الأطفال أمامها وخلفها وعلى جانبيها، فعاد به هذا المشهد إلى الماضي، وتذكَّر كيف أنه كان يفعل مثلهم عندما كان يرى سيارة تدخل الحارة. لم يستطع قيادة سيارته من شدة الزحام وضيق الأزقة، فأوقفها جانبًا ثم ترجَّل منها، جالت الذكريات والخواطر في ذهنه وهو يسير بين الأزقة الضيقة، والشوارع المتسخة، في اتجاه بيتهم القديم، وتذكَّر طفولته وأيام صباه، وتذكر أمَّه وأباه، وكيف أنهما ماتا وهما غاضبان عليه، وتذكر عصيانه إياهما، وتتابع شريطُ الذكريات في خياله حتى وصل به المشهد إلى اليوم الذي غادر فيه هذه الحارة، فتذكر أباه وهو يطرده من البيت، وأمّه تتوسل إليه باكية أن يسامحه! وتمسكُ به وترجوه ألاَّ يغادر المنزل وأن يبقى معهم. سالت الدموع من عينيه اللتين كان يخفيهما خلف نظارته السوداء، غالَبَ عبراتِه التي كادت أن تخنقه وأخفى بكاءه، وهو يدخل إلى دكان صغير قريب من بيتهم القديم، فرأى شيخًا كبيرًا وقورًا كَتبَ الزمانُ تاريخًا حافلاً بالأحداث على جبهته، وتجاعيد وجهه تحكي قصة حياة حافلة بالمواقف، سأله عن مطيعة فدلَّه على بيتها. وعندما وصل راضي إلى بيت مطيعة وقف هنيهة يغالب كبرياءه، قبل أن يرن الجرس، فتح فرج الباب، فإذا به يرى رجلاً غريبًا يرتدي حلة سوداء، وربطة عنق وردية، وقميصًا أبيض، ويضع نظارة سوداء على عينيه، تبدو عليه علامات النعمة والثراء، واقفًا على الباب، وما لبث أن دخل فرج مسرعًا إلى غرفة زوجته مذهولاً بعدما تعرَّف عليه وأدخله إلى غرفة الضيوف، ثم قال في دهشة هامسًا في أذنها: • لن تصدِّقي ما سأقوله لك يا مطيعة! إن أخاكِ راضيًا في غرفة الصالون! جاء ليراك، فماذا أقول له؟ اتَّسَعَتْ عيناها من فرط الذهول، ثم صرخت في غضب: • ماذا؟ راضي! ما الذي أتى به، وماذا يريد مني هذا الطاغية؟ ولماذا جاء الآن؟ لقد مات وجدي، أنا لا أريد أن أراه هنا، اطرده من بيتي، كما طردني من مكتبه! وضع يده على فمها ثم قال لها: • اخفضي صوتك أرجوك، إنه يسمعكِ، لا، لا، هذا ليس من المروءة يا مطيعة، وما ينبغي لنا أن نقع في الخطأ نفسه الذي وقع هو فيه. • لا أريد أن أرى وجهه، فأنا أكرهه، أكرهه، لقد سا... ثم انفجرتْ بالبكاء ولم تستطع أن تكمل كلامها، لملمت شعث قواها ثم قالت: • ... لقد ساهم في قتل ابني، وأهانني وطردني من مكتبه. • يجب أن تعطيه فرصة، فلعله جاء معتذرًا، اسمعي منه أولاً قبل أن تحكمي عليه، أرجوك قابليه من أجلي، ثم لقد مات ابننا بتقدير الله - سبحانه وتعالى. نظرتْ إلى زوجها، ثم هزَّتْ رأسها على مضض بالموافقة وعيناها تفيض بالدمع. ما لبث أن سمع راضي صوتَ فرج يدْعوه للدخول، فتقدم نحو غرفتها يقدم رِجْلاً ويؤخِّر أخرى. استوتْ جالسة على السرير بمجرد أن رأتْه يدخل إلى غرفتها، وكان الغضب يملأ قلبها وعينيها، فها هو أخوها، الذي عَقَّ والديه وتركها صغيرة، وبعد أكثر من عشرين عامًا تذهب إليه وتطلب منه مساعدتها في علاج ابنها الوحيد، فيطردها من مكتبه بأعصاب باردة، واقفًا أمامها في خشوع وتذلل وقد جاء معتذرًا، مرت الخواطر في وجدانها سريعًا، وهي تنظر إليه نظرة حنق، وهو ينظر إليها نظرة اعتذار، قبل أن يتكلم أحدهما بكلمة واحدة. تقدم نحوها بخطى متثاقلة، ثم انحنى وأخذ يُقبِّل يديها وقد اغرورقت عيناه بالدمع. • سامحيني يا مطيعة، لقد كنت مجرمًا في حقك وحق ابنك، ولقد أتيتك نادمًا بعدما أيقظتْني رسالتُك من غفلتي، وأخرجتني من الوهم الذي كنت أعيش فيه، أرجوك سامحيني يا أختاه. رنَت إليه ببصرها ونظرت إليه نظرة عتاب، مليئة بمشاعر اللوم والغضب، وقد رقَّ قلبها قليلاً وهي تغالب عواطفها، ولم تنطق بكلمة واحدة. استمر في كلامه والعَبرة تكاد تخنقه: • لقد أتيتكِ نادمًا معتذرًا، بعدما تبتُ إلى الله، وسأذهب لأعتذر لوجدي في قبره. أجهشتْ بالبكاء وسالت الدموع على وجنتيها، بمجرد أن سمعت اسم ابنها، ثم قالت بلسان ثقيل: • لِمَ فعلتَ ما فعلت يا راضي؟ انحنى مرة أخرى وقبَّل جبهتها وقال لها وهو يبكي: • لقد نلت جزائي العادل يا مطيعـة، إذ لم أهنأ بشيء في حياتي بعدما فارقتكم، فقد كنت أعيش في تعاسة وشقاء بسبب عصياني لوالديَّ، وعقوقي لأبي وأمي، ليتني لم أعصهما، كانت صورة والدي غاضبًا وهو يطردني تلاحقني، وتنغِّص عليَّ حياتي، وكثيرًا ما كنت أستيقظ مفزوعًا من نومي بسبب ذلك، وقد حاولت مرارًا أن أهرب من الواقع بشتى الطرق، بشرب الخمر، وبالسهرات، والحفلات ولكن دون جدوى، لقد جرَّبْتُ كل شيء لأنسى، ولكن لم تزدني المعاصي إلا عذابًا، ولم تزدني الأيام إلا تعاسة وشقاء، لقد كان الناس يحسدونني على هذا الشقاء وهذه التعاسة، فحالي وحالهم كما قال الشاعر: مَاذَا لَقِيتُ مِنَ الدُّنْيَا وَأَعْجَبُهُ أَنِّي بِمَا أَنَا بَاكٍ مِنْهُ مَحْسُودْ وذلك كان يزيد في ألمي وعذابي، فهم لا يعرفون حقيقة الجحيم الذي أعيشه. سامحيني يا أختاه، كفى العذاب الذي عشتُه وأعيشه، لقد تركني ابني الكبير "سامر"، وعقَّني كما عققتُ والديَّ، وطلقت زوجتي "سَحَر" التي لم ترضَ عني يومًا مع كل ما فعلتُه من أجلها، على الرغم من أنني كنت ألبِّي جميع طلباتها المرهقة، وكنت غالبًا ما أتغاضى عن إهاناتها المتكررة، كانت دائما تعيِّرني بأهلي عندما تغضب مني، وتصفني بأنني ابن الشارع، وأنني لست من طبقتها، وقد حاولت فعل أي شيء لأرقى لمستوى أسرتها؛ لكن دون جدوى، فعلمت أنني قد ارتكبت خطأ بزواجي منها، لقد أخذتْ معها ابنتي رشا، ومنعتني من رؤيتها، فلم أرَها منذ أكثر من سنة، أرجوكِ سامحيني يا مطيعة، فأنا لم أعد أتحمل. قامت من سريرها متثاقلة، وقد أثار شفقتها واستدرَّ عطفها ببكائه، وأحسَّتْ بصدق لهجته، وبجدِّية توبته، فاحتضنته وهي تبكي وتقول: • الحمد لله الذي أحيا قلب أخي بموت ابني! ثم طفقا يتجاذبان الحديث، ففاجأته قائلة: • أتدري يا راضي أن آخر كلمة لفظها أبوك هو اسمك، وأنه سامحك قبل أن يلفظ أنفاسه بإلحاح من أمي - رحمهما الله - وقد سمعتُه يقول: "اللهم ارضَ على راضي"، وأن أمك لم يكن لها أمنية إلا رؤيتك قبل أن تغادر الدنيا، وهي أيضًا سامحتْك. خرَّ ساجدًا شكرًا لله والدموع قد سبقتْه إلى الأرض، مرددًا: اللهم اغفر لي ولهما، وارحمهما كما ربياني صغيرًا.
|
|
شكرا لمروركم,,,
|
|
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
راضي | ولد الجزيره | 🔒⊰ منتدى الرؤى المفسرة لأصحاب الدعـم الذهـبي ⊱ | 1 | 2008-08-08 8:21 PM |
ليه انت راضي بالعناد ... | سيدة الذوق | منتدى الشعر والنثر | 10 | 2008-07-05 11:57 PM |
حلم مو راضي يتفسر | ضي القمر | ⚪️ منتدى الرؤى المفسرة لغيرالداعـمين،أو المفسرة في المنتدى ∞ | 3 | 2005-01-21 1:11 AM |