[يمامة الوادي]

لماذا لا يكون السبت إجازة؟
إبراهيم الأزرق

هو مطلب يُردده بين فينة وأخرى أولئك الذين لم يكتفوا بدخولهم جُحرَ الغرب الخرب، حتى أرادوا للأمة أن تدخل معهم بدعاوى شتى يبهرجونها فيحسب ضاوي الرأي أن في الجحر متسعاً وكنزاً!

فمِن قائلٍ يزعم أن دخولَ الجحر أمرٌ عادي لا يمنع منه شرعٌ ولا عقل، وآخر يدّعي دعوى عريضة بغير بينة فيزعم أنَّ في دخوله تحقيقَ مصالحَ اقتصاديةٍ، وثالث –ما أصغرَ عقلَه!- يظن أن التقدم والرقي مظاهر من جملتها اتباعُ (موضة) يوم السبت التي استشرت في بعض المجتمعات المسلمة، وما درى المسكين أن تلك (دقة) قديمة ضاربة في أعماق تاريخ بني إسرائيل.

قد تقول: أُراك متحاملاً على يوم السبت! فلِمَ هذه الحملة، وما ضرك أن يخلد الناس للراحة يوماً؟

فأقول: أسباب كثيرة أزعم أنها تدفع العقلاء لهذا، ولو لم يكن منها إلاّ واحد لكفى، وإليك منها عشرة كاملة:
1- لأننا لسنا يهود ولا نحب التشبه بهم، والتعطيلُ عن العمل يوم السبت فيه تشبه باليهود أردنا أو لم نرد، فإن من المتقرر أن السبت هو اليوم الذي تعظمه اليهود، وقد كان من جملة تعظيمهم له تركهم العمل فيه، قال الله تعالى: {واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الأعراف: 163]. قيل: إنما جَعَل اللهُ السبتَ عليهم باختيارهم، عندما أرشدهم نبيهم عليه السلام ليوم الجمعة فناظروه على يوم السبت، ويشهد لهذا المعنى -كما ذكر القرطبي[1] وغيره- قول الله تعالى: {إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [النحل: 124]، وقوله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم: (أضلَّ اللهُ عن الجمعة مَن كان قبلنا؛ فكان لليهود يومُ السبت، وكان للنصارى يومُ الأحد)[2]، وهذا يدل على أن الله إنما فرض عليهم تعظيمَه كما في قصة أصحاب السبت بعد اختيارهم له، ثم كان وبالاً عليهم، فلماذا يختارُه بعضُنا؟!

ولا يقولن أحدٌ: إنا لا نصنع ذلك تشبهاً؛ فإن التشبه قد يكون بالفعل ولا يشترط له انضمامُ قصد التشبه ما دام الفعل من خصائص الكفار ومن شعائر دينهم، ولهذا لا يحق لامرأة مثلاً أن تشتري سلسلة ذهبية يتدلى منها صليب أنيق أو نجمة سداسية (شعار اليهود) لجمالها بغير قصد التشبه؛ فإن النجمة السداسية والصليب من شعائر من أمرنا الله بمخالفتهم، فمجرد فعلها تشبه وعدم قصدها لا يرفع حقيقة أن هذا الفعل من شعائر الكفر، وأنه تشبه بالكافرين، وكذلك يقال لمن التزم تركَ العمل في اليوم الذي تلتزم فيه اليهود ترك العمل.

وإذا كان الإمام مالك وغيره كرهوا ترك العمل يوم الجمعة إذا كانت فيه رائحة تشبه بترك اليهود العمل يوم السبت، والنصارى يوم الأحد، ونقل ذلك عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم[3] فكيف إذا تركناه يوم سبت اليهود؟!

2- ولأنه ليس لدينا بحمد الله في بلادنا يهود لهم ظهور على الساحة، وإن وُجدوا فهم شرذمة قليلة أقل بكثير من تَعداد المسلمين في أي دولة غربية، فلِمَ لَمْ تجعل الدولُ الغربية يومَ الجمعة إجازة مع يومها الذي تعظم، وجعلنا نحن السبت إجازة؟ مع أن المسلمين في بعض الدول الغربية قد يكونون في المرتبة الثانية من حيث العدد.

3- ولأن الأيام التي تخلو من محظور شرعي غيره أربعة في الأسبوع إذا استثنينا السبت والجمعة.

4- ولأن العرف جار في جميع الدول على أن تعطل في اليوم الذي تعظمه، ثم بعضها قد تعطل يوماً قبله من أجل أن يتهيأ الناس فيه لليوم الذي له خصوصية عندهم، ولذا فإن إسرائيل تعطل يوم الجمعة ثم السبت، والعالم النصراني يوم السبت ثم يوم الأحد، وبعض الدول الإسلامية يوم الخميس ثم يوم الجمعة.

5- ولأن الإجازات الرسمية كافية جداً لأن ينال المرء قسطاً بل قنطاراً من الراحة، فكيف وقد تقرر أن لكل موظف إجازةً سنوية مدفوعة الراتب بحسب درجته في السلم الوظيفي؟ وحسبنا الليل الذي جعله الله للناس سباتاً.

6- ولأننا سئمنا التبعية بعقل وبغير عقل لما تُمليه الدولُ الغربية وأنظمتُها.

7- ولأن دعوى مواكبة الاقتصاد العالمي دعوى ساذجة فيها غفلة، فهل من ضرر علينا إن عملنا يوم عطلوا؟ وهل يجب علينا أن نعطل عن العمل إذا عطلوا؟ وإنما يعقل أن تناقش هذه المغالطة مع من يريد تحويل الإجازة من يوم الجمعة لا من يريد تسويغ إجازة يوم آخر. ومثلها دعوى توفير منصرفات الدولة؛ إذ إن إنتاج أي مؤسسة من المؤسسات –غير الخدمية والاحتسابية- ينبغي أن يفوق منصرفاتها، وإلاّ كان الأولى بها أن تغلق أبوابها طوال أيام الأسبوع!

8- ولأن تَعداد المسلمين يفوق تعداد اليهود في العالم، بل يضاهي تعداد أكبر الديانات، بل هو الأول انتشاراً ونمواً في العالم، وفوق ذلك تعد شعوبُه المستهلكَ الأول لإنتاج الآخرين، والتاجر الذي لا يراعي هذا القطاع العريض من المستهلكين هو الخاسر الأول، ولا سيما والمتنافسون في العرض كثر، وجل المعروض حاجيات وكماليات.

9- ولأنه لو قدرنا اجتماع الرأي على موافقة الدول الغربية التي تعطل يوم السبت، فإن ذلك لن يتحقق لنا؛ لأن يوم السبت عندنا أو عندهم يوافق يوم الأحد عند آخرين! فإجازتنا يوم السبت توافق يوم الجمعة في بعض الدول وهو يوم عمل عندها.

10- ولأن زيادة أيام العطلات زيادة تأخير للمراجعين لدى الدوائر الرسمية في الداخل والخارج، فتقليل التأخير أولى.

11- ولأن تغيير النظام الجاري لا بد أن يصدر عن أسباب قوية مقنعة ظاهرة، لا أوهام واحتمالات تُقام التجارِب -التي يكون فئرانها جموعًا من الأمة!- لمعرفة نتيجتها! هذا إن كان ثمة مقياس دقيق للنتائج.

فهذه عشرة أسباب زدتُها واحداً، إن لم ترض أحدها فاجعله مكانه.

وإن أعملتَ –يا صاحبَ الفهم- فهمَك وجدتَ غيرها.

والله المستعان.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ينظر تفسيره للآية 10/176.
[2] صحيح مسلم (856).
[3] انظر المدونة 1/234، وبعضهم التمس لقول مالك التأويلات وخرجوه على أوجه، وبعضهم أطلق كراهته كما صنع ابن الحاج في المدخل 2/153.
================