لطلب خدمة التعبير الهاتفي فضلا ابعث رسال لرقم الجوال:0568849911,أخي الزائر / أختي الزائرة مرحبا بكم في موقع بشارة خير ولتفسير أحلامكم نرجو اطلاعكم على المواضيع التالية:,منتدى التعبير المجاني بموقع د/ فهد بن سعود العصيمي,تفعيل خدمة الدعم الهاتفي (رسائل واتس أب) وإشتراك الدعم (الماسي), |
الدكتور فهد بن سعود العصيمي |
اللهم ارحمهما واغفر لهما واجعل مثواهما الجنة |
صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن عبدالرحمن بن عبدالعزيز حفظه الله ورعاه |
مساحة إعلانيه |
لطلب خدمة التعبير الهاتفي فضلا ابعث رسال لرقم الجوال:0568849911,أخي الزائر / أختي الزائرة مرحبا بكم في موقع بشارة خير ولتفسير أحلامكم نرجو اطلاعكم على المواضيع التالية:,منتدى التعبير المجاني بموقع د/ فهد بن سعود العصيمي,تفعيل خدمة الدعم الهاتفي (رسائل واتس أب) وإشتراك الدعم (الماسي), |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
وقفة مع النفس
مصطفى مهدي الحمد لله الذي خَلَق النفوس وسوَّاها، وألهمها فجورَها وتقواها، فأفلح مَن زكَّاها، وخاب مَن دسَّاها، والصَّلاة والسلام على مَن أرسله الله - تعالى - بالهُدى ودِين الحقِّ، فأذهب به أوضارَ النفوس، وأنار به ظلامَ العقول. أمَّا بعد: فإنَّ النفس البشريَّة شأنها شأن كلِّ مخلوق، عُرضة للأدران والأمراض والعلل، وكذلك صالحةٌ للضدِّ من ذلك باكتساب السُّلوك الحسن، والخلق القويم؛ لذلك ذَكَر الله - تعالى - أنَّ الفلاح لِمَن زكَّى نفسه بالإيمان والعمل الصَّالح، والخسارة لِمَن باعها، وبخسَها حقَّها، وخذَلَها بالسُّلوك الشائن، والطِّباع الحيوانيَّة، دون الترقِّي للخصال النبويَّة والملائكيَّة، فالنَّفس صالحة للضدَّيْن، والعبد ما بين بائعٍ نفسه، فمُعتِقُها أو موبقها. ومن المعلوم أنَّ التَّزكية قبلَ التَّحلية، فمن أراد نقش الخُلُق الكريم، واكتِساب السلوك القويم، فما عليه إلاَّ تنقيح مناط نفسه، فيُهذِّبها عن غيِّها وبغيها، ويجعلها بيضاءَ نقيةً، قابلةً للتَّحلية بِجواهر الشِّيم الكريمة، وأكاليل الطِّباع الجميلة. ومن الأحوال العارضة للنَّفس حال "الغِلّ"، فالنَّفس البشريَّة قد تتَّصف به في مواطنَ كثيرة، وأحوال مختلفة. ولكن ما الغِلُّ؟ وما حقيقتُه وأسبابه؟ وما آثارُه السلوكيَّة على النَّفس التي تتَّصف به؟ وهل الغِلُّ كلُّه مذموم؟ وما موقف الشَّرع منْه؟ وكيف يُعالج؟ وهذا ما سنعْرِفه - بإذن الله تعالى - وعونِه وتوفيقه، من خلال العَرض التَّالي، فيُقال: "الغلّ": نقَل أهل اللُّغة له معانيَ، فقال ابن فارس: "الغين واللام أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على تَخلّل شيءٍ، وثباتِ شيء، كالشَّيء يُغْرَزُ، من ذلك قول العرب: غَلَلْت الشَّيء في الشَّيء، إذا أثبتَّه فيه، كأنَّه غَرزْته؛ قال امرؤ القيس: وَعَيْنٌ لَهَا حَدْرَةٌ بَدْرَةٌ إِلَى حَاجِبٍ غُلَّ فِيهِ الشُّفُرْ ومن الباب: الغِلُّ، وهو الضِّغْن ينْغَلُّ في الصَّدر"[1]. وقال في القاموس: "الغُلُّ والغُلَّةُ - بضمِّهما - والغَلَلُ محرَّكةً، وكأَميرٍ: العَطَشُ، أو شِدَّتُه، أو حَرارةُ الجَوْف، وقد غُلَّ بالضم، فهو غَليلٌ ومَغْلولٌ ومُغْتَلٌّ، وبعيرٌ غالٌّ وغلاَّن، وقد غَلَّ يَغَلُّ بفتحهما واغْتَلَّ، والغَليلُ: الحِقْدُ، كالغِلِّ بالكَسر، والضِّغْن، وقد غَلَّ صدْرُه يَغِلُّ"[2]. وقال في لسان العرب: "الغِلُّ بالكَسر، والغَلِيلُ: الغِشُّ، والعَداوة والضِّغْنُ، والحقْد والحسد"[3]. فبالنَّظر في هذا النَّقل يمكن أن نقول: إنَّ "الغل" هو العداوة المتغلْغِلة في القلْب، والعداوة هي كراهيةٌ يُصاحبها رغبةٌ في الانتِقام من الشَّخص المكروه، إلى حدِّ إفنائه وإلغائه من الوجود[4]. وبالنَّظر في هذا التَّوصيف للغِلّ، يمكن أن يُقال: إنَّ هذا الإحساس القلبي لا يلزم أن يكون مذمومًا إذا ما تلبَّس المرء به؛ لأنَّ هذا الأثر لا بدَّ له من مؤثِّر، وسبب مهيّج له، وهذا السَّبب قد يكون سببًا صحيحًا مقبولاً، وقد يكون العكس. وبالنَّظر في الموارد الشَّرعيَّة يمكن أن نُبرهنَ على ذلك، فأقول - إجمالاً -: إنَّ الشَّرع قد ذكر الغِلَّ في مواضعَ، وذكر أهل الجنَّة، وأنَّ الله - تعالى - قد نزعَ ما في قلوبِهم من غِلٍّ؛ قال - تعالى -: ﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا ﴾ [الأعراف: 43]. وذَكَر أهلَ الإيمان، وأنَّهم لا يحملون لإخوانهم من المؤمنين غلاًّ، بل يدْعون ربَّهم بألاَّ يكون في صدورِهم غلٌّ للَّذين آمنوا؛ ﴿ وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10]. فقَصْرُهم تطهيرَ النَّفس من الغِلّ تجاهَ الذين آمنوا يُفيد بمفهومه أنَّه لا بأس بالغلِّ تجاه الَّذين كفروا، ولعلَّه موافق لمعنى الغلِّ في اللغة. وأمَّا نزْع الغلّ من قلوب أهل الجنَّة كلّيَّةً بلا تفصيل، فإنَّ ذلك لأنَّ الجنَّة ليس فيها إلاَّ أهلُ الإيمان، فلا محلَّ للغِلِّ بالكلّيَّة، أو يُحمل الغِلّ الَّذي نُزع من أهل الجنَّة على الغِلِّ الَّذي كان لأهل الكفْر في الدُّنيا؛ لأنَّ الأصل ألاَّ يكون هناك غِلٌّ بين المؤمنين في حال سلامة النّفوس من العوارض والأمْراض. ومن الألفاظ التي تُقارب معنى الغِلّ: الحقد والضغن: والحقد - كما قال ابن منظور -: "إمساك العداوة في القلْب والتربُّص لِفُرصَتِها، والحِقْدُ: الضِّغْنُ "[5]. وقال الشَّيخ حبنكة الميداني في كتابه "الأخلاق الإسلامية": "والحقد هو العداوة الدفينة في القلْب، والعداوة هي كراهية يصاحبُها رغبة بالانتقام من الشخص المكروه إلى حدِّ إفنائه وإلغائِه من الوجود. ومن مرادفات الحقد تقريبًا: كلمة الغِلّ، فالغِلُّ العداوة المتغلغلة في القلب، ومن مرادفاته: الضِّغن والشَّحناء، فهي جَميعها كلماتٌ تدور حولَ معنى واحد، أو معانٍ متقاربة، ترجع بوجه عام إلى معنى العداوة مع بعض فروق في الدّلالات". حكم الغلّ: لا يمكن قصْر الحُكم التَّكليفي للغِلّ في وجه واحد؛ وهذا بسبب أنَّ الغلَّ ليس كلُّه مذْمومًا؛ لأنَّ مردَّه إلى العداوة، والعداوة ليستْ كلّها مذْمومةً، بل مراتبُ ودرجاتٌ، وبالنَّظر في التَّفصيل المبنيّ على اختِلاف الأحوال يُمكن أن يقال: إنَّ الغلَّ يعتريه الأحكام التكليفيَّة الخمسة، بل لا أُعَدُّ مبالِغًا إذا قلتُ: إنَّ الغلَّ، ونحوه من الأحاسيس القلبيَّة قد تعتبر نوعًا من الأحكام الوضْعية الخاصَّة الدَّقيقة، والَّتي عند إحساس المرْء بها يوجدُ حُكمٌ تكليفيٌّ، فهي إحساس معرِّف للحُكم كردِّ فعْل تجاه السَّبب الَّذي أثار الغِلَّ في القلْب. مثال ذلك: رؤيةُ الكافر يقتل أبناءَ المسْلمين ونساءَهم وأطفالهم ظُلمًا وعدوانًا، سببٌ لإيجاد الغِلِّ في القلب، وهذه الحالة من الغليان القلْبي علمٌ مُرشد إلى حكمٍ تكليفيٍّ، وهو وجوب التحرُّك لصدِّ العدوان، وإنقاذ الإخوان، وستْر أعراض النِّسْوان، في شتَّى بقاع المسلمين والبلدان. فالشُّعور بالعداوة تجاه فردٍ من الأفراد يَنمُّ عن حُكم مبني على تلك العداوة؛ فإمَّا التَّحريم من الانسياق خلفَ آثارها، وإمَّا الوجوب، فالغِلُّ قد يكون واجبًا، وقد يكون محرَّمًا، وهذا مناطُه الأدلَّة الشرعيَّة المانعة من العداوة، أو الحاثَّة عليها؛ للحِكَم البالغة، والغايات المحمودة المترتبة على ذلك. فالغِلّ كالولاءِ والبراء، وكهجران العُصاةِ، ونحو ذلك من الأمور التي تختلف أحوالها. ولكنْ في سوى هاتين الحالتين؛ فالأَوْلَى أن يجاهدَ المرء المسلمُ نفسَه في التحلِّي بالتخلِّي عن هذا الخُلق، وحمْل نفسه على ربوة المكارم والشِّيم، فيعتليها ويرتقيها، حتى تصبوَ لحاقه فلا تدانيه، وهكذا يكون الموحِّد الَّذي دِينُه الإسلام، وكتابُه القُرآن، ورسوله محمَّدٌ - صلَّى الله عليه وسلَّم. أسباب الغلّ وآثاره: فإذا كان الغلُّ من الأعمال القلبيَّة التي تستثير نارها العداوة، فالبحثُ حينئذٍ في الغِلِّ من وجهين: أسبابه، وآثاره السلوكيَّة. فيُقال: إنَّ العداوة بين بني الإنسان من الأحوال الجبليَّة في الجُملة، ولها أسبابٌ كثيرة، ودوافعُ متعدِّدة ومتنوِّعة؛ فمنها المشْروع الَّذي لا يَقْبُح شرعًا ولا عقْلاً، ومنها الَّذي يَقبُح شرعًا وعقلاً. فالمذْموم منها الَّذي لا يتعلَّق به صلاحٌ ديني وأُخروي، وإن كان يتعلَّق به صلاحٌ دنيوي، كالصِّراع على المال والجاه والسُّلطة؛ لإرواء النَّفس، وإرضاء شهوتِها في الجمْع والمنْع؛ قال - تعالى -: ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا ﴾ [المعارج: 19 - 21]. وقال - جلَّ وعلا -: ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ * وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ * وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ ﴾ [العاديات: 6 - 8]. فالغِلُّ الذي يؤدِّي إلى الوقوع في المحرَّمات بالقتْل والسَّرقة، والغشِّ والخداع، والاعتِداء وسفْك الدماء، والاحتِلال، وسَلْب المقدَّرات والأقوات، والصدِّ عن سبيل الله - تعالى - ومحاربة شريعته، لا شكَّ في قُبحه عقلاً، ولا ريبَ في ذمِّه شرعًا. فهذا نوعٌ مذموم من الغِلِّ والعداوة التي سببها بُغْضُ الخير في مختلف صُوره وكراهته، ولا ينبع إلاَّ من نفسٍ خَبُثت وانتكست، وهذا الغلُّ يظهر أثرُه في مسلك التدمير والتخريب، والصد والعدوان، وإلحاق الضرر بالآخرين. والممدوح مِن الغلِّ ما كان مترتبًا عليه صلاحُ الدِّين والآخرة، ولو لم تصلُحْ به الدنيا، كعداوة الكفَّار والفسَّاق والمبتدعة، ومحاربتهم والتصدِّي لهم، ولو ترتَّب على ذلك فقدانُ المرء لحياته، ولكن بلا شكٍّ قد ربح الدِّين ونُصرتَه، وربح الآخرةَ ورِضا الله - تعالى - وجنَّتَه. علاج الغل: ليس كلُّ الغلِّ يَحتاج إلى علاج، ولكن المذْموم منْه هو الَّذي يجب على المرء أن يعتنيَ بتطْهير نفسه وتزكيتها منه، بل إنَّ تصوُّرَ القبائح التي يُثمرها الحقدُ لَكفيلٌ بردِّ النفس السوية عن تلك الخصلة، فالغزالي في "الإحياء" قد ذكر أنَّ: "الحقد يُثمر ثمانيةَ أمور: الأول: الحسد، وهو أن يحملك الحقدُ على أن تتمنَّى زوالَ النِّعمة عنه، فتَغتمّ بنعمةٍ إن أصابها، وتُسرّ بمصيبة إن نزلت به، وهذا مِن فِعْل المنافقين. الثاني: أن تَزيد على إضْمارِ الحسد في الباطن، فتشمت بما أصابه من البلاء. الثالث: أن تهجرَه وتُصارمَه، وتنقطع عنه، وإنْ طلبك وأقبل عليك. الرابع وهو دونَه: أن تُعرِض عنه استصغارًا له. الخامس: أن تتكلَّم فيه بما لا يَحِلُّ مِن كذبٍ وغِيبة، وإفشاءِ سِرٍّ، وهتْك سِتْر، وغيره. السادس: أن تحاكيَه استهزاءً به، وسخريةً منه. السابع: إيذاؤه بالضَّرب، وما يؤلِم بدنَه. الثامن: أن تمنعَه حقَّه من قضاء دَينٍ، أو صِلة رَحِم، أو ردِّ مَظلَمة، وكلّ ذلك حرام"[6]. فالغلُّ الذي يقع بين المسلمين، الأصلُ أن ينتفيَ؛ لِمَا عهد الله - سبحانه - به إلينا في ذلك الأمر من الأُخوَّة الإيمانيَّة؛ ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [الحجرات: 11]، ولقول النَّبيّ - صلَّى الله عليه وسلم -: ((لا تَحاسدُوا، ولا تَناجشُوا، ولا تباغضُوا، ولا تَدابرُوا، ولا يَبعْ بعضُكم على بيْعِ بعض، وكُونوا عِبادَ اللَّه إخوانًا، المسلِمُ أخو المسلِم؛ لا يَظلمُه، ولا يَخذُلُه، ولا يَحقِرُه، التَّقوى ها هُنا - ويُشير إلى صدْرِه ثلاثَ مرَّات - بحسْبِ امرئٍ من الشَّرِّ أن يَحقِرَ أخاه المسلِمَ، كُلُّ المسلمِ على المسلمِ حرامٌ: دمُه ومالُه وعِرضُه))؛ رواه مسلم (2564). وهذا الغلُّ النَّاظر في أسبابه يراها تحوم حولَ الدّنيا وحطامِها، وهذا مخالفٌ لقوله - تعالى -: ﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾ [المطففين: 26].
|
|
قال الإمام العلاَّمة ابن عاشور في تفسيره: "تقديم المجرورِ لإفادةِ الحصْر؛ أي: وفي ذلك الرَّحيق فليتنافس النَّاس، لا في رحيقِ الدّنيا الذي يتنافس فيه أهلُ البذَخ، ويجلبونه من أقاصي البلاد، وينفقون فيه الأموال"[7]. فلا مجالَ للتَّنافس المثير للغلِّ والحقد بين المسلمين، بل إنَّ المسلمَ لا يسعه إلاَّ التصدِّي لزحف هذا الإحساس بجيش عَرْمَرْمٍ من التحلِّي بالرِّضا بقضاء الله - تعالى - وقدره، واللُّجوء إلى الله - تعالى - في قضاء الحاجات، وإشباع الرَّغبات؛ قال الله - عزَّ وجلَّ -: ﴿ وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ﴾ [النساء: 32]. قال ابنُ جرير: "يعني بذلك - جلَّ ثناؤُه -: ولا تشْتهوا ما فضَّل الله به بعضَكم على بعض"[8]. وبأخذِ حظِّ النجاة من الزُّهد في حطام الدّنيا إلاَّ القوت والبلاغ؛ مصداقًا لقولِه - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كُنْ في الدُّنيا كأنَّكَ غريبٌ، أو عابِرُ سَبيلٍ، [وعُدَّ نَفْسكَ في أَهْلِ القُبُور]))[9]. بالإضافة إلى تمرين النَّفس على حبِّ الخير للآخرين، وبذْله لهم؛ عملاً بقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا يُؤمِنُ أحدُكم حتَّى يُحبَّ لأخِيه - أو قال: لجارِه - ما يُحبُّ لنَفْسِه))؛ رواه مسلم (45). فخلاصة الحلِّ لأزمة الغلِّ بين المسلمين: هي امتثالُ أمر الله - تعالى - وأمر رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما ورد بشأن حقوق المسلمين، وما ورد في شأْن الحياة الدنيا، والتَّحذير منها والاغترار بها؛ كما بيَّن الله - تعالى - ذلك جليًّا بقوله - عزَّ وجلَّ -: ﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلاَدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [الحديد: 20]. وأمَّا الغلُّ تجاه الكافرين والمبتدعة، فيجب أن يبقى ويُفعَّل بشتى الصُّور القوليَّة والعمليَّة؛ غضبًا للحقِّ، ونصرةً له؛ قال الله - تعالى - عن إبراهيم - عليه السَّلام -: ﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ﴾ [الممتحنة: 4]. فالجهرُ بالعداوة تجاهَ الكفَّار لكُفْرهم بالله - تعالى - ورسوله وكتابه وشريعته، والجهرُ بالعداوة في وجه المبتدِع الكالح سُنَّةٌ نبويَّة قرآنيَّة، سَلفُنا فيها إبراهيم - عليه السلام - أقرَّها القرآن بالدَّعوة والحثِّ عليْها؛ كما في قوله - تعالى -: ﴿ فَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا ﴾ [الفرقان: 53]. قال الإمام ابنُ جرير: "جاهِدْهم بهذا القرآن جهادًا كبيرًا، حتَّى ينقادوا للإقْرار بما فيه من فرائض الله، ويَدينوا به، ويُذعنوا للعمَل بجميعه طَوعًا وكَرْهًا"[10]، فهذا الجهاد بالحُجج والبراهين والبيان. وقال - تعالى -: ﴿ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [التوبة: 36]، وهذا جهادٌ لِمَن لم يرتدعْ إلاَّ بالسِّنان. وهذان النَّوعان من العداوة تجاه الكفَّار والمبتدعة لا علاج لهما، ولا دواء لهما في قلْب كلِّ مؤمن إلاَّ إسلامُ الكفَّار، أو استِئصالُهم وشِرْكهم، ورجوع المبتدعة للسُّنَّة علمًا وعملاً، أو فضحهم، وهتْك أستارهم. فالخُلاصة: أنَّ الإحساسَ القلبيَّ لا بدَّ أنَّ له ما يستثيره، ولا بدَّ أنَّ له آثارًا على السلوك، فلينظرِ المرءُ فيما يُثير الأحاسيس والأعمالَ القلبيَّة بداخله، وليراقبْ سلوكَه على إثرها، فإنْ كانت ممَّا يُرضي الله - تعالى - ورسولَه، فهنيئًا، وإن كانت ممَّا لا يُرضي الله - تعالى - ورسوله، فليبادرِ المرءُ باللُّجوء إلى الله - تعالى - وشريعته معالجًا نفسَه، ومهذِّبًا أحوالَه وأقواله، وأعماله الظَّاهرة والباطنة، التي تُرضي الله - تعالى - ورسولَه، وليصدُقِ المرء مع نفسه؛ ابتغاءَ مرْضات ربِّه، وليعملْ ليومٍ لا ينفع فيه مالٌ ولا بنون، إلاَّ مَن أتى الله - تعالى - بقلْبٍ سليم. -------------------------------------------------------------------------------- [1] (4 /307). [2] (1 /1343). [3] (11 /499). [4] "الأخلاق الإسلامية"؛ للشيخ عبدالرحمن حبنكة الميداني: (1 /785). [5] "لسان العرب" (3 /154). [6] (3 /245). [7] "التحرير والتنوير" (30 /204). [8] (8 /260). [9] رواه البخاري (6053)، والزيادة عند الترمذي (2333)، وليست عند البخاري. [10] (19 /281).
|
|
|
|
شكرا لمروركم
|
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
وقفة مع النفس | يمامة الوادي | منتدى الشعر والنثر | 2 | 2010-03-04 9:16 PM |
وقفة مع النفس !! | @@بدر البدور@@ | منتدى النثر والخواطر | 7 | 2009-12-30 9:23 PM |