لطلب خدمة التعبير الهاتفي فضلا ابعث رسال لرقم الجوال:0568849911,أخي الزائر / أختي الزائرة مرحبا بكم في موقع بشارة خير ولتفسير أحلامكم نرجو اطلاعكم على المواضيع التالية:,منتدى التعبير المجاني بموقع د/ فهد بن سعود العصيمي,تفعيل خدمة الدعم الهاتفي (رسائل واتس أب) وإشتراك الدعم (الماسي), |
الدكتور فهد بن سعود العصيمي |
اللهم ارحمهما واغفر لهما واجعل مثواهما الجنة |
صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن عبدالرحمن بن عبدالعزيز حفظه الله ورعاه |
مساحة إعلانيه |
لطلب خدمة التعبير الهاتفي فضلا ابعث رسال لرقم الجوال:0568849911,أخي الزائر / أختي الزائرة مرحبا بكم في موقع بشارة خير ولتفسير أحلامكم نرجو اطلاعكم على المواضيع التالية:,منتدى التعبير المجاني بموقع د/ فهد بن سعود العصيمي,تفعيل خدمة الدعم الهاتفي (رسائل واتس أب) وإشتراك الدعم (الماسي), |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
كان شابًّا بسيطًا جاء من الرِّيف البعيد ليدرس في العاصِمة، فعبدُالله من أوائِل الطلاَّب الذين نالُوا درجات عاليَة في امتِحان الثانوية العامَّة في قريته، وقد أهَّله ذلك ليدرس في الجامعة.
العدد القليل الذي تخرَّج في الجامعة عافَ الحياة في القرية، وقد بهرَتْه الحياةُ الصاخِبَة في المدينة، وقد استقرَّ فيها. هذه القرية النائية يعمَل فيها الناس البُسَطاء في الزِّراعة وتربية المواشي، كثيرٌ من الأهالي لم يهتمَّ بمسألة التعليم، ولكن عائلة عبدالله قد وفَّرت له كلَّ الظروف حتى يتخرَّج في الثانوية العامة، ويُصبِح معلمًا في مدرسة القرية الابتدائية، ولكن ماذا بعد الجهد الذي قدَّمَه في سبيل دراسته، والدرجات العالية التي نالَهَا؟ قد تدخَّلت أم عبدالله وطلبت من زوجها أن يُدخِل ابنَها البكر في الجامعة؛ لعله يُصبِح طبيبًا أو مهندسًا، ويرفع رأسَها أمام نسوة القرية، وخصوصًا زوج المختار أم مصطفى. عبدُالله في حيرةٍ من أمره؛ هل يُكمِل التعليم - وهذا ما يرغب فيه - أو يصبح معلِّمًا في القرية ويوفِّر المصاريف التي ستُرهِق والده إذا ما دخل الجامعة؟ وبعد تفكيرٍ مرارًا وتَكرارًا قرَّر أن يعمل في المدينة ويكمل دراسته الجامعية، الأم تُلِحُّ على أبي عبدالله وتطلب منه أن يُوافِق، حتى لو اضطروا إلى بيع البقرة لكي تؤمِّن له مصروف الجامعة. لم يوافق الأب قائلاً: ألم تري ابن المختار أبي مصطفى وقد استقرَّ في المدينة ونسي أهله وجيرانه، فأجابته أم عبدالله: تربيتنا للولد تختلف عن تربية المختار؛ فمصطفى كان مُدَلَّلاً وأخذتْ عقلَه المدينة، أمَّا عبدالله فأخذ الشهادة الثانوية وهو يعمل معك في الحقل ويرعى الغنم، وبعد طول إلحاح، وبعد تفكير وتفكير، قال في نفسه: كيلا أظلم الولد ويلومني في المستقبل، ولو منعتُ نفسي من تناول الخبز، سأرسِلُه إلى العاصمة كي يدرس في الجامعة، فوافق أبو عبدالله فتُطلِق أمُّ عبدالله الزغاريد؛ من شدَّة فرحها لهذا القرار. وما هي إلا أيام معدودة، وقد أعدَّ عبدالله حقيبته ليلاً، وطلب من أمِّه أن تُوقِظه مع صِياح الدِّيك. استيقظ عبدالله نشيطًا وودَّع أمَّه وإخوته الصغار، ثم ركب العربةَ التي يجرُّها بغلهم الكهل الذي بلَغ من العمر أعوامًا كثيرة، حتى وصَل إلى الطريق العام، الذي يبعد مسافة طويلة عن القرية، وودع والده وقبَّل يديه، ثم وقف ينتظر الحافلة المتَّجِهة إلى المدينة؛ لكي يصل إلى العاصمة في وقت مبكِّر. وصَلت السيارة وقد أرهق الركاب من وُعُورَة الطريق ومن طُول المسافة، واستيقظ عبدالله على صوت سائق الحافلة: قد وصلنا إلى المدينة، والحمد لله على السلامة، لقد أيقَظَه هذا الصوت الأجشُّ من حلم جميل؛ فقد كان يرى نفسَه أنه تخرَّج في الجامعة، وعاد إلى القرية يحمل الشهادة العالية ويرفع رأس أبيه وأمه. ثم أنزل أغراضه وسأل بعض المارَّة: أين الطريق إلى الجامعة؟ ثم اهتَدَى إلى الطريق، فرَكِب في حافلة تُوصل إلى باب الجامعة، طوال الطريق وهو ينظر بدهشة إلى الأبنية المرتفعة، ويُقارِن بين هذه الحافلة التي ركِبَها والحافلة التي جاء بها إلى المدينة، فهذه مُرِيحة ومقاعدها نظيفة، وأصبح يضحك حينما تذكَّر العربة والبغل الذي يجرُّها، وصَل إلى الجامعة، وكان وقت الدوام الرسمي شارَف على الانتهاء، سأل أحد الطلاب المارَّة: أين مكان التسجيل؟ فقال له: لا تُرهِق نفسك؛ فقد انتَهَى التسجيل اليومَ، ولكن من هنا الطريق، مُشِيرًا بيده إلى ذلك المكان، يَركُض مُسرِعًا والطلاب قد انصَرَفُوا، والموظف بدأ بترتيب أوراقه وإغلاق النافذة، وعبدالله يقول له: الله يوفِّقك، لست من المدينة، وليس لديَّ سكن، ولا أستطيع العودة إلى القرية، فخجل الموظف وقال له: آخُذ الأوراق اليوم، وعُدْ غدًا لكي تسجِّل في السكن الطلابي، فقال له عبدالله: ولكن اليوم خميس، وغدًا جمعة، والجمعة عطلة، فأجاب الموظَّف بقسوة: هذا ليس من شأني، لِمَ لَمْ تأت قبل يوم أو يومين، وأغلَق النافذة، حزن عبدالله في قَرارة نفسه على هذه المعامَلة القاسية، وكان يظنُّ أن العاصمة ستفتَح له ذراعَيْها مرحِّبة به، ولكن للأسف... لقد احتار عبدالله؛ أين سينام؟ هل يَنام على قارعة الطريق أو في الحديقة؟ وماذا يفعل في هذه المدينة الكبيرة التي لا يعرِف فيها أحدًا؟ وإذا بأحد الشباب المنصَرِفين يقول له: لا تهتم، فتعالَ معي - هنا يتذكَّر قولَ أمِّه: لا تذهب مع أحد في المدينة دون أن تتعرَّف عليه؛ ففي المدينة كثيرٌ من الأمور التي نعتبرها عيبًا وحرامًا عندهم حلال، وبدأت تُعَدِّد له وتقدِّم النصائح - فقال له الشابُّ: ما لك يا أخي؟ أأنت خائف؟ وكان معه شاب في مثل عمْر عبدالله، فسلَّما عليه حتى اطمأنَّ، فقال له ذلك الشابُّ: أنا أحمد، وأيضًا من القرية، وطالب في كلية الهندسة، وهذا ابن عمِّي قاسم يُرِيد أن يسجِّل في الجامعة، وهو سيَبِيت عندي الليلة، ونحن أهل القُرَى كُرَماء ونرحِّب بالضيوف، فمرحبًا بك إذا أحببت أن تقضي الليلة معنا في السكن الطلابي؛ فلديَّ غرفة؛ لأنَّني طالب قديم، لقد ارتاح عبدالله عندما عَلِم أن هذا الشاب أيضًا ابن قرية؛ فالطِّباع تكون متشابهة، والنفوس متقاربة. فرحَّب بالموضوع وشكَرَه قائِلاً: لعلي لا أكون ضيفًا ثقيلاً عليكما، فابتَسَم أحمد وقال: على الرحب والسَّعَة بك وبابن عمي قاسم. وصَلُوا على الغرفة، خلَع عبدالله ثِيابَه وارتَدَى اللباس البلدي الذي كان يرتَدِيه في القرية، وكذلك أحمد وقاسم، وأصبح عبدالله ينظر من شرفة الغرفة، والغرفة في الدَّوْر الثالث، ينظر إلى الأبنية بدهشةٍ وإلى المارَّة، يقول في نفسه: هذه أوَّل مرَّة أقف فيها على شرفة بِناء مرتفع كهذا، فيا لها من شرفة، ويا لهذه العاصمة، ثم قال عبدالله: لقد أعدَّت لي الوالدة بعض الأكلات الشهيَّة، فما رأيكم بأن نتناوَل الطعام معًا ويكون بيننا خبز وملح، فقال قاسم: وأنا أمي أعدَّت لي أيضًا بعض المأكولات الشهيَّة، فتناوَلُوا الطعام معًا، وبدؤوا يتسامَرُون ويضحكون وهم يشربون الشاي بعد الغداء. ومرَّت الساعات وهم يتسامَرُون بعد أن تعرَّفوا إلى بعض، وقصُّوا القصص التي كانت تنسج في مخيلة أبناء الريف، والتي كانوا يقصُّونها ليتسلوا ويُغالِبوا الملل، لقد تجاوَز الوقت منتصف الليل، وقد كان يومًا مُرهِقًا، لقد شعر عبدالله بالتعب وكذا قاسم، ثم نام الجميع. استيقظ أحمد وقاسم في العاشرة صباحًا وحاوَلاَ إيقاظ عبدالله ولكن دون جدوى؛ مستغرِق في نومه وأحلامه التي ما فارقَتْه لحظة؛ كيف ستَمضِي السنوات ويتخرَّج في الجامعة و... و... فقال قاسمٌ لأحمد بعدما يئِسُوا من إيقاظ عبدالله: دعْه، فلعلَّ تعب السهر والسفر قد أضناه، وهو غير مُعتَاد على ذلك، فيقول أحمد: لا حوْل ولا قوَّة إلا بالله، ولكن ستذهب منه صلاة الجمعة. ارتَفَع صوت المؤذِّن عاليًا فانطَلَق أحمد وقاسم إلى المسجد المجاوِر لأداء صلاة الجمعة، وفي هذه الأثناء بدأ عبدالله يتقلَّب في الفِراش فاستيقظ بعد قليل، نظَر حولَه فلم يجد أحمد وقاسمًا في الغرفة، فقال: أين ذهبا وتركاني هنا؟ لِمَ لَمْ يُوقِظاني؟ غسَل وجهه، وأعدَّ كأسًا من الشاي وبدأ بشربه وهو واقف على الشرفة، ولكن لا يجد أحدًا من المارَّة يلتفت هنا وهناك، باستغراب: هل الجميع في هذه الأثناء نائمون؟ لقد غفَل عبدالله عن وقت صلاة الجمعة وكأنَّه نسيها، وإذا بجموعٍ من المارَّة يمشون جماعات، ويتحدَّثون مع بعضهم بوجه مبتسِم، فخطَر في باله خاطِر: هل كان هؤلاء يُشاهِدون مباراة لكرة القدم التي كان يعشقها ويلعبها مع أقرانه في القرية - كان يسمع أنَّ في المدينة تُقام مباريات كرة قدم للفِرَق المحلية، وكان ينوي حضور إحداها. لقد كانت القرية التي جاء منها عبدالله صغيرة جدًّا ونائية، ومسجدها الصغير كان يؤمُّه الشيخ العجوز أبو علي الذي جاوَز التسعين من العمر، وهو في صحَّة وهمَّة عالية ببركة القرآن، ولكنَّه قد توفَّاه الله دون أن يكون هناك مَن هو أهلٌ لإمامة المسجد؛ نتيجةَ الجهل المُطبِق والأميَّة المنتَشِرة في القرية، فلم يستَطِع أحدٌ منهم أن يتولَّى شؤون هذا المسجد الصغير، وبالرغم من تعلُّم بعض أبناء القرية إلا أنهم لم يعودوا إليها وقطنوا في المدينة، ولم تكن القرية المجاوِرة بأفضل حالٍ منها، وكان يتعذَّر على أئمَّة المساجد أن يأتي أحدُهم من العاصمة ليُقِيم صلاة الجمعة في مسجد القرية الصغير ويعلِّمهم كتاب الله، هذا ما جعَلَهم يقصِّرون في العبادات قليلاً، وهذا ما حدَث لعبدالله، فغطَّ في نومٍ عميق، وفاتَتْه صلاة الجمعة. لما عاد أحمد وقاسم وهو ما زال على الشرفة في دهشةٍ لهذه الجموع، وإذ بصوت قاسم وأحمد يفتح باب الغرفة يقول: ما شاء الله، إن هذا الخطيب قد أمتَعنِي بهذه الخطبة؛ فقد تحدَّث بأمورٍ لم أسمعها في حياتي، ألقَيَا السلام على عبدالله وهو خجلٌ من نفسه لتفويته صلاة الجمعة. يكمل قاسم كلامَه عن خطيب المسجد وعبدالله يتحسَّر على ما فاتَه ويقول: ليتني استيقظتُ وذهبتُ معهم، ماذا أصابني؟! فقال أحمد: يا قاسم، إنَّ الشيخ عبدالوَدُود أستاذ جامعي في كلية الشريعة، وكم هو لطيفٌ مع الطلاَّب الذين يحضرون الدروس الأسبوعية؛ حيث يعلِّمهم شؤون دينهم، ويعلِّمهم تلاوة القرآن وحفظه. كلُّ هذا قد شوَّق عبدالله إلى حضور خطبة الجمعة ورؤية الشيخ عبدالوَدُود، حينَها قال له أحمد: قم وتوضَّأ وصلِّ الظهر، هيَّا لا تتكاسَل فقد أتعبتَنا ولم تستَيقِظ لصلاة الجمعة، ما هذا؟ هل لك أسبوع لم تنم فيه، أو ستتعوَّد على الكسل؟ يُتابِع أحمد قائلاً: يا أخي عبدالله، لقد ارتحتُ إليك، وأحسُّ أنَّك كابن عمِّي قاسم، وعندما تسجِّل في السكن الجامعي سأُحاوِل أن يضعوك في الغرفة معي أنت وقاسم؛ فأنا أعرِف موظفًا في المدينة الجامعية يحضر معنا دروس تحفيظ القرآن باستمرارٍ عند الشيخ عبدالوَدُود - حفِظَه الله - وسيُساعِدنا في ذلك - بإذن الله - ويكمل أحمد كلامه عن الشيخ عبدالوَدُود: سيبدأ الشيخ غدًا بتوزيع الطلاَّب الحافظين لكتاب الله على حلقات القرآن الكريم؛ ليعلِّم الطلاب الجُدُد القادمين من الأرياف، فبعد عدَّة أيام سيأتي شهر رمضان المبارك - أعادَه الله علينا وعليكم باليمن والبركات - لكي يتمكَّن الجميع من قراءة القرآن القراءة الصحيحة وختمه في رمضان.
|
|
لقد سَعِدَ عبدالله وقال له: متى تبدأ هذه الدروس؟ فقال أحمد: هي ساعةٌ بين المغرب والعشاء؛ فالشيخ عبدالوَدُود حريصٌ على ألا يضيِّع الطلاب أوقاتهم، فيكون ذلك سببًا لتقصيرهم في دراستهم الجامعية.
وبدأ أحمد يحكي لهم عن شهر رمضان الفضيل، شهر القرآن، وكيف كان عندما قدم إلى المدينة لا يقرأ آية إلا ويخطئ بكلِّ كلمة فيها، ولكن بفضل الله - تبارك وتعالى - ثم جهود الشيخ عبدالوَدُود، أصبح ممَّن يحمِلون القرآن الكريم، فقال عبدالله في قرارة نفسه: وأنا - بإذن الله - سأحفَظ القرآن وأعلِّمه أهلَ قريتي الأعزَّاء. بدَأ الدوام في الجامعة، وبدأت الدراسة مجددًا، وعبدالله على عادته يستيقِظ باكرًا، ولكن هذه المرَّة ليس على صِياح الديك؛ وإنما على صوت المؤذِّن العذب، يذهب هو وأحمد وقاسم - حيث استقرَّ معهما في الغرفة - إلى صلاة الفجر، وبعد العودة يُراجِع ما درَسَه من القرآن على يد الشيخ عبدالوَدُود، ثم يذهب مبكرًا إلى الجامعة؛ ليحجز مكانًا في المدرج؛ وذلك لكثرة الطلاب، واندفاعًا منه لحبِّه للتعلُّم. وما هي إلا أيامٌ وبدَأ شهر رمضان المبارك، وبدأت معه الروحانيَّات والروابِط الأخويَّة بين الطلاَّب في السكن الطلابي، يجتَمِعون كلَّ يومٍ على مائدة الإفطار، يتعاوَنُون على تحضير الطعام، ثم يقومون لصلاة التراويح. يقول في نفسه: الحمد لله، أنا في أحسن حال، ويتذكَّر أهله في القرية: والدته العزيزة، وأباه، وإخوته الصغار، ويقول: عندما سأَعُود في العطلة إلى القرية سأحمِل لأهلي بعض الهدايا، وأحكي لهم عن هذه الحياة الروحانيَّة الجميلة؛ فأنا لا أرى من المدينة إلا الشيخ عبدالوَدُود والصالحين والطيِّبين، لا كما كانت أمِّي تُخبِرني وتحذِّرني من أهل المدينة، فما رأيتُ منهم إلا الصلاح والبركة، فالحلال حلال، والحرام حرام، في الريف أو في المدينة. يمضي كلَّ يوم جمعة إلى الصلاة هو وأحمد وقاسم وجيرانهم في السكن الطلابي، يتسايرون ماذا ستكون الخطبة اليومَ يا ترى؟ لقد كانت الخطبة في الأسبوع الماضي رائعة، يقول عبدالله: عرفت عن معاني الخير والهداية في رمضان ما لم أكن أعرفها عنه، كان عبدالله يحفظ كلَّ كلمة يقولها الشيخ عبدالوَدُود، ويحفظها في ذاكرته، وعندما يعود إلى الغرفة يكتب كلَّ ما يتذكَّره، ويساعده بذلك أحمد الذي يحفَظ القرآن، فيصحِّح له بعض الأخطاء، ويراجع له بعض السُّوَر التي علَّمَها إيَّاه الشيخ عبدالوَدُود. يتذكَّر عبدالله أوَّل جمعةٍ له في العاصمة عندما كان واقِفًا على الشرفة يرَى هؤلاء الجموع، ولا يدري من أين قدِمُوا، فيضحَك على نفسه تارةً، ويتحسَّر أخرى على ما فاتَه من هذه النفحات الإيمانية، فيقول: إن وقفتي على هذه الشرفة قد غيَّرتْ حياتي، ويردِّد: يا لهذه الشرفة، ويا لهذه العاصمة، ثم يحمد الله مرَّة أخرى على أن لقي أبناء الحلال كأحمد وقاسم؛ فهذه من بركة دعاء أم عبدالله - حفِظَها الله - فتَملأ الدموع عينيه وهو يُحاوِل أن يُدارِي ذلك. ثم قال: أتعرف يا أحمد، عندما أُسافِر إلى القرية، سأحضر لخطبة الجمعة، وفي أوَّل إجازة - بإذن الله - سأصعَد المنبر وألقي الخطبة، وسأقرأ في الصلاة ما تعلَّمت من كتاب الله العزيز، فجزاك الله عنِّي خيرًا؛ لولا أن لقيتُك في أوَّل يومٍ لي في المدينة فلستُ أدري كيف كانت حالي، فيقول أحمد: إن الله - سبحانه وتعالى - يهيِّئ للطيِّبين أمثالَهم، يردُّ عبدالله: بارك الله فيك يا أخي. هذه أيَّام رمضان تنقَضِي يومًا بعد يوم، وعبدالله يزداد فيها إيمانًا ونَشاطًا؛ يوفِّق بين دروسه ومحاضراته، وبين حضور حلقات القرآن الكريم. ويقول الشيخ عبدالوَدُود: أبنائي الطلاب، إن طلَب العلم فريضةٌ على كل مسلم، أنت بالنيَّة تكون في عبادة دائمة؛ فالدِّراسة في الجامعة لا تقلُّ درجةً وأجرًا - بإذن الله - عن الدُّروس في المسجد، المهمُّ أن تُخلِص النيَّة لله، وتحتَسِب ذلك عند الله، ويَقول: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن سلَك طريقًا يطلُب فيه علمًا، سلك الله به طريقًا من طرق الجنة، وإنَّ الملائكة لتَضَع أجنحتها رضًا لطالب العلم)). يسمع عبدالله هذه الكلمات فيفرح فرَحًا ما فرح من قبل كمثله، ويقول في نفسه: الحمد لله على هذه النعمة، لو أنِّي لم أُتابِع دِراستي الجامعيَّة لكنت فقدت كثيرًا من الخيرات. يرجع عبدالله بعد صلاته إلى الغرفة وهو ينوي السفر إلى القرية، فغدًا يوم الخميس وليس لديه دوامٌ في الجامعة، والجمعة عطلة، وما هي إلا أيامٌ ويأتي عيد الفطر السعيد، حيث إنه سيقضي هذه العطلة في القرية. وبعد الاستِيقاظ للسحور ذهب وأخواه - أحمد وقاسم - لصلاة الفجر جماعة، وودَّع الشيخ عبدالوَدُود وقال له: يا شيخي، أين خطبة العيد التي وعدتَني بكتابتها؛ حتى ألقيها في المسجد صباح العيد - أعاده الله عليك وعلينا باليُمْنِ والبركات؟ فأجاب الشيخ مبتسمًا: لم أنسَ يا بني، ها هي، فقال عبدالله: جزاك الله عنِّي كلَّ خيرٍ؛ لما علمتني من قراءة القرآن الكريم، فأجاب الشيخ عبدالوَدُود: بارك الله فيك يا بُنَيَّ، وتذكَّر قول النبي - عليه الصلاة والسلام -: ((خيرُكم مَن تعلَّم القرآن وعلَّمَه))، فودَّعه عبدالله ممتنًّا وشاكِرًا ومُثنِيًا بحمده على الله. عادَ إلى الغرفة وينظر إلى الساعة، ويفكِّر كيف سيلقَى الأهل بعد غِيابٍ لأوَّل مرَّة وقد قارب الشهر، وبدأ يُراجِع ما حفِظَه من القرآن الكريم، ثم قامَ ولبس ثِيابَه الجديدة التي اشتَراها من العاصمة، وودَّع أخوَيْه؛ أحمد وقاسمًا، وقال: نلتقي بعد عطلة العيد - بإذن الله - وخرَج مبتسمًا فَرِحًا لما به من حسن مَآل، وكان يسلِّم على كلِّ مَن يراه في طريقه وهو نازل على الدرج حتى وصل إلى الباب الرئيس، ثم نظَر إلى الشرفة التي كان يقف عليها ويتذكَّر سبب هدايته، ويقول: لا حوْل ولا قوَّة إلا بالله، مباراة كرة قدم، ويبتَسِم، ثم يستغفر الله ويقول: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، انتَظَر الحافلة قليلاً، ثم صعد وركب فيها على أحد المقاعد، وبدأ ينظر إلى شَوارِع العاصِمَة وإلى الناس، فطلاب المدارس ذاهبون إلى مدارسهم، والعمَّال إلى عملهم، والموظَّفون إلى وظائفهم. وصَل إلى كراج الانطِلاق وصعد إلى الحافلة، وكانت نفس الحافلة التي ركِب فيها عندما جاء إلى العاصمة، فقال في نفسه: لن أنام سأُراجِع بعضَ المحاضرات التي لم أدرسها البارحة، ثم أحفظ الخطبة التي كتَبَها لي الشيخ عبدالوَدُود - حفظه الله - حتى ألقيها في صباح العيد على مَسامِع أهل القرية، ونفسه تهفو إلى لقيا أهله وأحبَّته وجيرانه، ويحمد الله مثنيًا عليه. لم يُحسَّ بالوقت إلا والسائق يقول: ركَّاب القرية يستعدُّون للنزول قبل أن نَنساهُم؛ فالحافلة تصل إلى قُرًى مُجاوِرة أيضًا، ينزل من الحافلة مُمسِكًا بحقيبته التي كانت الهدايا فيها، وهو مُمسِك بقوةٍ بها؛ كي لا تضيع من يده طوال طريق السفر، مشى مسافة طويلة دون أن يشعر بالتعب حتى وصل إلى مَشارِف القرية، ثم دخَل بين الحقول حتى يلقي التحيَّة على والده، فهو بالتأكيد ما زال في الحقل، فالوقت ما زال نهارًا، وصَل إلى الحقل، ونادى يا أبا عبدالله، أين أنت؟ يسمع أبو عبدالله الصوت ويقول فرحًا: هذا صوت عبدالله، يَرمِي من يده المِعوَل مُسرِعًا حتى يرى مَن المنادي، كان المنادي فعلاً ولده البكر عبدالله، يرمي عبدالله أغراضه ويحضن والده العزيز ويقبِّل يدَيْه، ويَقول له: كل عام أنت بخير، كيف الجميع: أمي، إخوتي، الجيران، أهل القرية؟ فيقول أبو عبدالله: خذ نفسًا يا عبدالله، فيُجِيب عبدالله لقد اشتَقتُ إليكم يا أبي، كيف رمضان في القرية؟ هل وصَلَكم إمامٌ جديد للمسجد؟ فيُجِيب الأب: لا، كما تركتَه دون إمام، ولكن الأمور على ما يُرام. أخبرني أنت عن دراستك وسكنك وأحوالك، ما هذه الثياب الجميلة؟ أأصبحت من أبناء المدينة؟ فيقول عبدالله لأبيه: لا يا أبتي، لن أنسى القرية ما حَيِيتُ، ولن أعيش إلا فيها.
|
|
يقول أبو عبدالله: أخذَنَا الوقت بالحديث هيَّا يا بُنَيَّ، دعنا ننطَلِق إلى البيت لتسلِّم على أمِّك وإخوتك، ركِب عبدالله مع والده العربة التي يجرُّها البغل وانطلَقَا إلى المنزل.
يا أم عبدالله، انظري، معي ضيف عزيز، تقوم الأم بلهفة وكأنَّ قلبها أشعَرَها بأنَّ هذا الضيف هو عبدالله، تنظر إليه والدموع تملأ عينيها، وتقول: الحمد لله على السلامة يا حبيبي، يقبِّل عبدالله يد أمِّه، ويضمُّها إلى صدره ويقول: سلَّمك الله يا أغلى أمٍّ في الدنيا، يسلِّم عبدالله على إخوته الصِّغار ويُرِيهم هدايا العيد، ما تلبَث الشمس أن تَغِيب ويحل وقت أذان المغرب، ينطَلِق عبدالله فيَقُول الجميع: إلى أين؟ فيُجِيب مبتَسِمًا: عندما تسمَعون ستَعرِفون إلى أين، توجَّه عبدالله إلى المسجد القريب من بيته، يدخل إلى المسجد، يتوضَّأ من البِرْكة، ويبدأ برفْع الأذان بصوته الجميل: الله أكبر، الله أكبر... يسمع الأهل الصوت وهم بدهشةٍ وفرحة، عبدالله يرفع الأذان عاليًا، يا لفرحنا بهذا الولد البارِّ. يجتَمِع الناس على صلاة المغرب من شدَّة فرحهم، وهم لا يعرفون مَن يرفع الأذان، يدخُلون إلى المسجد وإذا بعبدالله، هذا أنت، الحمد لله على السلامة، كيف حالك؟ وكيف المدينة؟ يُقِيم الصلاة، وبدأ يقرأ آياتٍ من كتاب الله بصوت شجيٍّ، وبَعد الانتِهاء يقول: أهل قريتي الأعزَّاء، سنصلِّي اليوم صلاة التراويح، فلا تنسَوْا بعد صلاة العشاء. يرجع هو ووالده إلى المنزل لتناوُل طعام الإفطار، فكم اشتَاق لتناوُل طعام أمِّه الشهي، يجتَمِع هو وأهله على المائدة، وبدأ يقص لهم جميع ما لقيه في المدينة، وكيف التَقَى أحمد الذي قدَّم له يد المساعدة، وزميله قاسمًا في الدراسة، والشيخ المبجَّل عبدالوَدُود، والكلُّ يحبِس أنفاسَه ويستَمِع بسعادة بالغة. نظَر في الساعة فقال: لقد حان يا أبتي وقت صلاة العشاء والتراويح، هيَّا يا أبتي، ذهبا إلى المسجد، وفي الطريق يصحبون كلَّ مَن مرُّوا بطريقهم، حتى وصل إلى المسجد، وبدأ يرفع الأذان بصوته الشجي، ثم أقام الصلاة. وبعد صلاة العشاء والتراويح، سلَّم عليه جميع أهل القرية، والجميع بدأ يدعوه إلى مائدة الإفطار غدًا. فقال: جزاكم الله خيرًا، ولكنَّ الأهمَّ من ذلك أن غدًا جمعة، وليس لديكم خطيبٌ في المسجد، وأنا - بإذن الله - سأخطب الجمعة غدًا، لقد سَعِدَ الجميع بهذا الخبر، قال المختار أبو مصطفى: غدًا إذًا الفطور عندي لكِبار القرية وصغارها، رِجالاً ونساء، قال عبدالله: جزاك الله خيرًا يا مختار، كريمٌ كعادتك. بعد الصلاة التَقَى عبدالله بصحبته في زمن الدراسة؛ فمحمد وحسن أصبَحَا مدرِّسَيْن في القرية، وعدنان أصبح مديرًا للمدرسة. وبدأ يحكي لهم كيف التَقَى بالشيخ عبدالوَدُود، وبدأ يحفْظ كتاب الله العزيز، واقتَرَح عليهم بما أنهم متعلِّمون أن يبدؤوا بحلقات تعليم أهل القرية القرآن الكريم، وأن يتولَّى كلُّ واحد منهم بالتناوُب إمامة المصلين، وأن يخطُب كلُّ واحدٍ منهم خطبة الجمعة، وهو كل شهر سيأتي في إجازة آخر الشهر ويُساعِدهم في ذلك. وفي اليوم الثاني اجتَمَع الكلُّ على مائدة الإفطار بعد صلاة المغرب في مضافة المختار أبي مصطفى ويقول: غدًا العيد يا جماعة، وكلُّ عام أنتم بخير، الحمد لله الذي أعانَنا على صِيام الشهر، وعبدالله يغتَنِم كلَّ فرصة في الكلام فيذكِّرهم بكتاب الله وبالعبادة، والصلاة وقراءة القرآن. انتهَوْا من الطعام، والكلُّ في فرَح وحُبُور، يقول عبدالله: قوموا إلى صلاة العشاء - بارك الله فيكم - اليوم ليس هناك صلاة تراويح واستعدُّوا غدًا صباحًا لصلاة العيد - أعادَه الله علينا بالبركة. التَقَى بعدَ الصلاة بمحمد وحسن وعدنان، وطلَب منهم أن يختَارُوا بعضَ الأطفال ذوي الصوت الحسن؛ لكي يعملوا حلقةً للتكبير في صباح العيد. لم يَنَمْ عبدالله حتى راجَع الخطبة التي كتَبَها له الشيخ عبدالوَدُود، ثم استيقظ قبل الفجر وأيقظ أهله، وألبَسَت أم عبدالله الأطفال الملابس الجميلة التي أحضَرَها من العاصمة لأهله. ذهَب إلى المسجد هو وأهله، وصلى الفجر إمامًا بالمصلِّين، وبعدها بدأ يُدَرِّب الأطفال هو ومعلِّمو المدرسة على تكبيرات العيد، وبدأ بصَوْتِه العذب يكبِّر تكبيرات العيد: الله أكبر، الله أكبر... ثم قام لصلاة العيد، وبعدَها صَعِدَ المنبر لكي يخطب خطبة العيد التي حفِظَها عن ظهْر قلب، والكلُّ ينظر إليه بدهشة وسعادة. وبعد الانتِهاء بدأ الجميع يهنِّئون بعضهم بعضًا، ويهنِّئون أبا عبدالله بهذه الذريَّة الصالحة. انصَرَف الجميع إلى بيوتهم بسعادة بالغة لم يشعروا بها من قبلُ، وهو في الطريق يتذكَّر أهل الفضل الذين كانوا سببًا في هدايته؛ أحمد وقاسم والشيخ عبدالوَدُود، وكلَّما تذكرهم تذكر أوَّل مرَّة وقَف فيها على الشرفة، وتذكَّر المارَّة، وتذكر خيبتَه، ويقول في نفسه: الحمد لله على نعمة الهداية، فهذا رمضان الذي كانت فيه هدايتي قد غادَرَنا، ويا ربِّ أعنِّي على أن أحفَظ كتابك الكريم؛ حتى أتمكَّن من تعليم أهل قريتي الأعزاء، والحمد لك يا إلهي على كل شيء. تم بحمد الله
|
|
|