لطلب خدمة التعبير الهاتفي فضلا ابعث رسال لرقم الجوال:0568849911,أخي الزائر / أختي الزائرة مرحبا بكم في موقع بشارة خير ولتفسير أحلامكم نرجو اطلاعكم على المواضيع التالية:,منتدى التعبير المجاني بموقع د/ فهد بن سعود العصيمي,تفعيل خدمة الدعم الهاتفي (رسائل واتس أب) وإشتراك الدعم (الماسي), |
![]() |
الدكتور فهد بن سعود العصيمي |
![]() |
اللهم ارحمهما واغفر لهما واجعل مثواهما الجنة |
![]() |
![]() ![]() |
صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن عبدالرحمن بن عبدالعزيز حفظه الله ورعاه |
![]() |
![]() |
||
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
مساحة إعلانيه |
لطلب خدمة التعبير الهاتفي فضلا ابعث رسال لرقم الجوال:0568849911,أخي الزائر / أختي الزائرة مرحبا بكم في موقع بشارة خير ولتفسير أحلامكم نرجو اطلاعكم على المواضيع التالية:,منتدى التعبير المجاني بموقع د/ فهد بن سعود العصيمي,تفعيل خدمة الدعم الهاتفي (رسائل واتس أب) وإشتراك الدعم (الماسي), |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
عزمت العائلة أن تكون النزلة لجده سنوية ... وفي عيد الأضحى القادم ستنزل العائلة لنفس الإستراحة.. ولكن هيهات هيهات !! فقد خطف الموت الوالد في اليوم الثالث من ذي الحجة حيث تحول عيدنا ميتما حزينا كئيبا والله المستعان... بعد انتهاء العيد وعودة الناس لأعمالهم قدمت للرياض لمقابلة الأمير محمد مرة أخرى.. أتيت لصاحبنا المقدم فتكرم مشكورا ببعثي فورا للمراسم لتسجيلي.. دخلت على الأمير ووقفت أمامه وقلت له بالحرف الواحد: ياأبا نايف إني عاجز عن الكلام.. لمح الشاب الأمير في عيني الحزن وفي نبرة صوتي اليأس فأمسك بيدي وقبضها !! وأخذ يقرأ في الخطاب المكتوب.. ثم نظر إلي وقال: وين تريد تروح ؟؟ قلت لأهلي وعملي.. قال أين؟؟ قلت للبلد الفلاني.. وذكرته.. احتار الأمير ما يقول لي فما عساه يقول !! ربت على كتفي وقال سأهتم بالموضوع!! حصلت في تلك الفترة قضايا عملية السيارة المفخخة التي فجرت عند الداخلية.. علمت أن القوم لن يتفرغوا لقضية شخص مثلي فلديهم من المسئوليات ما هو أهم.. زاد همي وإحباطي وضاقت علي أموري المادية سؤا حتى أصبحت أعيش على الديون.. انتهى الفصل الثاني في وداع والدي أبي محمد الفصل الثالث.. خطرت لي فكرة استحسنتها ولم أشاور فيها أحدا.. وكان فيها نوع من التحدي والانفعال ... فقد كتبت مقالة في موقع الساحات.. سخرت بما يشيع في دوائرنا الحكومية من فوضى إدارية .. ومنها الإدارة العامة للجوازات.. ووضعت رقم هاتفي بعد أن حددت مشكلتي بشكل عام دون تفاصيل.. أقفلت جهازي ونمت..!! وكان الوقت ضحى.. لا شك أنني كنت قلقا ... وتوقعت أن لا يؤذن ظهر ذلك اليوم حتى تحيط بمنزلنا قوات الشرط و المباحث كما يحيط السور بالمعصم... استيقظت من النوم فوجدت رقم هاتف غريب.. على جوالي..!! اتصلت عليه فرد علي صوت أجش .. قال هل أنت فلان؟؟ خفت وهممت أن أغلق السماعة ،قلت : نعم من يبغاه؟؟ قال أنا من سكان المدينة وذكر اسمه وقبيلته.. أخذ يدعو لي بالفرج ولم ينس الدعاء على من ظلمني.. وأبدى استعداده لخدمتي ومخاطبة المسئولين ...الخ شكرته وأثنيت على موقفه وطلبت منه أن يترقب ولا يستعجل شيء.. أقفلت السماعة بعد انتهاء المحادثة.. انتظرت للعصر فلم يتصل أحد.. انتظرت اليوم الأول و الثاني و الثالث حتى نسي الموضوع...!! حينها حكمت على الفكرة بالفشل على ضوء ما حدث.. أما التجاوب في موقع الساحات فكان متواضعا بل شبه معدوم.. وحسب علمي فإنه لم يسبق أن تعود الأخوة على مثل هذه المواضيع الشخصية.. فقضايا الصالح العام لها جمهورها العريض... بينما القضايا الشخصية تعني صاحبها أولا وآخرا... بعثت عددا من البرقيات ، حوالي ست برقيات.. ولم يتجاوب معي أحد.. والظاهر أن السبب هو غموض القضية وعدم وضوح معالمها !! مسكين والله من لا حيلة له مثلي.. |
|
لم يمر علي في حياتي أبدا ضيق وحرج كما حالي في تلك الأيام... شعرت بآلام مرض النقرس التي عادت لي بعد غياب طويل.. راجعت المستشفيات وأشغلت بنفسي.. قال لي الطبيب : الكلى لديك فيها ضعف في نشاطاتها.. وأنت قاب قوسين أو أدنى من الفشل الكلوي.. إنا لله وإنا إليه راجعون.. طيب مالذي سأفعله؟؟ في خضم هذه المشاكل ... حدثت الفاجعة الكبرى... والصاعقة القاتلة لما تبقى في من رمق حياة وأمل..!! دعوني أروي القصة كاملة.. حصل أن طلبت من والدي أن يهبني عقارا لكي أرهنه فأحصل على سيولة مالية.. وقد دخلت في مشروع إعلامي ..أعتبره قفزة في دنيا الإعلام الإسلامي لو تم..!!! وافق الوالد مشكورا على ذلك .. وفي اليوم الثالث من ذي الحجة .. اجتمعت بالوالد أنا وكل العائلة .. سوى من سافر لماليزيا للسياحة .. قبل عدة أيام... كانت الوالدة وأختي الكبرى أم شهد وأنا نتناقش مع الوالد حول موضوع الرهن.. وحول المشاريع التي دخلتها .. لا شك أن الوالد سيقلق علي من غوائل الزمان وما أكثرها.. أذكر جيدا جلسة الوالد ذلك اليوم .. كانت الجلسة حميمية وعاطفية للغاية .. وأذكر أن آخر كلمة قلتها له ( إذا تم الموضوع فأنت والدي ولو رفضت فأنت والدي) لم يكن الوالد راغبا في سفر الوالدة للباحة برفقتي للقيام بتقييم قيمة الأرض.. ولكن بعد إلحاح وترج وافق على ذلك بشرط أن نرجع للبيت ..قبل ظهر اليوم التالي.. نزلت لبيتي في الدور الأول وأحضرت إحدى الكاميرات الجديدة لمشروعي القادم.. عرضتها عليه فحرك رأسه سرورا بما يرى.. جلست الوالدة أمامه بعد أن لبست عبايتها وخمارها .. ووضعت يديها على ركبتي والدي .. لم اذكر أبدا أنني شاهدت الوالدة تفعل ذلك من قبل.. داعبت لحيته بيدها وقالت له : أتأذن لي حقا بالذهاب؟؟ والله ما ذهبت وأنت متكدر وغير راض إلا كان ذهابي مشقة وعنتا.. أو نحو هذا الكلام.. كانت تلك هي نظرة الوداع..الأخيرة .. كانت آخر ابتسامة وآخرة نظرة بين الاثنين.. ودعت الوالد وانصرفت عنه .. إنني أكتب هذه العبارات وكأني أنظر لكل شيء أمامي.. نزلت للسيارة .. وانتظرت الوالدة .. فلم تتأخر .. وتوجهنا صوب مدينة الباحة .. كان ذلك قبل صلاة المغرب بنصف ساعة.. عزمنا على تأخير الصلاة للعشاء جمع تأخير.. الوالدة حفظها الله امرأة خمسينية ذربة اللسان.. تطوف بك في السواليف والحكايات شرقا وغربا.. وبما أننا ذاهبون لتقييم العقار فكان الحديث عن الإرث الذي ورثه ... والدي من جدتي مناسبا .. حدثتني والدتي عن مرض جدتي أم الوالد التي توفيت فيه وأنا عمري ثلاثة شهور.. حيث اتصلت العمة بوالدي الذي كان مديرا لمدرسة في الطائف.. ويسكن في داخل هذه المدرسة حينها هو وعائلته!! ولا تستغربوا أيها القراء الكرام فهذه حقيقة.. وقد أخبرتني الوالدة بأنني ولدت بهذه المدرسة.. حينما بلغ الوالد بمرض الجده توجه فورا لمدينة الباحة لقرية اسمها الكرا.. وتقع شمال شرق الباحة على يسار الذاهب لمطار الباحة الإقليمي.. عرف الوالد بصعوبة وضع أمه .. |
|
فقرر نقلها لمستشفى الملك فيصل في الطائف .. كانت في شبه غيبوبة وتأن تحت ثقل المرض .. وصلوا للطائف برفقة أمه وأخته الشقيقة وكانت أمي بانتظارهم بالطائف.. حينما استيقظت الجدة من غيبوبتها .. سألت عن والدي !! فجاء من فوره.. قالت اتجه الآن ياولدي للباحة وأحضر صكوك العقارات !! وأصرت وألحت بأن ينطلق من فوره ..!! فقد كانت تخشى أن تسرق أو أن تؤخذ من البيت بغير علم أبي.. كانت الجدة امرأة حازمة ووالدي لا يعصي لها أمرا أبدا.. توجه الوالد للباحة وأحضر ما طلبته أمه ووصل في الليل متأخرا متعبا.. حينما عاد أعدت الوالدة الشاي للوالد ليتنشط به من السفر.. ولكن حارس العنبر طلب من الوالد الخروج لانتهاء فترة الزيارة .. بقيت الوالدة مع الجدة وكنت أنا ثالثهما أما رابعنا فهو ضيف كريم..!! إنه ملك الموت عليه السلام!! طلبت الجدة من أمي أن تفرق لها شعرها فرقتين وتدهن رأسها.. لأنها تشعر بصداع شديد وما كانت تعلم بأن ذلك من عوارض الموت.. تمددت جدتي واتكأت بظهرها على أمي وأخذت أمي تمشطها.. صمتت جدتي برهة من الزمان ، وسقطت يداها على الأرض.. صاحت بها الوالدة .. يافلانه يافلانه.. لم ترد عليها.. وفجأة فتحت الجدة عينيها و قالت جدتي بعد أن مدت يديها كأنها ترى أحدا.. تعال يابني تعال ياصالح..تعال ياحبيبي!! وصالح هذا أحد أبناءها الذين توفو في عمر السبع سنوات تقريبا.. ثم رفعت اصبعها وهزته برفق تريد التشهد، وتشهدت ثم فاضت روحها.. هذا ملخص ما حدثتني به الوالدة .. وأما والدي فإنه حين مغادرتي مع الوالدة للباحة .. خرج بعدنا بدقائق وتوجه مع أختي الصغيرة رباب.. تحدثني رباب تقول: كان الوالد يمازحها ويضاحكها طوال الطريق .. وكنت أريد أحدثه في أمور كثيرة تعنيني.. ولكنني حينما رأيته مسرورا يمزح كرهت أن أبدل مزاجه الطيب.. لم تكن تعلم المسكينة سر هذا المزاج الطيب ..!! حينما وصلا لجبل الهدى توقف والدي في الصندقة المعدة للصلاة التي في أعلى الجبل .. وتأكد من مصلى النساء فنزلا للصلاة .. وقال لها : صلي المغرب والعشاء فربما لا نعيش يابنتي!!! سبحان الله !! هل يعلم الميت بدنو أجله.. هل يبلغ بشيء الله أعلم.. غير أني لا حظت في والدي إقبالا على العبادة في الشهور الأخيرة بما لا عهد لي به.. وتقول أختي وهي رفيقته في عدة سفرات : لم تكن عادته أن يجمع الصلاة في السفر.. بل كان يحرص أن يصلي كل صلاة لوقتها في المسجد أينما وجد... يحدثني شخص زارني للعزاء يقول: قبل أسبوعين هرب شخص من الشقق المفروشة التابعة لوالدكم .. ولم يدفع أجرة الشقق... فقلت له يابو محمد عندك رقم جوال الرجل اتصل عليه وبلغ عنه الشرطة.. قال الوالد لا، دعه فسوف استرجعها منه يوم الدين فأنا سأحتاجها قريبا..!! قرأت في كتاب التذكرة للقرطبي ،عن أثر أن الله تعالى إذا أراد بعبده خيرا وكل له ملك ينشطه للطاعة قبل موته ثم يقبضه على الطاعة.. والله أعلم. كان الوالد مع كبر سنه يسرع في قيادة السيارة.. فلقد انطلق بسرعة تفوق المائة وستين في الطريق السريع بين الطائف ومكة.. وفجأة ظهرت له سيارة في وسط الخط شبه متوقفة.. ويظهر أنها خرجت من فرجة وسط الطريق... وقد أنكر ضابط المرور ذلك .. ولكن أختي أكدته وشاهدت السيارة.. |
|
على كل حصل أن تنبه الوالد لتلك السيارة .. فأدار المقود للجهة اليمني لتنحرف المركبة بسرعة قاطعة الطريق من طرفيه... حينها صرخت الفتاة وسقطت في تجويف السيارة أسفل المقاعد.. وهي من نوع الفرت الدفع الرباعي... تشاغل الوالد بابنته فقد أيقن بالكارثة .. جذبها نحوه وضمها لصدره وارتمى عليها.. ليحميها.. سقطت السيارة في الوادي وتقلبت أربع قلبات أو أكثر.. تمزقت السيارة فصارت شذر مذر.. وضرب سقفها الحديدي من جهة الأخت على رأس الوالد .. كانت الضربة تلك هي القاتلة .. أما أختي ففقدت الوعي .. ولم تشعر سوى أنها ببطن الوادي فوق شجرة طلح.. على بعد يتجاوز الخمسين مترا تقريبا.. حيث نفحتها قوة استدارة السيارة في الهواء.. وحصل ما حصل مما ذكرته سابقا... والله المستعان.. كانت تلك الأحداث المؤلمة تدور رحاها في طريق الطائف مكة.. وأنا والوالدة نتحدث عن الوالد وأمه...!! وبره بها وكيفية موتها.. تصادف عجيب .. !!! تزاحم الناس كالعادة على مكان الحادث.. جاء ضابط شهم من قبيلة عتيبة ... ومنع المتطفلين من الوصول للفتاة .. حيث لم تعلم بموت الوالد.. حينها.. قال أحد العسكر هل الميت يقرب للفتاة ؟؟ فصاحت البنت وولولت.. فقال لها الضابط : ليس أبوك يا أختي إنه الشخص في السيارة الثانية.. والدك نقلناه للمستشفى وستلحقينه قريبا .. لقد قام هذا الشاب النبيل بجمع كل ما تناثر من نقود وذهب ومستندات .. لأكثر من ساعتين من بعد الحادث.. وسلمها كما هي لي بغير نقصان.. بعد عدة أيام فجزاه الله خيرا.. حين وصولي لمدينة الباحة ... أدركت العشاء في المسجد.. وبعد الصلاة توجهت للسوق لشراء هدايا للأقارب.. وحينها اتصل علي ابن العمة...!!! كنت فرحا باتصاله على غير عادته !! قال لي أين أنت ؟ قلت له الآن وصلت للباحة.. قال والدك أصيب بحادث وأختك بخير وهو بخير ويجب عليك الحضور!! لم أسمع مثل هذه العبارة من قبل !! أو أن عقلي من هول كلامه لم يدركها..!! طلبته يكرر ما قاله كأنني أبله..!! وحين أدركت معاني عباراته قذفت بما في يدي من حاجيات.. وحين رأيت الوالدة في السيارة .. ترددت!! وقفت أنظر إليها من خلف السيارة!! ماذا عساني أقول لها؟؟ ما هي العبارات المناسبة لموقف مخيف كهذا!!؟؟ اقتربت من النافذة وانحنيت كالمسكين حينما ينكسر للسؤال... ونظرت في عينيها وقلت لها بصوت خافت وهادئ.. يامه أبي صار عليه حادث لازم نرجع للطائف !! ايش؟ ما فهمت ايش تقول!! تتعتعت قليلا ثم تماسكت وقالت: كيف أبوك ياولدي؟؟ ووينه؟؟ وأختك؟؟ عشرات العبارات انطلقت منها.. قلت لها لا أدري خلينا نرجع ونشوف... استدرت بالسيارة فورا لرحلة العودة.. لمن يعرف طريق الجنوب في الليل فهو خطير للغاية ومليء بالدواب.. ومع ذلك فقد أسرعت بشكل جنوني لألحق بأبي محمد.. وما كنت أدري حينها أن الحبيب قد وضع رحاله في دار غير دارنا والله المستعان.. خلال الطريق لم تتوقف الاتصالات بيني وبين إخوتي.. فلقد خرجت العائلة عن بكرة أبيها حبا لهذا الرجل .. ولم يكن يعلم أحد بوفاته قبل وصولنا.. |
|
اتصلت في الطريق على جميع مستشفيات مكة المعروفة لي .. رابني ..إفادة الممرض بنقل الوالد لمستشفى الششه وأختي لمستشفى النور..!! لماذا فرقوهما؟؟ قالوا لعدم وجود أسرة بسبب الحج..!! كانت بعض الاتصالات من الأقارب مزعجة.. حيث لا يراعي البعض مشاعر الإنسان وهو يقود في طرق خطرة.. ولكن الله سلم.. أمرتني الوالدة بالتوجه لمستشفى الششه فقد كان الهم بالوالد أكبر!! ومن ذا يعز عليها أكثر من أبي محمد!! ولكن أخي الكبير حين علم بوجهتي وقد علم بموت الوالد حينه خاطبني بنبرة عادية ولم يظهر عليها الحزن.. بالتوجه لمستشفى النور.. وأصر علي بإحضار الوالدة لهم ، وبعدها ننطلق لمشاهدة الوالد.. في إحدى اتصالاتي للششه طلبت من الممرض بإلحاح كبير أن يوصلني بالخط لأتحدث مع الوالد، ولكنه ماطل بحجة بعد التلفون وأنه في غرفة العمليات ونحو هذا الكلام.. وحسنا فعل جزاه الله خيرا.. يعجبك فطنة بعض الناس في تصرفاتهم.. كانت الوالدة طوال الطريق تضرب بيدها على صدرها بشكل متتابع.. وبدون نواح.. ولصدرها أزيز كأزيز المرجل.. وتقول ياولدي أبوك صار له شيء أنا أشعر بذلك!! أكيد يابو محمد صار عليك شيء ما شعرت يمه بمثل هذا الشعور قبل اليوم..!! كنت أسفه رأيها، وفي قرارة نفسي أوافقها ولكنني رحمتها... ولو تركت للظنون سبيلا لقلبها لانفطر من حينه لا قدر الله.. وصلت لمستشفى النور وبالكاد حصلت موقفا للسيارات.. كنت والوالدة نلهث خلف كل من نراه مقفيا نحسبه أخا أو والدا!! وصلت للاستقبال.. لاحظت عليه البرود فأشعرني ذلك بالراحة..!! أعطيته أسماء المصابين.. أشار لي بالذهاب لمكتب التنويم.. وبحمد الله قبل وصولي لهم اتصل أخي .. فقد كانت عاطفتي والوالدة أشبه ببركان..ينتظر الثوران .. أصررت على الوالدة أن تجلس على مقاعد النساء.. وبحثت عن أخوي وحينما شاهدتهما من بعيد.. تفرست في وجهيهما .. لعلي أعرف خبرا .. وحينما التقينا ، أشاح أحدهما بوجهه عني ليخفي دمعة تحدرت من عينيه.. ومن ثم ضمياني وبكيا كطفلين صغيرين.. مات أبونا يافلان مات.. استرجعت ،، ولم استطع الاستمرار في الوقوف فقعدت على الرصيف أبكي كيتيم ... كان الهم عند إخوتي على الوالدة.. فهي كبيرة في السن ولربما تسوء الكارثة ... وتتضاعف المصيبة .. لم تنتظر الوالدة فلقد بحثت عنا فجاءت تتبع الخطى .. وين أبوكم يامه؟؟ وين أختكم ؟؟ ويش صار وأنا أمكم .. بكى الأخوان عندها فصرخت الوالدة وسقطت على الأرض.. أما الأخت فقد انكسرت ذراعها وأصيبت بشعور في الظهر.. ولكن الله سلم.. فقد كادت المسكينة تلحق بوالدها .. فالحمد لله على عافيتها .. كانت تلك الليلة كابوسا بما تعنيه الكلمة من معنى.. فهول المصيبة ثم ما يترتب عليها من ترتيبات من تغسيل وصلاة ودفن وغير ذلك تشكل أزمة واستنفارا لكل الطاقات.. لم نذق جميعا طعم النوم .. كنت في تلك الليلة أفكر بالوالد في الثلاجة .. هممت أن أذهب للثلاجة لأكون قريبا منه!! وما عساني أنفعه حينها!! |
|
في ضحى اليوم الثاني .. اجتمعت العائلة والأقارب والأعمام .. انطلقنا للثلاجة.. كان يوما مشمسا ، والوجوه عابسة .. كنت وإخوتي كحفاري قبور.. لم نعرف كيف نبدأ كل له رأي وكل يتكلم ولكن ليس بينهم أبو محمد..!! استكملنا إجراءات استخرج الجثة ومن ثم توجهنا للثلاجة.. كانت سيارة الإسعاف التي ستنقل الوالد جاهزة ومفتوحة الأبواب.. قادنا عامل بنغالي يحمل بيده نقالة صغيرة.. لم يظهر عليه أثر الخوف والتردد مثلنا!!! كانت أمامه ثلاثة أبواب حديدية ضخمة.. فتح احدها فخرج منها تيار هوائي بارد للغاية.. ويا للمنظر الموحش.. أكثر من مئة جثة قد رصت بشكل فوضوي .. دخل العامل للداخل فلحقته لوحدي .. ثم تتابع من جرؤ ورائي.. كانت بقع الدماء تملاء المكان .. والجثث موضوعة في أدراج كأدراج الكتب والإضاءة خافته للغاية .. بحث العامل في الأرقام وعيوننا جميعا تسير معه.. وأخيرا أشار لأبي.. وقال هذا هو ..!! دونكموه!! اقتربنا من الوالد كان رحمه الله دقيق الجسم .. قليل اللحم ... رأيت يده فعرفتها.. أذكر أن أعمامي وإخوتي انكبوا على يده فقبلوه لم يجرؤ أحد على رفع غطاء الوجه.. فقد كان الدم يغطيه بشكل مخيف.. وعلى جوانب النقالة سقط الدم.. كانت يده بارزة وتلمع فيها أزرار كم الثوب الحديدية.. وكان ثوبه أسودا كما تركته بالأمس.. لو لم أرى الدماء لظننته نائما رحمه الله فقد كانت كهيئته في ذلك كما عرفته.. أذكر مرة أنني في صغري وأنا لم أتجاوز الثمان سنوات .. أنني دخلت على الوالد .. وكان نائما في صالة بيتنا القديم.. كان مهيبا ولا يجرؤ أحد على إزعاجه... لكنني جرؤت حينها ووضعت راحة يدي على بطن قدمه وأريد مداعبته.. عندها استفاق الوالد ونظر من حوله فحين رآني لفحني بالمخدة وقال لي ياشقي!! ها أنا الآن بعد أكثر من عشرين سنة أحمله جثة هامدة ... أخرجناه وتوجهنا به للمغسلة.. وكانت على مسافة بعيدة.. دخلت مع عمي للمشاركة في التغسيل .. كنت أتساءل .. هل أنا أحلم؟؟ ألم أكن بالأمس معه أتحدث !! ما أرهب الموت وأعظم ترويعه.. كنت اقترب من وجهه ولا أقدر أنظر إليه .. ولكنني أخيرا رأيته.. خاطبته كثيرا وقبلته ودعوت له.. كانوا يقلبونه يمينا وشمالا كدمية !! وبالأمس لا يجرؤ أحد أن يقاطع حديثه!! كان سيدا مطاعا في أولاده وعماله وخدامه وزوجاته واليوم هو جثة هامدة!! كان يستنشق الهواء ويأكل الطعام ويمشي في الأسواق والآن يلف بخرقة !! شقت السنون والهموم في وجهك ياأبي سنون طويلة.. والآن نم قرير العين مطمئنا ( بإذن الله) ياأبي لكم تمنيت في تلك اللحظات أن أكون فدائك.. ولم تصب بخدش!! ارحل فقد تركت في القلوب جروحا لن يمحوها الدهر لفراقك رحمك الله.. يا أبي لو علمت كيف أصبح حالنا من بعدك .. تشتت حالنا ، وتبدلت القلوب ، وثقل حملنا من دونك حملناه للحرم الشريف ووضع الوالد بين يدي الشيخ أسامة بن خياط.. فكبر الشيخ ،فكبر خلفه مئات الآلاف من المصلين .. وسيشفعون له إن شاء الله حينما وصلنا للمقبرة ظننت أن هناك جنازات أخرى غير جنازتنا فقد هالني الحشد الكبير من الناس.. أناس جاءوا من كل مدن المملكة من أصحابه وأحبابه وأقاربه بل وحتى طلابه.. لقد مكث الوالد في التعليم خمسة وثلاثين سنة.. حتى تقاعده.. صلوا عليه الجنازة مرة أخرى ثم وضعته وإخوتي في قبره الملحد.. |
|
حاولت أن أكشف وجهه لأقبله ولكن ضيق القبر حال عن ذلك.. ردمناه بالتراب .. ونفضنا أيدينا .. وانتهى كل شيء.. مرت من تلك اللحظات حتى آخر لقاء معه بالأمس حوالي أربعة وعشرون ساعة.. سبحان الله ما أغرب صروف الحياة.. أسأل الله تعالى أن يجعله في مقعد صدق عند مليك مقتدر.. اللهم اغفر لأبي زلله وخطأه وتجاوز عن سيئاته واجعل قبره روضة من رياض الجنة.. انتهى الفصل الثالث.. في وداع والدي أبي محمد الفصل الرابع انتهت أيام العزاء المعروفة... بالنسبة لمن جاء معزيا فقد أدى الواجب وانتهى كل شيء.. أما لأهل الفقيد فالحال مختلف كليا.. فضريبة الموت غالية جدا.. يدفعها أحبابه وأصحابه ثمنا غاليا من الأسى والحزن العميق أما أنا فحالي كما قال القائل تكاثرت الظباء على خراش .. فما يدري خراش ما يصيد!!! جاء العيد بعد موت الوالد بأسبوع فقط.. ويا للعيد !! لا والد ولا ولد... فالحمد لله على كل حال.. بعد انتهاء الإجازة الرسمية للموظفين توجهت لجدة قاصدا مقابلة الأمير محمد.. كنت موتورا وبلغ بي الحنق مبلغه.. بلغني الحرس على البوابة بأنه لا يوجد أحد.. والأمير في الرياض.. ذهبت للرياض في اليوم التالي... ومن المطار توجهت لوزارة الداخلية مباشرة .. أتيت لمدير مكتب الأمير... ولم يكن موجودا حينها.. وحين دخل علينا وقفت له وسلمته معروضا أشرح فيه حالي .. فقال لي : أنت ممنوع من السفر لسنتين!! قلت له: لماذا؟ قال القوانين !! قلت له أي قوانين؟؟ وهل تعرفني؟؟ هل أنا متهم؟ هل تعرف قضيتي أصلا!! قال لا !! ولكن إذا كان جوازك مفقود فأنت ممنوع من السفر سنتين حسب القوانين.. قلت له ياأستاذي الكريم أنا لم أفقد جوازي بل سلمته للجوازات.. ثم لماذا لم تبلغوني.. أليس من الواجب عليكم تبليغي بحالي حتى أتصرف فأنا منذ شهرين لم أتلقى أي رد.. نادى أحد موظفيه وقال له : انظر في معاملة المذكور وليش ما اتصلتم عليه؟ وبعد دقائق جاء برقم المعاملة وادعى أنهم لم يتصلوا علي بسبب عدم وجود رقم تلفوني! قلت له مستحيل الخطاب موجود عليه الرقم جب المعاملة!! وفعلا أكد مدير مكتب الأمير على ذلك وطلب المعاملة!! انتظرت ربع ساعة لكي يحظر لي المعاملة فلم يحظرها..!! اتصل مدير المكتب عليهم وغمغم معهم بكلمات ثم قال لي: ما يوجد عليها رقم، ومثل ما قلت لك راجعنا بعد سنتين!! هكذا إذن سنتين!! سأعيش سنتين في جحيم القلق والانتظار.. لو كنت فعلت جرما استحق عليه الانتظار لهان الأمر ولكنني مظلوم.. ظلمتني قوانيننا الغامضة، ظلمتني البيروقراطية والتعقيدات السخيفة.. ظلمتني حيلتي الضعيفة .. ولكنني لم أعدم الحيل!! فمن ضاقت عليه حيل الناس المعهودة فليطرق كل الأبواب .. كما قال الشاعر.. أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ومدمن القرع للأبواب أن يلجا.. قرعت باب الأمير محمد بن نايف ولكن هذه المرة ليس من باب مكتبه .. بل عن طريق الساحة السياسية..!! كتبت في ذلك اليوم مقالا ناريا !! لم أتشجم فيه العناء..!! |
|
فقد أخذ مني دقائق معدودة.. فقد كنت مهيئا للانهيار... فقد توالت علي النكبات مما يصلح ذكره ومما لا يصلح ذكره .. فلا مفر من المكروه .. وما قصدت الشتيمة والله حينها بل أردت أن ألفت الانتباه..!! فأنا صاحب مظلمة وقد دخلت في دوامة لا يعلم مداها إلا الله.. ومن خبر متاهات المعاملات الحكومية والتي قد تدور وتدور عقودا من الزمان.. لم يلمني في سلوك درب لا تعلم عواقبه !! ولا يمكن التنبؤ بخاتمته!! ولكن خيرا حصل والحمد لله!! حينما أنزلت المقال في الساحات .. أضفت رقم سجلي المدني ورقم تلفوني الجوال.. وطلبت من الأمير محمد بن نايف أن يسجنني أو أن يجمعني بأهلي وأبنائي!! هذا هو عنوان المقال..!! تباينت ردود المشاركين في الحوار فما بين متعاطف ومستاء ، إلى بعض الذين نبهوني.. إلى خطأ الأسلوب ، وأن الواجب طلب ذلك سرا... إلى الذين صبوا علي جام غضبهم على جرأتي ووقاحتي مع الأمير.. كانت الآراء متفاوتة ومتنوعة ولكنها في نهاية الأمر صبت في مصلحة القضية!! فقد كنت متيقنا أن التفاعل السلبي أو الإيجابي هو في النهاية سيوصل للمقصود!!! وهو لفت النظر ، وخاصة نظر الأمير... اتصل علي مجموعة من الإخوة على الهاتف وراسلني مجموعة برسائل sms جاءتني مكالمات خارجية .. أذكر واحدة منها جيدا.. هذه المكالمة كادت أن تحور موضوعي لمنحنى خطر ولكن الله سلم..!! أصبت بخوف شديد !! خاصة والدولة حينها استنفرت استنفارا كبيرا لمؤتمر الإرهاب في الرياض.. والذي ستحضره ممثليات دول كثيرة ... فكان ظهور مقالي حينها غير مناسب بالتأكيد.. لمن يفهم ما أعنيه جيدا!! وحينها جاءتني خاطرة عجيبة !! لقد عزمت على الهرب!! نعم الهرب خارج المملكة!! كيف ؟؟ ولماذا؟ أما كيف فلا أدري فالهارب يسير في الأرض الفسيحة حتى يجد مأوى يؤويه.. أما لماذا ؟؟ فقد خفت .. خفت أن تكون عواقب فعلي كبيرة .. فالهروب خير لي من الأسر والسجن والعذاب..!! تركت جوالاتي وحقائبي وسيارتي وجميع ما أملك من متاع ..في مدينة الرياض واستأجرت سائقا بسيارة خصوصي يوصلني لمدينة جيزان!! سلكت طريق الوادي فهو أقرب وأقل نقاطا من الطرق الأخرى!! ولقد صدقت توقعاتي فلقد عمم علي في المنافذ ولكن الله سلم!! كان رفيقي في الرحلة أو السائق من سكان نجران.. جاء للرياض ليوصل عائلة قريبة له.. لم أكن أعرفه من قبل .. ولكن الرجل كان دمث الأخلاق حسن التعامل .. وحين سألته عن عمله قال أنا موظف في قطاع الأمن الداخلي!! جرت الأمور بكل هدوء فلم يظهر علي أي شيء مريب!! كان الطريق طويلا ومملا ولكن السواليف والقصص التي أمتعني بها أبو حسن .. آنستنا وأنستني من تعب السفر وعذابه.. كان انطلاقنا حوالي الساعة التاسعة والنصف صباحا .. ووصلنا لمدينة خميس مشيط حوالي العاشرة مساء.. لم يفارقني أبو حسن ( وهذه كنيته) حتى تأكد من اتفاقي مع سائق آخر .. أصر علي أن أزوره في نجران وأن يكرمني بحقي بالضيافة في بيته.. وأعطاني رقم تلفونه وغادرني نحو أولاده.. |
|
انطلقت مع سائقي الجديد بسيارة خصوصي أيضا وتوجهنا لمنطقة فيفا.. كان يحمل في وسط جسمه خنجرا مغمودا !! سألته عن سر هذا الخنجر؟؟ قال هذا شيء ورثته عن أبي وهو من عاداتنا نحن أهل رجال ألمع!! قال لي ؟ هل سبق ذهبت لمنطقة فيفا ؟ قلت لا..!! قال هل هناك شخص تعرفه أو قريب ونحو ذلك؟ قلت لا !! قال ياولدي المنطقة طريقها صعب ونحن سنصل إليها بعد منتصف الليل ..!! فلماذا لا تبات في الفندق وغدا الصبح تذهب إليها.. قلت له أبدا ، أوصلني لفيفا وأنزلني عند جامعها وسوف أتصرف!!! أخذت ألهيه بالكلام في أمور جانبيه لأشغله عن الأسئلة المحرجة؟؟؟ كنت أحسب الوقت وأسابق الزمن فإما أن يقبض علي أو أن أفر!! ولكن أين الفرار وكيف ؟؟ والله لم أكن أدري !!! فيفا منطقة ساحرة الجمال وهي جبل ضخم تسكنه قبيلة فيفا.. ومنظر هذه المنطقة ليلا أو نهارا منظر بديع للغاية!! عندما وصلنا قريبا منها شاهدت أضواء متناثرة في ارتفاع شاهق يكاد يغطي الأفق!! سألت السائق أين نحن متجهون؟؟ قال هذه فيفا !! تقع المنطقة على الحدود اليمنية ولذلك قصدتها!!! حينما وصلنا للمفرق المؤدي للجبل رأيت شققا مفروشة.. طمعت في الفراش الوثير فأنا لم أذق طعم النوم منذ حوالي 24 ساعة.. وفعلا غامرت بالنوم في الشقق مع أن ذلك خطأ قد يوقعني فيما فررت منه!!! نمت كنوم الذئب .. وفي الصباح توجهت لسوق المنطقة واسمها ( بني مالك) .. ومنها يظهر جبل فيفا بوضوح خلافا لليلة الماضية.. اشتريت بعض الاحتياجات الضرورية .. ثم تعاقدت مع سائق يوصلني لجبل فيفا المجاور .. على أن يجد لي مكانا أسكن فيه هناك... وهكذا كان.. استغرقت الرحلة من بطن الوادي للجبل حوالي الساعة .. تدور في طرق ومزالق مهلكة .. تعاقد لي صاحبي مع صاحب المنزل على أجر متفق عليه.. وكان رمزيا .. ووافقت عليه.. وحينما دلفت للغرفة المعدة للسكن.. رأيت بقايا شجرة القات على بساط الغرفة!! سألت الصبي : هل هو مسموح !! قال : نعم فقط في فيفا !! المنزل الذي نزلت فيه يقف على هاوية سحيقة.. ومن نافذته ترى الناس والسيارات في أسفل الوادي كحجم الذر!! ومع ضيق الطرقات تسير السيارات فيها بجرأة عجيبة لا يكاد يفعلها سواهم !! أهل فيفا رجال كرام فيهم النخوة والشهامة .. لا يشعر الضيف والغريب بأنه خارج أهله ودياره ولكن هيهات!! فبالنسبة لي لا يغني عن حالي مال ولا بنون إلا رحمة أرحم الراحمين!! كانت المناظر الخلابة من ذلك الجبل لا تغريني ،فقد صادفت قلبا خاويا فارغا!! وما عساها تنفعني في محنتي وشقائي والله المستعان.. منذ يومين والأخبار منقطعة عني .. ولم أحاول الاتصال على أي كان ، خوفا من معرفة موقعي الحالي!! وآخر مكالمة لي كانت من الرياض مع أخي وزوجتي .. وشرحت لهم حالي ... وقلت لهم توقعوا عدم اتصالي عليكم فترة طويلة..!! بعد ذلك بدأت فكرة تحديد طريقة العبور المناسبة خارج البلاد .. كنت أحاول الحصول على المعلومات عن طريق الشباب الصغار لكي لا ألفت النظر.. كان بجوار غرفتي درج طويل ورقيق يوصل لمسجد صغير للغاية لا تتجاوز مساحته 5x5 متر مربع.. وفرشه جديد ومبني بشكل بدائي ، له كوة صغيرة في محرابه تشرف على الوادي السحيق.. |
|
قدمني الناس للصلاة بهم مرارا.. وغالب وقتي أجلس في المسجد متلحف بجبة سميكة.. أقرأ وأستخير واصلي فيه.. دعوت الله بصدق أن يهديني إلى الصواب في قولي وفعلي.. دعوته أن يلهمني رشدي ويقيني شر نفسي.. أكثرت من التضرع لله تعالى فأنا مقدم على قرار خطير يكون له ما بعده.. فكرت مرارا وتكرارا .. هل ما أفعله صواب؟ هل كل ما أفعله يفيدني في ديني ودنياي؟ سألت نفسي : انظري يانفس أين أصبحت؟ وأين تسيرين؟ أين سأذهب ؟ ومع من؟ ومن يضمن لي السلامة؟؟ ثم إلى أين؟ تساؤلات كثيرة !! وأجوبة معدومة..!! فكرت في حياتي كيف كانت وأين صرت وأين أسير.. بقيت على هذا الحال ثمان وأربعين ساعة .. وأنا أدور في المسجد ذهابا وإيابا أنظر في حالي وعواقب الأمر الذي سوف أفعله!! ناداني صاحب البيت للجلوس على دكة معدة للجلوس أمام الوادي في منزله!! جلست من بعد عصر اليوم الثاني حتى غربت الشمس!! إن لشرب الشاي على تلك الشرفة طعم خاص .. وخير مكان للتأمل هي المواضع المرتفعة .. ومن جرب ذلك عرف ما أعنيه.. حيث ترتخي الأعصاب وتهدأ الطباع ويطيب المزاج.. كانت جلسة رائعة.. ترى من خلال الضباب الكثيف الأطفال يلعبون ويمرحون في الحقول والبساتين على الجبل الشاهق.... تسمع أصوات الديكة تتردد في الوادي .. كان أجمل وقت حينما تبدأ المساجد بالأذان فيتردد صدى التكبير في الوادي.. ما أجمل الأمور على طبيعتها .. خاطبت نفسي حينها كثيرا .. وبعد تفكير عميق سبقتها دعوات واستخارة عزمت على أن أرجع أدراجي..!!! نعم يجب علي العودة!! كفى هروبا كفى..!! فقد رأيت أن قرار الهروب فوائده إن وجدت لا تقارن بمصلحة العودة .. إن مواجهة المشكلة والسعي بحلها بكل الطرق الممكنة خير من تعليقها .. ففي النهاية لا بد من مواجهتها فالأفضل التعجيل بذلك والمبادرة!! كل ذلك حصل وأنا لا أدري بما يخبئه القدر لي !!! طلبت من ابن صاحب المنزل أن يوصلني للوادي ..!! قلق الرجل من هذا القرار المفاجئ !! وقال خيرا إن شاء الله ظننتك ستمكث عندنا مدة أطول..؟؟ شكرته وأكدت له بأنني سأعود له يوما بصحبة أهلي وأبنائي فمنطقته تستحق العودة!! وصلت لمطار جيزان في الليل .. وقال لي بائع التذاكر : ما فيه مقاعد خالية قبل عشرة أيام!!! وماذا أفعل في جيزان عشرة أيام!! ذهبت للفندق ومنه اتصلت على زوجتي.. كانت تبكي بكاء كالطفل الصغير.. تقول هل ضربوك ؟؟ هل أنت في السجن؟ ماذا فعلوا فيك؟؟ قلت لها: يامرأة أنا بخير !! لا تقلقي .. وطمأنتها على حالي وأن الفرج قريب!! اتصلت على الوالدة وهنا كانت المفاجأة.. قالت : المباحث قالبة الدنيا عليك ..ايش سويت ياولدي!! أخذت المعلومات منها بالتفصيل ثم أغلقت الهاتف ... حتى لا ترصد مكالمتي.. وأخيرا تحققت ظنوني فهاهم القوم يبحثون عني!! هممت بالرجوع والهروب مرة أخرى.. وقعت في حيرة ماذا أفعل .. هل ياترى أسلم نفسي.. حاولت الدخول لمنتدى الساحات السياسية من مقهى للانترنت ولكن هيهات.. فالمنتدى ممنوع !! |
|
|