لطلب خدمة التعبير الهاتفي فضلا ابعث رسال لرقم الجوال:0568849911,أخي الزائر / أختي الزائرة مرحبا بكم في موقع بشارة خير ولتفسير أحلامكم نرجو اطلاعكم على المواضيع التالية:,منتدى التعبير المجاني بموقع د/ فهد بن سعود العصيمي,تفعيل خدمة الدعم الهاتفي (رسائل واتس أب) وإشتراك الدعم (الماسي), |
الدكتور فهد بن سعود العصيمي |
اللهم ارحمهما واغفر لهما واجعل مثواهما الجنة |
صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن عبدالرحمن بن عبدالعزيز حفظه الله ورعاه |
مساحة إعلانيه |
لطلب خدمة التعبير الهاتفي فضلا ابعث رسال لرقم الجوال:0568849911,أخي الزائر / أختي الزائرة مرحبا بكم في موقع بشارة خير ولتفسير أحلامكم نرجو اطلاعكم على المواضيع التالية:,منتدى التعبير المجاني بموقع د/ فهد بن سعود العصيمي,تفعيل خدمة الدعم الهاتفي (رسائل واتس أب) وإشتراك الدعم (الماسي), |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
كيف تتجاوز الحاضر؟ سلطان الدويفن يقول أينشتاين: أنا لا أفكر في المستقبل، إنه يأتي بسرعة! وبين الماضي والحاضر والمستقبل ليس هناك سوى وهم في تفكير العقل البشري! ويقول: أنا لا أعرف السلاح الذي سيستخدمه الإنسان في الحرب العالمية الثالثة، لكني أعرف أنه سيستخدم العصا والحجر في الحرب العالمية الرابعة (وهو هنا يمارس حالة من تجاوز الحاضر واستشراف المستقبل). والأسئلة هنا: 1- لماذا نفكر في تجاوز الحاضر؟ 2- ما مناهج استشراف المستقبل؟ 3- ما علاقة حدوث الأشياء الصغيرة بحدوث تحولات كبيرة؟ 4- كيف تتجاوز الحاضر؟ إجابات هذه الأسئلة سوف تبدو من خلال السطور القادمة! في وقتنا الحاضر أصبح لعلم استشراف المستقبل قواعدُ وأصول ومناهج، وتفرغ الكثيرون في الغرب لدراسته، وبيان مناهجه، وأصوله، والطرق التي يمكن أن تستخدم لاستشراف المستقبل والتعامل معه، ومن هؤلاء الذين درسوا طرق التعامل مع المستقبل إدوارد كورنيش (Edward Cornish ) مؤلف كتاب مناهج استشراف المستقبل (futuring: The Exploration of the Future)، وهو بالمناسبة من أبرز العلماء المهتمين بالمستقبليات ومناهجها، وقد قام ضمن دراسته -التي سوف نبين مناهجها في هذا المقال- بدراسة قصص المستكشفين العظام للاستفادة من كيفية تعاملهم مع المستقبل، وهم الذين غامروا بالسير في الأرض إلى مناطق كانت مجهولة في حينها، وماذا يمكن أن يتوقعوا في المناطق المجهولة.. وتوصل إلى عدد من الدروس التي تفيد في هذا المجال منها: - الدرس الأول: أَعِدَّ إعدادًا جيدًا لما يمكن أن تواجهه في المستقبل، إذ إن غياب الإعداد المناسب يستجلب الكوارث، وإن التحضير الجيد يكون مفيدًا لنا اليوم ونحن نخطط كيف نتغلب على المشاكل التي يمكن أن تواجهنا[1]. - الدرس الثاني: استبِقْ تقديرَ احتياجات المستقبل، ولقد كان المستكشفون العظماء يتحملون مشقات كبيرة لمعرفة ما يمكن أن يحتاجوا إليه في رحلاتهم، حتى يعرفوا كيف يعدون العدة لمواجهة هذه الاحتياجات[2]. - الدرس الثالث: استخدم المعلومات غير الموثوقة عند الحاجة، فعندما نكون مضطرين لاتخاذ قرار علينا أن لا نستهين بأية معلومات حتى لو كانت غير مؤكدة تمامًا[3]. - الدرس الرابع: توقع غير المتوقع، وحدث غير المتوقع ليس بالضرورة حدثًا سيئًا، بل قد يكون فرصة عظيمة[4]. - الدرس الخامس: فكِّر للمدى البعيد وكذلك للمدى القريب، فيمكن إنجاز المعجزات إذا كان لدينا هدف بعيد المدى وواظبنا على العمل لتحقيقه[5]. - الدرس السادس: تخيَّلْ تخيلا مثمرًا، فقد كان لدى المستكشفين العظام القدرة على الاستكشاف الفكري لما يمكن أن يواجهوه، كما كانوا يطورون استراتيجيات واقعية للوصول إلى الأهداف التي اختاروها[6]. - الدرس السابع: تعلم ممن سبقوك، فقد كان المستكشفون العظماء يسعون دومًا للتعلم من رحلات الاستكشاف التي سبقتهم حتى يعرفوا كيف يعدون لحملاتهم، ولتجنب الأخطاء التي وقع فيها الآخرون[7]. وقد توصل مؤلف كتاب (مناهج استشراف المستقبل) إلى عددٍ من التقنيات المستخدمة في الاستقراء واستباق الأحداث وتوقع الأحداث المستقبلية[8] وهي: 1- المسح: وهو الجهد المستمر لمعرفة التغيرات الأساسية في العالم، وبشكل نموذجي فإن المسح يعتمد على الاستقصاء المنظم للصحف المعاصرة والمجلات وصفحات الإنترنت، وغير ذلك من الوسائل الإعلامية، بحثًا عن مؤشرات التغير التي من المرجح أن يكون لها أهمية في المستقبل[9]. 2- تحليل التوجهات: وهو تفحص توجه ما لمعرفة طبيعته وأسبابه وسرعة تطوره وتأثيراته المحتملة، وقد يكون هناك حاجة للتحليل العميق؛ لأن التوجه يمكن أن يكون له تأثيرات مختلفة عدة على مظاهر مختلفة لحياة الإنسان، والكثير من هذه التأثيرات ربما لا تكون ظاهرة في البداية[10]. 3- مراقبة التوجهات: يمكن أن تتم مراقبة التوجهات التي تبدو على أنها ذات أهمية خاصة، أي أن تجري متابعتها بانتظام وإصدار التقارير الدورية عنها إلى متخذي القرارات، ومن ذلك مثلا سرعة تزايد البطالة[11]. 4- إسقاط توجه ما إلى المستقبل: فعندما تتوفر البيانات الرقمية، يمكن رسم المخطط البياني لتوجه ما على ورق لإظهار التغيرات مع الزمن؛ فمثلا إذا كان لدينا زيادة منتظمة من 2% من عدد السكان في السنة؛ فإن ذلك سيؤدي إلى مضاعفة عدد السكان بعد حوالي خمس وثلاثين سنة إلى رقم محدد ومعروف[12]. 5- السيناريوهات: إذ يمكن لمتتبع الأحداث الذي يملك الحصيلة العلمية والمؤهلات اللازمة أن يصوغ عددًا من السيناريوهات أو الاحتمالات لظاهرة معينة أو سلوك معين، والتي يمكن من خلالها اتخاذ القرارات بناء على هذه الاحتمالات وإمكانية وقوعها. 6- العصف الفكري: وهو توليد أفكار جديدة بواسطة مجموعة صغيرة يتم جمعها للتفكير المشترك حول موضوع ما[13]. 7- صياغة النماذج: فمثلا يمكن لنموذج رياضي لاقتصاد دولة ما أن يظهر التأثير الممكن لزيادة عشرة بالمائة في الدخل[14]. 8- الألعاب: وهي محاكاة حالة معينة في العالم الحقيقي من خلال أشخاص يؤدون أعمالا مختلفة تشابه الحالة الحقيقية، وتستخدم هذه الطريقة كثيرًا في المجالات العسكرية، حيث توضع خطة الحرب والاحتمالات المختلفة من خلال لعبة يتدرب عليها الجنود والطيارون والضباط في عملية تشابه كثيرًا ما يمكن أن يواجهوه في الواقع[15]. 9-التحليل التاريخي: وهو استخدام الأحداث التاريخية في محاولة لتوقع نتيجة تطورات راهنة[16]. 10- تصور رؤى مستقبلية: وهو صياغة رؤى مستقبلية بطريقة منظمة بالنسبة لمؤسسة أو فرد، وتبدأ هذه الصياغة بمراجعة الأحداث الماضية والحالة الراهنة، ثم التحرك باتجاه تصور حالات مستقبلية مرغوب فيها، ثم الانتهاء بالنظر في سبل محددة للتحرك باتجاه المستقبل المرغوب[17]. هذا في الغرب ولأنهم أدركوا ماذا يعني التعامل مع المستقبل والاستعداد له وضعوا له المناهج والطرق والأساليب، فما حالنا في التعامل مع الزمن؟ |
|
في واقعنا المعاصر لا يخلو إطار المثقفين والمفكرين المسلمين في تعاملهم مع الزمن ونظرتهم له ومواقفهم الفكرية عن ثلاثة أطر أو نماذج وهي:
1- نموذج فئة الماضي: وهم فئة مع الأسف كبيرة تنظر للماضي على أن مدارسه وطرقه ونماذجه وحلوله هي الحلول والتصورات المثلى لكل مشاكلنا ومعوقاتنا وحلولنا، وهي فئة يمكن تصويرها كرجل أعطى ظهره للحاضر والمستقبل والتفت إلى الوراء، وكلما نبهته أن هناك شيئًا يسمى حاضرًا وهناك شيئًا آخر يسمى مستقبلا، لوى رأسه وأعرض عنك متمسكًا بحالته الجامدة كهيكل لا يريد أن يتزحزح، وهي في حقيقة الأمر لها فلسفتها ونظرتها النفسية المنطلقة من أن الماضي بالنسبة لها معروف ومأمون وهذا يعطيها ارتياحًا نفسيًا، ولكنه مع الأسف ارتياح مشوه ينتج عنه الانغلاق على الذات والانغلاق عن الآخرين بما لديهم من تصورات ومناهج ونظريات وحلول لما يواجهه المجتمع من مشاكل، وهي مع ذلك تخسر على المدى القصير وعلى المدى الطويل. هي أغمضت عينيها عن الحاضر الذي تعيشه بما فيه من تغيرات تقنية وتكنولوجية وثقافية وإعلامية وأخلاقية، وأما المستقبل فلعل التفكير فيه من خلال منهجها الذي تتبناه من الهدر الذي لا طائل من ورائه، وإذا أسقطنا منهج فقه التحيز عند المفكر الإسلامي الكبير الدكتور عبد الوهاب المسيري على هذه الفئة لخرجنا بأنها تتبنى منهج فقه التحيز للماضي. 2- نموذج فئة المستقبل: وهي فئة أغلقت عينيها عن الماضي، وتعده من التخلف الذي لا يجدي النظر فيه ولا دراسته، وهي بفضل الله قلة ولكنها قلة مؤثرة، وترى أن المستقبل والتطور والحضارة إنما تكون في اتباع النموذج الغربي بما أنتجه من مدارس ونظريات ومناهج ورؤى وتصورات، وهي تتبع كل آلياته وأدواته التي يستخدمها، هي من الفئة التي تريدنا أن ندخل جحر الضب لو دخلوه. وهي فئة تخالف مسلمات التاريخ التي تتسم بأهم أدبية فيها وهي أن التاريخ كتلة واحدة لا يمكن تجزئته، وتخالف أيضًا ثقافة المجتمع ونموذجنا الديني الراقي بما أنتجه من مدارس ومناهج فقهية وحديثية لا غنى لمن يعيش الحاضر ويأمُل في مستشرق مشرق عنها، ويعجز كثير من أكبر علماء الغرب من متخصصين في الاجتماع والمناهج العلمية ودارسي التاريخ في الوقت الحاضر أن يأتوا بمثلها، وإذا أسقطنا منهج فقه التحيز عند المفكر الإسلامي الكبير الدكتور عبد الوهاب المسيري كما أسقطناها سابقًا على هذه الفئة لخرجنا بأنها تتبنى منهج فقه التحيز للمستقبل. 3- نموذج الفئة وسط: وقد قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143] وهي قلة كذلك، فهي تستفيد من الماضي، وهو مرجعيتها في كل أمورها الدينية، تأخذ من كتاب الله منهجًا ونبراسًا، ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة وسيرة؛ امتثالا لقول الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]، ثم هي مع ذلك تأخذ بمنهج السلف الصالح انطلاقا من قوله تعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا} [النساء: 115]، وهي تنظر للحاضر على أنه نتيجة لما حدث في الماضي؛ لأن حلقة الزمن والتاريخ متصلة لا يمكن فصلها بعضها عن بعض، وأن المستقبل هو نتيجة لما يحدث في الحاضر، فالمستقبل هو ما نصنعه في وقتنا الحاضر مستلهمين من الماضي المنهج والدروس والحكم، فلا هي أغلقت عينيها عن الحاضر والمستقبل، ولا هي منقادة خلف المستقبل دون منهج من الماضي، بل هي وسط بين هذا وذاك، ومنهجها أن الحاضر له مشكلاته التي تختلف عن مشكلات الماضي، وله تصورات ورؤى للتعامل معه وفق آليات حديثة تستمد قوتها ورؤاها من خلال المنهج الشرعي القويم، كما أن مزاجها النفسي والفكري يتعامل مع الحاضر ومع تصوراته للمستقبل وفق موضوعية ومنهجية لا تركز على جانب دون الآخر أو تصورات دون أخرى، وإذا أسقطنا منهج فقه التحيز عند المفكر الإسلامي الكبير الدكتور عبد الوهاب المسيري على هذه الفئة كما أسقطناها سابقًا لخرجنا بأنها تتبنى منهج فقه التحيز للوسطية. إن المستقبل هو ما نصنعه في الحاضر، والأمم العابثة اللاهية تستخف بالمستقبل ثم يقول قائلها: لم نتعب أنفسنا بمستقبل لم يأت، وهل نعلم أنعيشه أم لا؟ إن هذا القول يكفي للرد عليه ما فيه من سفاهة وحمق، وهو مع ذلك مخالف للمنهج القرآني في الإعداد والأخذ بالأسباب وقد قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لا تُظْلَمُونَ} [الأنفال: 60]. إنها آية من أعظم الآيات التي تتحدث عن الحاضر والمستقبل في وقت واحد؛ لأن الإعداد لا يكون إلا لما يمكن أن يحدث في المستقبل، وأنت مأمور به في الوقت الحاضر، وكلما تلونا هذه الآية فنحن مأمورون بالإعداد للمستقبل ابتداءً من الوقت الحاضر. إن الإعداد للمستقبل ووضع الخطط له هو أقصر طريق لبلوغ الأهداف المؤثرة في صناعة القوة وعودة هذه الأمة من جديد لقيادة العالم، وإن أي انحراف مهما كان يسيرًا في التعامل الحاضر والمستقبل مع أية قضية؛ سواء كانت اجتماعية أو اقتصادية أو إعلامية أو فكرية؛ يؤدي إلى خلل في المنهج العام وتوجهات المجتمع ككل مما يبعدنا في النهاية عن بلوغ أهدافنا مهما حسنت النيات، وأنفقت الأموال، وبذلت الجهود، فقد وضع الله سننًا للأشياء، وطبائع الأشياء يجب التعامل معها حسب ناموسها الكوني والسببية التي وضعه الله فيها، ومن طبائع الأشياء مثلا أن الماء يغلي عند درجة حرارة مئة درجة مئوية، فلا نأتي ببرميل من الماء ونضعه فوق شمعة صغيرة ثم نريد أن يصل الماء الذي فيه إلى درجة الغليان، إن هذا مخالف لسنة وضعها الله في الماء، ومخالف لسنة شرعية في الأخذ بالأسباب وقد قال تعالى: {[18]، وأثبتت نظرية الفوضى أن التأثيرات الهينة اليسيرة التي لا يأبه لها أحد تولد تأثيرًا كبيرًا قويًا، وفي العلم، كما في الحياة، إن الحوادث المتسلسلة والمستمرة تصل إلى مرحلة يتضخم بعدها ويكبر أثر الأشياء والأحداث الصغيرة. ويمكن القول: إنه يدور حول هذا المضمون حتى يتضح اتضاحًا أكبر، ما تقوله قصيدة فلكلورية أمريكية: "بسبب مسمار سقطت حدوة حصان وبسبب حدوة تعثر حصان وبسبب حصان سقط فارس وبسبب فارس خسرت معركة وبسبب معركة فقدت مملكة" إن التغييرات الصغيرة في الحاضر يمكن أن تحدث تغييرات عظيمة في المستقبل، سواء كانت هذه التغيرات سلبية أو إيجابية، أي أن تغييرًا صغيرًا سلبيًا يمكن أن يؤدي إلى ظواهر سلبية عظيمة وكبيرة، كما أن تغييرًا صغيرا إيجابيًا يمكن أن يحدث تغييرات كبيرة وعظيمة إيجابية في المستقبل، فليس هناك ما يمكن تسميته بقضية صغيرة أو هامشية أو محدودة، وإن الذين يغفلون ويهملون القضايا الصغيرة واليسيرة لا يمكن أن يقوموا بحل القضايا الصعبة والمعقدة؛ لأننا نتحدث عن سلسلة مترابطة في المجتمع، والإعلام، والأسرة، والتربية، والمسجد كل منها مرتبط بالأخرى! وقد قال حكيم ذات يوم: إن المشكلة تبدأ صغيرة ثم تكبر، وإن المصيبة تبدأ كبيرة ثم تصغر!،. وحقيقة الأمر أن كل شيء متشابك مع شيء آخر، فإننا نتسبب في تموجات تغير صغيرة عدة ونحن نمضي في حياتنا العادية، وكل فعل من أفعالنا يؤدي إلى تغيرات تؤدي إلى المزيد من التغيرات ثم إلى مزيد من التغيرات بغير نهاية![19]. ولذلك جاء الهدي النبوي بقوله عليه الصلاة والسلام: «مَن سنّ في الإسلامِ سنةً حسنةً فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومَن سنّ في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء». إن رسول صلى الله صلى الله عليه وسلم حين يقر هذا المنهج على السنة الحسنة والسنة السيئة يأتي من عظيم علمه الذي وهبه الله عز وجل إياه ومعرفته صلى الله عليه وسلم بتأثير الحسنة والسيئة في المجتمع ككل، ولذلك رتب عليها الشارع الحكيم هذا الأجر العظيم في حال الحسنة، وهذا الإثم الكبير على من سن السنة السيئة، وهذا المنهج النبوي بهدف إلى ازدياد مقدار الخير في المجتمع المسلم بازدياد الأعمال الحسنة مهما كانت صغيرة؛ إذ لم يبين الرسول صلى الله عليه وسلم حجمها، ويقل الشر أو ينحصر إذا علم وأيقن وأدرك من أراد سن سنة سيئة مقدار الإثم الكبير الذي سوف يحمله نتيجة اتباع سنته السيئة التي سنها، وقد قال تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7-8]. وإذا كانت التحولات الإيجابية الصغيرة تحدث نتائج كبيرة، وهذه التحولات يصنعها الإنسان الواعي المدرك بماضيه وحاضره ومستقبله، فما معوقات الإدراك الواعي التي قد تشوه رؤية الحاضر أو تضعف رؤية الإنسان لكثير من المتغيرات والأحداث؟ |
|
إن أهم معوقات الإدراك الواعي تأتي على النحو التالي:
1- الاستغراق في اللحظة الراهنة: وهذا المرض اجتاح الكثيرين، بحيث تستهلك وقتَ الإنسان الكثيرُ من تفاصيل الحياة اليومية؛ سواء المعيشية أو الدراسية أو العملية التي تضعف رؤيته لحاضرة فضلا عن مستقبله ومستقبل أمته، ولم ينج من هذا المرض إلا من رحم الله، وحياة المفكرين والعظماء وصانعي التاريخ تحدثنا أنهم كانوا يتجاوزون حاضرهم بمراحل لرؤية المستقبل وصناعة مشروعهم المستقبلي، ولا تستهلكهم تفاصيل الحياة اليومية، وهذا أحد المفكرين المسلمين الكبار يقول: "إنني كثيرًا ما أحيا خارج إطار الزمان والمكان!"، وهو في حقيقة الأمر يعيش في زمان ومكان، ولكن الزمن ومتغيراته المختلفة لا تؤثر في توجهاته وأفكاره ومشروعه الذي نذر حياته له، ولا المكان كذلك يؤثر فيه، وقد أنتج لنا كتبًا علمية ضخمة وموسوعة تحتاج لإنجازها فريقًا ضخمًا من المساعدين ورعاية مؤسسة لها، ولكنه لم يحظ لا بالفريق الضخم ولا بالرعاية من أية جهة رسمية أو أهلية، ولعله حول هذا المعنى يدور حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: "إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها"، صححه الألباني، فهل هناك أعظم من قيام الساعة ومشاهدة الشخص لأحداثها تأثيرًا في شعور الإنسان وتفكيره وعمله؟ إنها لحظة نهاية الدنيا وابتداء محاسبة الله عز وجل للخلائق من إنس وجن وحيوان، ومع كل هذه الأحداث والمؤثرات التي يمكن أن تؤثر في نفس وعقل أعظم الرجال، ومع ذلك يوصي رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن من كان في يده فسيلة واستطاع أن يغرسها فليغرسها، إنه انفصال تام عن مؤثرات اللحظة الراهنة عند قيام الساعة للنظر في المستقبل ونتائج الأعمال، إذ إن الاستغراق في التفكير والخوف والـتأمل أو الذعر أو محاسبة النفس في تلك الحالة لا يجدي، ولكن الذي يجدي ويؤثر هو غرس الفسيلة وانتظار أجر هذا العمل من الله عز وجل عند الحساب، ونحن لا نقول إن الإنسان لا يتأثر بأحداث الحياة على التفصيل وهذا لا يقول به عاقل، ولكن أحداث الحياة بالجملة لا يجب أن تؤثر في تفكيره واتخاذ قراراته ومنهجه في الحياة، وهذه الدعوة النبوية تجمع معنيين عظيمين: الأول هو ما ذكرناه من عدم التأثر بالظروف الراهنة لإنجاز الأعمال، والثاني استمرار العمل حتى لو لم يرج أثره في الدنيا ورجاء أجره في الآخرة. ويمكن أن نقول هنا: إن الصغار تغيرهم الظروف والأحوال وتتحكم بهم الحياة، وإن الكبار يغيرون الظروف والأحوال لصناعة المستقبل. 2- التكرار: تستخدم كثير من وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة أسلوب التكرار (مع أسلوب الإغراق في التفاصيل الذي ذكرناه أعلاه) للوصول بعقل الشخص المشاهد أو القارئ إلى حالة أو توجه معين تريده، بحيث يصبح عقل المتلقي وتفكيره منقادًا لتأثيرات وسائل الإعلام أو على أقل الأحوال مشوهًا في قدرته على الحكم على الأمور بمنظار صحيح، وقد يصل الفرد إلى مرحلة الشك في تفكيره وقدرته على الحكم الواعي حين وصوله إلى نتيجة مغايره لما تسوقه وسائل الإعلام، والتكرار مستخدم بطرق متغيرة هدفها جعل تفكير الشخص متجها إلى اتجاه دون آخر! فالشخص الواقع تحت تأثير هذا النمط لا هو مدرك لحاضره ولا هو مدرك لمستقبله، ووعيه الذاتي منتهك، والحل: إن كرروا عليك غثاءهم فكرر كلام الله عز وجل بقراءة القرآن، فهو يخرجك بإذن الله، وبما وضع الله فيه من إعجاز، من دوامة التكرار اليومية للصحف والقنوات الفضائية، ولكنها القراءة بتدبر، وليست القراءة للوصول إلى آخر السورة! فالقرآن يعطيك مناهجهم وطرقهم وكيفية التعامل معها، ويصنع لك حاضرك بتدبرك ووعيك وعملك، ويفتح لك أبواب المستقبل، فاجعل لك وردًا يوميًا لتدبر كلام الله عز وجل، وقد قال تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} [الإسراء: 9]، ثم الارتباط بكتب الحديث والسنة مع وضع جدول يومي للقراءة الجادة التي تخرج الشخص من غثاء الصحف اليومية والمجلات الأسبوعية! ويمكن أن نقول هنا: إن الكبار لا ينظرون لتوافه الأمور وصغارها، ولا يشغلهم التكرار اليومي لوسائل الإعلام عن منهجهم في الحياة، هذا لأنهم كبار، وهم في ذلك على منهج أبي الطيب المتنبي في بيته الشعري الشهير الذي عجزه: وتصغر في عين العظيم العظائم، وصدره أشهر من أن يذكر! إن معظم الإنجازات الكبيرة والتغيرات العظيمة في كثير من المجتمعات صنعها رجال رفضوا الاستسلام للواقع بما فيه من مؤثرات كثيرة ومتغيرة، واستشرفوا المستقبل الذي يمكنهم من خلاله البناء وتقديم العطاء العظيم لأمتهم، وصنعوا من أنفسهم أبطالا يذكرهم التاريخ وما سير علي عزت بيجوفيتش، والمهاتما غاندي، ونيلسون مانديلا عنا ببعيد! وإن صناعة المستقبل تبدأ من صناعة الحاضر، وصناعة الحاضر تبتدئ منك أنت أيها القارئ الكريم متى ما صدقت مع الله عز وجل وأخلصت النية لله، ولا تظن أنك صغير ولا تستطيع عمل شيء، فقد تحدثنا في المقال كثيرًا عن كيفية أن الأشياء الصغيرة تحدث تحولات كبيرة وعظيمة، وإن العمل الإيجابي الذي تؤديه لنفع المجتمع المسلم يؤدي بتضافره مع أعمال إيجابية أخرى إلى نتائج لا تتخيلها، وقد قال عليه الصلاة والسلام: "المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفى كل خير، احرِص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجِز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أنى فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان"، أخرجه مسلم. فهل تريد أن تكون المسلم القوي الذي يتجاوز حاضره والمرتبط بماضيه ولا تؤثر فيه الأحداث والظروف مهما عظمت لصناعة مستقبله، أو تريد أن تكون المسلم الضعيف؟ الاختيار لك، وأنت صاحب إرادة واختيار، فاختر لنفسك وأنت مسئول عن هذا الاختيار. من باب نسبة الفضل لأهله فقد استفاد كاتب المقال من هذين الكتابين كثيرًا في أثناء كتابته للمقال وهما: 1- نظرية الفوضى، علم اللامتوقع لجايمس غليك، ترجمة مركز البابطين للترجمة. 2- الاستشراف: مناهج استشراف المستقبل لإدوارد كورنيش وترجمة الدكتور حسن الشريف. -------------------------------------------------------------------------------- [1] الاستشراف: مناهج استشراف المستقبل لإدوارد كورنيش وترجمة الدكتور حسن الشريف، ص 32. [2] السابق ص 32. [3] السابق ص 33. [4] السابق ص 36. [5] السابق ص 37. [6] السابق ص 38. [7] السابق ص 39. [8] السابق ص 129. [9] السابق ص 129. [10] السابق ص 129. [11] السابق ص 129. [12] السابق ص 130. [13] السابق ص 130. [14] السابق ص 131. [15] السابق ص 131. [16] السابق ص 131. [17] السابق ص 131. [18] السابق ص 106. [19] السابق ص 98. |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
هذا شعار الزمن الحاضر وشعار للزمن الآتي | رمل الصحارى | منتدى الحاسب العام والهواتف النقالة والتصميم وتعليم الفوتوشوب | 0 | 2008-11-07 8:57 AM |
موضوع هز الحاضر والامس؟؟ | حلمك | منتدى الحوار والنقاش وتصحيح الأمور العارية من الصحه | 0 | 2006-09-14 6:54 PM |
قصيدة شاب بين الحاضر والماضي... | هنااادي | منتدى الشعر والنثر | 6 | 2006-07-05 6:28 PM |
بين المستقبل والماضي ضاع الحاضر | يمامة الوادي | منتدى النثر والخواطر | 2 | 2006-07-03 3:01 AM |
ذكريات الحاضر والمستقبل | غدي 1 | المنتدى الإسلامي | 8 | 2006-05-03 11:27 PM |