[يمامة الوادي]

* يبقى المتسابق في حذر دائم*
(( فرُبَّ طاعة أورثت عزاً واستكباراً))..
هكذا كان إبليس..أعجب بطاعته فاستكبر عن طاعة الأمر فطُرد من رحمة الله..
ومن هذا كان يحذر بشر بن الحارث: فقد صلى يوماً فأطال الصلاة وأحسن ..ورجلٌ يصلي خلفه فنظر له بشر وقال: ( لا يعجبنك ما رأيت مني ..فإبليس عبد الله مع الملائكة دهراً ثم صار إلى ما صار إليه)..

والعجب فضلاً عن أنه يُحبط العمل فإنه يُولد في النفس العديد من أمراض القلوب كالغرور والتكبر والرياء وحب المدح..وهذه الأمراض أخطر بكثير من معاصي الجوارح..
لذا قال مورق العجلي:
(خير من العُجب بالطاعة..ألا تأتي بطاعة)..ومن أنجع الأدوية في معالجة داء العجب ما صنعه المداوي الحاذق أبو حامد الغزالي في صورة مثل يعرف به كل واحد منا قدره..فلا يمُن ولا يغتر..يقول رحمه الله:
(( الملك العظيم إذا أذن بإدخال الهدايا والذخائر النفيسة والأموال الجليلة ..فإذا جاء بقّال بباقة بقل..أو قروي بسلة عنب..فيدخل في حضرته ويزاحم أولئك الأغنياء والكبراء بهداياهم الكثيرة الشريفة..وهذا الملك يقبل من هذا الفقير هديته..ويأمر له بأنفس خلعة وكرامة..ألا يكون ذلك منه غاية الفضل والكرم؟؟
فإذا أخذ هذا الفقير يمُن بذلك على الملك ويعجب به ويستعظمه وينسى منة الملك..ألا يُقال: هذا مجنون مضطرب العقل..؟أو سفيه سيء الخلق عظيم الجهل؟
فالآن إنك إذا قمت لله ليلة وصليت ركعات..فإذا فرغت فتفكر كم قام لله سبحانه في هذه الليلة من الخدم في أقطار الأرض..؟
وكم حضرت في هذه الساعة بباب الله سبحانه من عبادة صافية..وخدمة خاصة عن أنفُس خاشعة وأبدان طاهرة وعيون باكية وقلوب عامرة وصدور نقية وأركان تقية..وصلاتك إن كنت بذلت المجهود في تحسينها وإحكامها وإصلاحها فلا تكاد تصلح بحضرة هذا الملك..
ولا تتبين في جنب تلك العبادات التي تعرض هنالك..
كيف وقد كانت منك عن قلب غافل مختلط بأنواع العيوب؟؟وبدن نجس بأقذار الذنوب..ولسان متلطخ بأنواع المعصية والفضول؟؟
فانظر أيها العاقل: هل وجهت صلاة من صلواتك إلى السماء كمائدة بعتها إلى بيوت الأغنياء؟؟))
وآثر الشافعي الإيجاز فقال:
(( إذا خفت على عملك العجب ..فاذكر رضا من تطلب ..وفي أي نعيم ترغب ..ومن أي عقاب ترهب ..فمن فكر في ذلك صغر عنده عمله))..
فإن كنت يقظاً ونجوت من هذا الفخ أتيناك ببشرى إسحاق بن خالد يزفها إليك فيقول:
(( ليس شيء أقطع لظهر إبليس من قول آدم..: ليت شعري بماذا يُختم لي؟ عندها ييأس إبليس ويقول: متى يُعجب هذا بعمله))؟؟
*******************
(( ورُبَّ معصية أورثت ذلاً واستغفاراً))..
حتى يقول إبليس متندماً: ليتني لم أوقعه في هذه المعصية ..فرب علة كانت سبباً للصحة..
لعل عُتبك محمود عواقبه.....وربما صحت الأجساد بالعلل
قال بعض السلف: ( كان داود بعد التوبة خيراً منه قبل الخطيئة..ولهذا قال سبحانه: ((فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب))..[ص:25]..فزاده على المغفرة أمرين: الزلفى وهي درجة القرب منه..
والثاني: حسن المآب وهو حسن المنقلب وطيب المأوى عند الله)..
فمن قضي له بالتوبة كان كما قال بعض السلف: إن العبد ليعمل الذنب فيدخل به الجنة..قالوا كيف؟
قال: (( يعمل الذنب فلا يزال نصب عينيه خائفاً منه مشفقاً وجلاً باكياً نادماً مستحيياً من ربه تعالى..ناكس الرأس بين يديه منكسر القلب له..فيكون ذلك الذنب أنفع له من طاعات كثيرة بما ترتب عليه من هذه الأمور التي بها سعادة العبد وفلاحه..حتى يكون ذلك الذنب سبب دخوله الجنة))..
وما تزال المعصية ماثلة أمامه حتى يصير أعبد الناس..
سُئل سعيد بن جبير: من أعبد الناس؟ قال: ( رجل اجترح من الذنوب وكلما ذكر ذنبه احتقر عمله)..

**********************
خالد أبو شادي