لطلب خدمة التعبير الهاتفي فضلا ابعث رسال لرقم الجوال:0568849911,أخي الزائر / أختي الزائرة مرحبا بكم في موقع بشارة خير ولتفسير أحلامكم نرجو اطلاعكم على المواضيع التالية:,منتدى التعبير المجاني بموقع د/ فهد بن سعود العصيمي,تفعيل خدمة الدعم الهاتفي (رسائل واتس أب) وإشتراك الدعم (الماسي), |
الدكتور فهد بن سعود العصيمي |
اللهم ارحمهما واغفر لهما واجعل مثواهما الجنة |
صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن عبدالرحمن بن عبدالعزيز حفظه الله ورعاه |
مساحة إعلانيه |
لطلب خدمة التعبير الهاتفي فضلا ابعث رسال لرقم الجوال:0568849911,أخي الزائر / أختي الزائرة مرحبا بكم في موقع بشارة خير ولتفسير أحلامكم نرجو اطلاعكم على المواضيع التالية:,منتدى التعبير المجاني بموقع د/ فهد بن سعود العصيمي,تفعيل خدمة الدعم الهاتفي (رسائل واتس أب) وإشتراك الدعم (الماسي), |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
من أخبار العِطاش
الألوكة مِن نِعم الله العظيمة التي أنعم بها علينا، والتي لا تقدر بثمن، نعمةُ الماء، هذا الماء الذي جعله الله سراً من أسرار الحياة، فحيث عُدم عدمَت الحياة، وُحيث وُجد وُجدت الحياة،كما قال جل ذكره: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ}[1]. وقد كثُر حديث العرب عن الماء والسقيا والرّي والعطش والظمأ، في أخبارهم وأشعارهم وسِيرهم وأيامهم... ولأن الماء من نعم الله الجليلة، فإنه دائماً يذكرنا بهذه النعمة، حتى نؤديَهَا حقّها في الشكر والثناء، قال تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ}[2]. وقال جلَّ ذكره: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ}[3]. كما ورد ذكرُ الماء والشربِ كثيراً في كتاب الله عز وجل، وفي مناسبات عديدة،كما قال تعالى للسيدة مريم عليها السلام: {فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً}[4]. وكما قال لنبي الله أيوب عليه السلام: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ}[5]. وقد شبه الله عز وجل في كتابه العزيز أعمالَ الكافرين في الدنيا بالسراب الذي يحسبه الظمآن ماءً، قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ}[6]. والماء ليس فقط من نعم الله في الدنيا، بل من النعم التي خبّأها الله لعباده المؤمنين في الجنة، وإذا كان ماء الدنيا يأسنُ ويتغير مع مرور الزمن، فإن ماءَ الجنة لا يتغير، قال تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ}[7]. وإذا كان المؤمنون يتنعمون بالجنة وما فيها من النعيم المقيم، فإن أعظم أمنيةٍ لأصحاب النار - والعياذ بالله - هي شربةُ ماء، ولكنّ الله حرمها على الكافرين، قال تعالى: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ}[8]. وكما يشرب المؤمنون من ماء الجنة وأنهارها، كالكوثر والتّسنيم، وكالعين التي تُسمى سلسبيلاً، وكالعين التي يشرب بها عبادُ الله يفجرونها تفجيراً، فإن المؤمنين يشربون أيضاً من حوض النبي عليه الصلاة والسلام، هذا الحوض الذي ماؤُه أبردُ من الثلج، وأشدُّ بياضاً من اللبن، كما قال صلى الله عليه وسلم: (أَلاَ إِنَّ لِي حَوْضاً مَا بَيْنَ نَاحِيَتَيْهِ كَمَا بَيْنَ أَيْلَةَ إِلَى مَكَّةَ - أَوْ قَالَ: صَنْعَاءَ إِلَى الْمَدِينَةِ - وَإِنَّ فِيهِ مِنَ الأَبَارِيقِ مِثْلَ الْكَوَاكِبِ، هُوَ أَشَدُّ بَيَاضاً مِنَ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهَا أَبَداً)[9]. وقبل أن نخوضَ في الحديث عن العطش وأخبار العطاش، وبما أننا نتحدث عن الماء، لا بد لنا أن نخصَّ (ماءَ زمزم) بشيء من الحديث، لأن لهذا الماء خاصيةً وميزةً لا توجد في ماء آخرَ، فمَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ[10]. وماء زمزم طعامُ طُعم، وشفاءُ سقم، فهذا أبو ذر الغِفاري عندما كان في مكةَ يسأله النبي صلى الله عليه وسلم: (مَتَى كُنْتَ هَا هُنَا؟) قَالَ: كُنْتُ هَا هُنَا مُنْذُ ثَلاَثِينَ مِنْ بَيْنِ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ. قَالَ: (فَمَنْ كَانَ يُطْعِمُكَ؟) قُلْتُ: مَا كَانَ لِي طَعَامٌ إِلاَّ مَاءُ زَمْزَمَ. قَالَ: فَسَمِنْتُ حَتَّى تَكَسَّرَ عُكَنُ بَطْنِي وَمَا وَجَدْتُ عَلَى كَبِدِي سَخْفَةَ جُوعٍ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّهَا مُبَارَكَةٌ وَإِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ)[11][12].. فهو ماءٌ مبارك، وأشرف منه الماءُ الذي نبع من بين أصابع النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ذكر في زاد المعاد أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: (يَا أَخَا صُدَاءَ هَلْ مَعَك مَاءٌ؟) قُلْت: مَعِي شَيْءٌ فِي إدَاوَتِي فَقَالَ: (هَاتِه) فَجِئْت بِهِ، فَقَالَ: (صُبّ)، فَصَبَبْتُ مَا فِي الإِدَاوَةِ فِي الْقَعْبِ فَجُعِلَ أَصْحَابُهُ يَتَلاحَقُونَ ثُمّ وَضَعَ كَفّهُ عَلَى الإِنَاءِ فَرَأَيْت بَيْنَ كُلّ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِهِ عَيْنًا تَفُورُ. ثُمّ قَالَ: (يَا أَخَا صُدَاءَ لَوْلا أَنّي أَسْتَحِي مِنْ رَبّي عَزّ وَجَلّ لَسَقَيْنَا وَاسْتَقَيْنَا). ثُمّ تَوَضّأَ وَقَالَ: أَذّنْ فِي أَصْحَابِي مَنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ بِالْوُضُوءِ فَلْيَرِدْ. قَالَ فَوَرَدُوا مِنْ آخِرِهِمْ[13]. وكذلك عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رضي الله عنهما - قَالَ عَطِشَ النَّاسُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَالنَّبِي - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ فَتَوَضَّأَ فَجَهَشَ النَّاسُ نَحْوَهُ، فَقَالَ: (مَا لَكُمْ؟). قَالُوا: لَيْسَ عِنْدَنَا مَاءٌ نَتَوَضَّأُ وَلاَ نَشْرَبُ إِلاَّ مَا بَيْنَ يَدَيْكَ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي الرَّكْوَةِ فَجَعَلَ الْمَاءُ يَثُورُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ كَأَمْثَالِ الْعُيُونِ، فَشَرِبْنَا وَتَوَضَّأْنَا. قُلْتُ كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ لَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ لَكَفَانَا، كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مائةً[14]. وحصل نبعُ الماء من بين أصابع النبي صلى الله عليه وسلم في أكثرَ من موضعٍ، كما هو معروف للجميع. وغالباً عندما يُذكر الماءُ يُذكر معه العطش والظمأُ، مع أن الإنسان قد يُروى من غير الماء، ولكنه ريٌّ مؤقتٌ، فالنبي صلى الله عليه وسلم شرب لبناً، قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: لَمَّا خَرَجْنَا مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ مَرَرْنَا بِرَاعٍ وَقَدْ عَطِشَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ فَحَلَبْتُ لَهُ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ، فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ[15]. وسقايةُ العطشى من أعظم الأجور التي يُؤجَرُ المرء عليها، وإرواءُ الماء، حتى في الجاهلية كانوا يتسابقون لسقاية الحجيج، ومازالت إلى اليوم سقاية الحجيج من أعظم الشرف وأرفعه. وكثيراً ما استسقى النبيُّ صلى الله عليه وسلم للصحابة كما استسقى موسى لقومه، وبخاصة في العطش الشديد، قال عمر: خرجنا إلى تبوكَ في قيظ شديدٍ، فنزلنا منزلاً أصابنا فيه عطشٌ حتى ظننَّا أنّ رقابنا ستنقطع، حتى أنّ الرجل لينحر بعيرَه، فيعصر فرثه فيشربه، ويجعل ما بقي على كبده، فقال أبو بكر الصديق: يا رسول الله، إن الله قد عوّدك في الدعاء خيراً، فادع له، فقال: (أتحبُّ ذلك؟) قال: نعم، فرفع يديه فلم يرجعْهما حتى قالت السماء، فأظلت ثم سكبت، فملأوا ما معهم، ثم ذهبنا ننظرُ فلم نجدْها جازت العسكر[16]. بل كان النبيُّ صلى الله عيه وسلم في غاية التواضع، فهو يسقي أصحابه، ويشرب آخرَهم،كما روى الإمام أحمد في مسنده: أَصَابَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ عَطَشٌ. قَالَ: فَنَزَلَ مَنْزِلاً فَأُتِيَ بِإِنَاءٍ فَجَعَلَ يَسْقِى أَصْحَابَهُ، وَجَعَلُوا يَقُولُونَ: اشْرَبْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (سَاقِي الْقَوْمِ آخِرُهُمْ)، حَتَّى سَقَاهُمْ كُلَّهُمْ. ويرغّب النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالأذان لأن المؤذنين لا يعطشون يوم القيامة، كما قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: (الْمُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ أَعْنَاقًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ). لَيْسَ إِنَّ أَعْنَاقَهُمْ تَطُولُ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ يَعْطَشُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَإِذَا عَطِشَ الإِنْسَانُ انْطَوَتْ عُنُقُهُ وَالْمُؤَذِّنُونَ لاَ يَعْطَشُونَ فَأَعْنَاقُهُمْ قَائِمَةٌ[17]. وليس الأمر في الثواب مقتصراً على الإنسان، بل حتى الحيوان عندما يعطش ويسقيه الإنسانُ فإن الله قد يَغفر له. والحديث الصحيح التالي يؤيد ذلك: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: (بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ، إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَسَقَتْهُ، فَغُفِرَ لَهَا بِهِ)[18]. وقد يكون المطر من السماء بسبب حيوانٍ، فقد خرج نبيٌّ من الأنبياء بالناس يستسقون، فإذا هُمْ بنملة رافعة رأسَها إلى السماء، فقال ذلك النبيُّ: ارجِعُوا فقد استُجيبَ لكم منْ أَجْلِ هذا النَّمْلِ. وعن أبي الصِّدِّيق النَّاجي قال: خرج سليمانُ بنُ داود - عليهما الصلاة والسلام - يستسقي، فرأى نملةً مستلقيةً على ظهرها، رافعةً قوائمها إلى السماء وهي تقول: اللهمَّ إنَّا خلقٌ من خَلْقك، ليس بنا غنًى عن سقْيك، فإمّا أنْ تسقينا وترزُقنا، وإمَّا أنْ تُميتنا وتُهلكنا. فقال: ارجعوا فقد سُقيتمْ بدعوة غيركم[19].
|
|
وكم تفنن الشعراءُ في الصور البديعة التي تصوِّر العطشَ والماءَ، والورودَ والصدود، والنهل والعلّ، فالمأمون يقول:
أَرَى ماءً وبي عطشٌ شديدٌ ولكنْ لا سبيلَ إلى الورودِ أما يكفيكِ أنَّكِ تمْلِكيني وأنَّ النَّاسَ كلّهُمُ عَبيدي؟! ومما قيل في الدعاء: رَمَاكَ رَبّي بِحُمّاةٍ مُقَلقِلَةٍ وَبامتِنَاعِ طَبيبٍ لا يُداوِيكَا وَأنْ تَظَلّ بِصحرَاءٍ عَلى عَطَشٍ وَتَطلُبَ المَاء مِمّن لَيسَ يَسقيكَا![20] وغالب بنُ عبد الله بن عطية عطشَ وهو في البحر، فقال في ذلك: إنَّا إلى اللهِ، لقدْ نالَنا هُمٌّ يُذيبُ القلبَ إحراقُهُ يا عجَباً ممَّا دُهِينَا بهِ نَسكُنُ في الماءِ ونَشتاقُهُ![21] ومما قاله المجنون: أُؤمِّل أنْ أُعَلَّ بشربِ لَيْلَى ولَمْ أَنْهَلْ، فكيفَ إلى العلُولِ؟! وابن المعذّل يأتي بصورة في غاية الروعة عندما يقول: ما إنْ ذكرتكَ في قومٍ أُجالسُهمْ = إلاَّ تجدَّدَ مـِن ذكراكَ بلوائي ولا هَمَمْتُ بشربِ الماءِ من عطشٍ = إلاَّ وجَدتُ خيالاً منكَ في الماءِ ولا حضرتُ مكاناً لستَ شاهدَهُ = إلاَّ وجدتُ فتوراً بينَ أعضائي ومثله لشاعر آخرَ، ولا أدري من الذي أخذ من الثاني؟: يا صاحِ، ما طلعَتْ شمسٌ ولا غربَتْ إلاَّ وأنتَ مُنى قلبي ووَسْواسي ولا تنفَّستُ محزوناً ولا فَرِحاً إلاَّ وذكركَ مَقرونٌ بأنفاسي ولا هَمَمتُ بشربِ الماءِ من عطشٍ إلاَّ رأيتُ خيالاً منكَ في الكَاسِ ولا جلستُ إلى قومٍ أُحدّثهُمْ إلاَّ وأنتَ حَدِيثي بين جُلاّسي وهناك أبيات لأخت عمرو بن عاصية السلميِّ ترثيه، وقد قُتل أسيراً وهو في غاية العطش، تخاطبُ مَن أسَره وقتله: هَلاَّ سَقَيْتُمْ - بني سهمٍ - أسِيرَكُمْ نَفْسِي فِداؤُكَ مِن ذِي غُلَّةٍ صادِي شَهّادُ أَنْدِيَةٍ، رَفّاعُ أَلْوِيةٍ سَدّادُ أَوْهِيَةٍ، فَتّاحُ أَسْدادِ الطَّاعنُ الطّعنةَ النّجلاَء يَتبَعُها مُثعَنْجِراً بعدَما تَغْلِي بإزْبَادِ وسبب الشعر أنّ بني سهم - وهم بطنٌ من هذيل - أسروه في حربٍ كانت بينهم، ولم يعرفوه فلما عرفوه قتلوه، وكان قد عطش فاستسقاهم فمنعوه، وقتلوه على عطشه. وقيل إن هذا الشعرَ للفارعة أختِ مسعود بن شداد[22]. وبعضهم قال شعراً في العنب الأبيض والأسود، وجعله عاصماً من الجوع بالإضافة إلى العطش، كأحمدَ بنِ عبد ربه الذي يقول في عنب أبيضَ وأسودَ: أهديتَ بيضاً وسوداً في تلوُّنها كأنَّها من بناتِ الرُّوم والحَبَشِ عذراءُ تُؤكلُ أحياناً وتُشربُ أح ياناً، فتعصِمُ من جوعٍ ومن عَطَشِ[23] والبعض الآخر جعل الأشياء المعنوية تُشرب، فالبشاشة هي الماء المريء الذي يَسقي منه أبو المغيث رعيّته، وقد مدحه أبو تمامٍ فقال: اسقِ الرعيّةَ مِن بشاشَتكَ التي لو أنها ماءٌ لكانَ مَسوسا[24] وأحمدُ بن عبدِ ربِّهِ الأندلسي يرى أن أحبابه سقَوه من الحِمام، وذلك عندما رحلوا وسارت بهم الظعائن، وخلّفوه وحيداً، يقول: سقَوني حمامي يومَ ساقُوا حمولَهم فرُحتُ وراحوا بين ساقٍ وسائقِ فيا بأَبي تلكَ الدُّموعَ التي هَمَتْ فدلَّت على مَكنُونِ تِلكَ العَلائقِ[25] بينما نرى أن زيد ابنَ المعتمد على الله بنِ أبي القاسم عباد، قال ارتجالاً، وأنشد سحراً حلالاً، عندما مرّت عليه هوادج وقباب، فيها له أخدانٌ وأحباب؛ وجّهوا على وجه الهدية إلى برّ العدوة، وقد كان يلم بهنَّ في صباه إلمام قريش بدار الندوة: مَرُّوا بنا أصُلاً من غير ميعادِ فأوقَدُوا نارَ شوقِي أيَّ إِيقَادِ لا غَرو أن زَادَ في وَجْدي مُرورُهمُ فرؤيةُ الماء تُذكي غُلَّة الصّادِي[26] وهذا الشاعر يطلب من أحبابه سكان العُذيب أنْ يشربوا دموعَ عينه التي يذرفها شوقاً لهم، بعد أنْ بعدت منازلهم: يا ساكنِي أرضِ العذيبِ سُقيتُمُ دمعي إذا ضنَّ الغمام المرزمُ بعدَتْ مَنازِلكُم وشَطَّ مزارُكم وعهودُكم محفوظةٌ مُذ غبتمُ[27] وكثيرٌ من الكرماء من كافأ على شربة ماء بالألوف، ومن ذلك ما يروى أن عبدَ الله بنَ أبي بكر - وكان من أجود الأجواد - عطش يوماً في طريقه، فاستسقى من منزل امرأة، فأخرجت له كوزاً، وقامت خلف الباب، وقالت: تنحَّوا عن الباب، وليأخذْه بعضُ غلمانكم، فإنني امرأةٌ عزبٌ مات زوجي منذ أيام، فشرب عبدُ الله الماءَ، وقال: يا غلام، احمل إليها عشرةَ آلاف درهم، فقالت: سبحان الله! أَتسخَرُ بي؟ فقال: يا غلام: احمل إليها عشرين ألفاً، فقالت: أسأل الله العافية، فقال: يا غلام احمل إليها ثلاثين، فما أمست حتى كثُر خُطّابها! وكان - رضي الله تعالى عنه - ينفق على أربعين داراً من جيرانه عن يمينه، وأربعين عن يساره، وأربعين أمامه، وأربعين خلفه، ويبعث إليهم بالأضاحي والكسوة في الأعياد، ويعتق في كل عيدٍ مائةَ مملوكٍ رضي الله تعالى عنه[28]. وكثيرةٌ هي القصص التي تتحدث عن الذين كادوا يموتون من العطش، نكتفي بواحدةٍ منها: قال زيد بنُ الحباب: حدّثنا محمد بن نشيط: قال حدثنا بكر بن عبد الله المزني: أن قصاباً وُلعَ بجاريةٍ لبعض جيرانه، فأرسلها أهلُها إلى حاجة لهم في قرية أخرى، فتبعها فراودها عن نفسها فقالت: لا تفعل لأنا أشدُّ حباً لك منك لي، ولكني أخاف الله، قال: فأنت تخافينه وأنا لا أخافه! فرجع تائباً فأصابه العطش حتى كاد ينقطع[29] وما أكثر الأمثلةَ التي تتحدث عن العطش والسّقيا والماء، ولكل مثل قصةٌ أدت إلى هذا المثل، فمن الأمثال المثلُ المشهور: (اسق أخاك النمري)، أما قصته فكما قال أبو عبيد: أصله أن رجلاً من النمر بن قاسط صحب كعب بنَ مامة، وفي الماء قلةٌ، فكانوا يشربون بالحصاة، وكان كلما أراد كعبٌ أن يشربَ نظر إليه النمري فيقول كعب للساقي: اسقِ أخاك النمريَّ، فيسقيه، حتى نفد الماء، ومات كعبٌ عطشاً[30]. وكذلك المثل الذي يقول: (أظنُّ ماءَكم هذا ماء عِناق). قالوا: كان من حديثه أن رجلاً بينا هو يستقي وبيته تلقاء وجهه، فنظر فإذا هو برجل معانقٍ امرأته يقبّلها، فأخذ العصا وأقبل مسرعاً لا يشك فيما رأى، فلما رأته امرأته جعلت الرجل في خالفةِ البيت بين الخالفة والمتاع، فنظر يميناً وشمالاً فلم ير شيئاً، وخرج فنظر في الأرض فلم ير شيئاً، فكذَّب بصره. فقالت المرأة، كأنها تريه أنها قد استنكرت من أمره شيئاً: ما دهاك يا أبا فلان؟ أرعبك شيء؟ فكتمها الذي رأى ومضى لحاجته، فلما كان في الورد الثاني قالت: يا أبا فلان: هل لك أن أكفيك السقيَ وتودع اليوم فإني قد أشفقت عليك؟ قال: نعم إن شئت. فأقام في المنزل، فانطلقت تسقي، وتحينت منه غفلة فأخذت العصا ثم أقبلت حتى تفلق بها رأسَه فشجته. فقال: ويلك! مالكِ، وما دهاكِ؟ قالت: وما دهاني يا فاسق، أين المرأةُ التي رأيتها معك تعانقها؟ فقال: لا والله ما كانت عندي امرأة، وما عانقت اليوم امرأة. قالت: بلى، أنا نظرت إليها بعيني، وأنا على الماء. فتحالفا، فلما أكثرت قال: إن تكوني صادقة فإن ماءكم هذا ماءُ عِناق![31]. والأمثلةُ على ذلك كثيرةٌ جداً، والقصص التي تتحدث عن أخبار العطاش أكثرُ وأكثر، فما علينا في نهاية المطاف إلاّ أن نشكر الله على نعمه وآلائه التي لا تحصى، ونسأله أن يُديم علينا نعمة الماء الفرات، وأن يسقينا من يد نبينا صلى الله عليه وسلم شربةً لا نظمأ بعدها أبداً، إنه سميع قريب. ــــــــــــــــــــــــــ [1] سورة الأنبياء 30. [2] سورة الواقعة 68 – 70. [3] سورة الملك 30. [4] سورة مريم 26. [5] سورة "ص" 42. [6] سورة النور 39. [7] سورة محمد 15. [8] سورة الأعراف 50. [9] مسند أحمد، ج 15 ص 80. [10] مسند أحمد، ج 31 ص 418. [11] كذا في مسند أحمد، وزاد مسلم: وشفاء سقم. [12] العكن: جمع عكنة وهى ما انطوى وتثنى من لحم البطن سمنا. السخفة: الرقة والهزال، وقيل: هى الخفة التي تعتري الإنسان إذا جاع. [13] زاد المعاد، ابن القيم ج 3 ص 580. [14] صحيح البخاري. [15] مسلم، والكثبة: القليل من اللبن وغيره. [16] المستدرك على الصحيحين للحاكم ج 2 ص 64. [17] سنن البيهقي، ج 1 ص 432. [18] صحيح البخاري. [19] الحيوان، الجاحظ، ج 1 ص 304، وانظر: نهاية الأرب في فنون الأدب، النويري، ج 3 ص 108. [20] مصارع العشاق، السرّاج القارئ، ج 1 ص 195. [21] يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر، الثعالبي، ج 2 ص 67. [22] الأغاني، أبو الفرج الأصبهاني، ج 3 ص 331. [23] التشبيهات من أشعار أهل الأندلس، ابن الكتاني، ج 1 ص 13. [24] الوساطة بين المتنبي وخصومه، الجرجاني، ج 1 ص 22. [25] يتيمة الدهر، الثعالبي، ج 1 ص 155. [26] المطرب من أشعار أهل المغرب، ابن دحية الكلبي، ج 1 ص 11. [27] معجم الأدباء، ياقوت الحموي، ج1 ص 153. [28] المستطرف في كل فن مستظرف، الأبشيهي، ج 1 ص 347. [29] ذم الهوى، ج 1 ص 269. [30] مجمع الأمثال، الميداني، ج 1 ص 145. [31] مجمع الأمثال، الميداني، ج 1 ص 194.
|
والله انك صادقه يا يمامه الماءكل شئ في حياتناالله لايجعلنا نفقده
والله يرحم حال من حرموامنه ويسقيهم عاجلا غير اجل ويعجل بالفرج شكرا لكي اختي |
|
الله يسلمك,,,
|
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
محتار أقول ؟؟ أو ؟؟ | أبو عامر الشمري | ❇️ منتدى التواصل والتهنئة والمناسبات وتبادل الآراء وخبرات الأعضاء | 5 | 2013-10-11 7:28 AM |
أختار ثم حلل شخصيتك | سحرالفجر | المنتدى العام | 38 | 2013-10-11 7:26 AM |
من أخبار السلف | يمامة الوادي | منتدى الصوتيات والمرئيات | 0 | 2008-03-16 6:44 PM |
أيهما أختار؟؟؟ | عاشق الجنان | منتدى للصور والديكور و تأثيث المنزل | 12 | 2006-04-21 7:31 AM |