[يمامة الوادي]

قال ... وقلت !!
= = = =
قال بمرارة تتضح في نبرات صوته :
إن أشد ما يسوؤني أن تحدث إنساناً ، أو يحدثك ،
ثم هو لا يزال يدور بنظره هنا وهنا بين الناس ،
كأنما هو يبحث عن من هو خير منك ليحادثه ..!!
.
فما راعه إلا أن صحت مكبراً : الله أكبر ..الله أكبر ..!
فحملق في وجهي وأخذ يبلع ريقه ، وتساءل متلعثماً :
_ خير .. خير إن شاء الله .. هل قلت شيئا خطأ ؟!
تبسمت وقلت :
كلا والله ، ولكن هالني ما سمعته منك الآن ، وأفرحني في نفس الوقت !
وقبل أن ينطق بسؤاله كنت قد واصلت كلامي ولا تزال ابتسامتي تملأ زوايا وجهي :
.
إن ما قلته يا عزيزي حق ،
وفيه أكثر من درس لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ..!
وأول هذه الدروس عندي وأهمها :
أن ما تمتعض منه وساءك ، فالمرجو أن لا تفعله وأنت بين يدي ربك جل جلاله.
.
فتح عينيه حتى أقصاهما ، وفغر فاه .. وواصلت كلامي :
نعم .. ما أكثر ما نفعل ذلك ونحن في الصلاة ،
تدور ألسنتنا بين يدي الله بكلامه ونحن نناجيه ، ونتضرع إليه ،
غير أن قلوبنا تسرح في كل وديان الدنيا ،
كأنما تبحث عن من هو خير من ربها مولاها وخالقها ورازقها سبحانه وتعالى ..
ولقد سمعت شيخا منذ سنين يقول : أن من ينصرف بقلبه في صلاته عن ربه ، يقول له الله : أإلى من هو خير مني تنصرف .. !؟
.
تنهد صاحبي وقال :
لا إله إلا الله ... سبحان الله .. أنا في واد ، وأنت في واد آخر ..
ولكن ما أروع واديك الذي ترتع فيه ..!
كنت أعني شيئا آخر .. ووضعت يدي على معنى كبير لم يكن يدر بخلدي ..
فجزاك الله عني خير الجزاء ..
.
قلت : هذا ما ينبغي أن نصرف المعاني إليه ، لأنه الغاية ، وما عداه يأتي بعده ، أو يطوف به ، أو يحاول أن يرتقي إليه !
قال : فالدرس الثاني إذن ..
قلت : أحسبه ما تشير إليه أنت حين سقت كلامك .. ألا وهو :
.
أن علينا أن نتذكر هذا الذي ساءنا من ذلك الرجل ،
فنحرص على أن لا نأتيه حين نكون في مجالس الناس ،
فما ساءنا يسوء غيرنا ، فليلزمنا إذن أن ننصرف إلى من نحدثه أو يحدثنا
بكلية وجوهنا إليه ، وننصرف بعقولنا إلى ما يقول ..
.
ولقد كان هذا أدب من آداب رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
أنه شديد الإصغاء إلى من يحدثه ، حتى وصفه المنافقون بأنه ( أذن ) !!
تخيل .. كأنما كل خلية فيه أصبحت أذناً تصغي وتسمع وتتابع ..
فأكد الله سبحانه ما وصفوه به ..
( وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ ..)
فهو أذن خير .. يسمع ويصغي ليوجه شؤونكم إلى ما فيه خيركم وصلاحكم ..
لا كما ذهب المنافقون حين وصفوه بهذا الوصف ..
.
قال صاحبي : سبحان الله .. ولا هذا المعنى أردت ..
فهذه فائدة أخرى جليلة نفعني الله بها منك .. فمرة ثانية أقول :
جزاك الله عني خير الجزاء ..
قلت : فما أردت بذلك يرحمك الله ..
.
تلجلج قليلاً ثم قال مبتسماً :
إنما أردت أن أفضي بشيء في نفسي ساءني هذا اليوم ، من زميل عمل
كان يتصف بتلك الحالة التي ذكرتها لك ،
فانصرفت عنه وفي نفسي انقباض مما فعله معي ..
فلما رأيتك أفرغت ما في نفسي فحسب .. !!




كتبها بو عبدالرحمن