لطلب خدمة التعبير الهاتفي فضلا ابعث رسال لرقم الجوال:0568849911,أخي الزائر / أختي الزائرة مرحبا بكم في موقع بشارة خير ولتفسير أحلامكم نرجو اطلاعكم على المواضيع التالية:,منتدى التعبير المجاني بموقع د/ فهد بن سعود العصيمي,تفعيل خدمة الدعم الهاتفي (رسائل واتس أب) وإشتراك الدعم (الماسي), |
الدكتور فهد بن سعود العصيمي |
اللهم ارحمهما واغفر لهما واجعل مثواهما الجنة |
صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن عبدالرحمن بن عبدالعزيز حفظه الله ورعاه |
مساحة إعلانيه |
لطلب خدمة التعبير الهاتفي فضلا ابعث رسال لرقم الجوال:0568849911,أخي الزائر / أختي الزائرة مرحبا بكم في موقع بشارة خير ولتفسير أحلامكم نرجو اطلاعكم على المواضيع التالية:,منتدى التعبير المجاني بموقع د/ فهد بن سعود العصيمي,تفعيل خدمة الدعم الهاتفي (رسائل واتس أب) وإشتراك الدعم (الماسي), |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
هــذا هـــو الطريـق ********** ( وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ(1)وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ(2)وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ(3)قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ(4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ(5)إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ(6)وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ(7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ(8)..) الآيات إن قصة أصحاب الأخدود حقيقة بأن يتأملها المؤمنون الداعون إلى الله في كل أرض وفي كل جيل . فالقرآن بإيرادها في هذا الأسلوب مع مقدمتها والتعقيبات عليها، والتقريرات والتوجيهات المصاحبة لها .. كان يخط بها خطوطاً عميقة في تصور طبيعة الدعوة إلى الله، ودور البشر فيها، واحتمالاتها المتوقعة في مجالها الواسع - وهو أوسع رقعة من الأرض، وأبعد مدى من الحياة - وكان يرسم للمؤمنين معالم الطريق، ويعدُّ نفوسهم لتلقي أي من هذه الاحتمالات التي يجري بها القدر المرسوم، وفق الحكمة المكنونة في غيب الله المستور . . إنها قصة فئة آمنت بربها، واستعلنت حقيقة إيمانها . ثم تعرضت للفتنة من أعداء جبارين بطاشين مستهترين بحق " الإنسان " في حرية الاعتقاد بالحق والإيمان بالله العزيز الحميد، وبكرامة الإنسان عند الله عن أن يكون لعبة يتسلى بها الطغاة بآلام تعذيبها، ويتلهون بمنظرها في أثناء التعذيب بالحريق . وقد ارتفع الإيمان بهذه القلوب على الفتنة، وانتصرت فيها العقيدة على الحياة، فلم ترضخ لتهديد الجبارين الطغاة، ولم تفتن عن دينها، وهي تحرق بالنار حتى تموت . . لقد تحررت هذه القلوب من عبوديتها للحياة، فلم يستذلها حب البقاء وهي تعاين الموت بهذه الطريقة البشعة، وانطلقت من قيود الأرض وجواذبها جميعاً، وارتفعت على ذواتها بانتصار العقيدة على الحياة فيها . وفي مقابل هذه القلوب المؤمنة الخيّرة الرفيقة الكريمة هناك جبلات جاحدة شريرة مجرمة لئيمة، وجلس أصحاب هذه الجبلات على النار، يشهدون كيف يتعذب المؤمنون ويتألمون، جلسوا يتلهون بمنظر الحياة تأكلها النار، والأناسي الكرام يتحولون وقوداً وتراباً . وكلما ألقي فتى أو فتاة، صبية أو عجوز، طفل أو شيخ، من المؤمنين الخيرين الكرام في النار؛ ارتفعت النشوة الخسيسة في نفوس الطغاة، وعربد السعار المجنون بالدماء والأشلاء ! . هذا هو الحادث البشع الذي انتكست فيه جبلات الطغاة وارتكست في هذه الحمأة، فراحت تلتذ مشهد التعذيب المروع العنيف، بهذه الخساسة التي لم يرتكس فيها وحش قط، فالوحش يفترس ليقتات، لا ليلتذ آلام الفريسة في لؤم وخسة ! وهو ذاته الحادث الذي ارتفعت فيه أرواح المؤمنين وتحررت وانطلقت إلى ذلك الأوج السامي الرفيع، الذي تشرف به البشرية في جميع الأجيال والعصور . . في حساب الأرض يبدو أن الطغيان قد انتصر على الإيمان، وإن هذا الإيمان الذي بلغ الذروة العالية، في نفوس الفئة الخيرة الكريمة الثابتة المستعلية . . لم يكن له وزن ولا حساب في المعركة التي دارت بين الإيمان والطغيان ! ولا تذكر الروايات التي وردت في هذا الحادث،كما لا تذكر النصوص القرآنية، أن الله قد أخذ أولئك الطغاة في الأرض بجريمتهم البشعة، كما أخذ قوم نوح، وقوم هود، وقوم صالح، وقوم شعيب، وقوم لوط، أو كما أخذ فرعون وجنوده أخذ عزيز مقتدر .. ففي حساب الأرض تبدوا هذه الخاتمة أسيفة أليمة ! . أفهكذا ينتهي الأمر، وتذهب الفئة المؤمنة التي ارتفعت إلى ذروة الإيمان ؟ تذهب مع آلامها الفاجعة في الأخدود؟ بينما تذهب الفئة الباغية، التي ارتكست إلى هذه الحمأة، ناجية ؟! حساب الأرض يحيك في الصدر شيء أمام هذه الخاتمة الأسيفة ! ولكن القرآن يعلَّم المؤمنين شيئاً آخر، ويكشف لهم عن حقيقة أخرى، ويبصرهم بطبيعة القيم التي يزنون بها، وبمجال المعركة التي يخوضونها : إن الحياة وسائر ما يلابسها من لذائذ وآلام، ومن متاع وحرمان .. ليست هي الغاية والقيمة الكبرى في الميزان .. وليست هي السلعة التي تقرر حساب الربح والخسارة، والنصر ليس مقصوراً على الغلبة الظاهرة، فهذه صورة واحدة من صور النصر الكثيرة . . إن القيمة الكبرى في ميزان الله هي قيمة العقيدة، وإن السلعة الرائجة في سوق الله سلعة الإيمان، وإن النصر في أرفع صورة هو انتصار الروح على المادة، وانتصار العقيدة على الألم، وانتصار الإيمان على الفتنة .. وفي هذا الحادث انتصرت أرواح المؤمنين على الخوف والألم، وانتصرت على جواذب الأرض والحياة، وانتصرت على الفتنة انتصاراً يشرف الجنس البشري كله في جميع الأعصار .. وهذا هو الانتصار . إن الناس جميعاً يموتون، وتختلف الأسباب ، ولكن الناس جميعاً لا ينتصرون هذا الانتصار ، ولا يرتفعون هذا الارتفاع، ولا يتحررون هذا التحرر، ولا ينطلقون هذا الانطلاق إلى هذه الآفاق. . إنما هو اختيار الله وتكريمه لفئة كريمة من عباده لتشارك الناس في الموت، وتنفرد دون الناس في المجد، المجد في الملأ الأعلى، وفي دنيا الناس أيضاً، إذا نحن وضعنا في الحساب نظرة الأجيال بعد الأجيال ! لقد كان في استطاعة المؤمنين أن ينجوا بحياتهم في مقابل الهزيمة لإيمانهم، ولكن كم كانوا يخسرون هم أنفسهم؟ وكم كانت البشرية كلها تخسر؟ كم كانوا يخسرون وهم يقتلون هذا المعنى الكبير، معنى زهادة الحياة بلا عقيدة، وبشاعتها بلا حرية، وانحطاطها حين يسيطر الطغاة على الأرواح بعد سيطرتهم على الأجساد ؟ إنه معنى كريم جداً، ومعنى كبير جداً، هذا الذي ربحوه وهم بعد في الأرض، ربحوه وهم يجدون مس النار، فتحرق أجسادهم الفانية، وينتصر هذا المعنى الكريم الذي تزكيه النار ! . ثم إن مجال المعركة ليس هو الأرض وحدها، وليس الحياة الدنيا وحدها، وشهود المعركة ليسوا هم الناس في جيل من الأجيال . إن الملأ الأعلى يشارك في أحداث الأرض ويشهدها ويشهد عليها، ويزنها بميزان غير ميزان الأرض في جيل من أجيالها، وغير ميزان الأرض في أجيالها جميعاً . والملأ الأعلى يضم من الأرواح الكريمة أضعاف أضعاف ما تضم الأرض من الناس. وما من شك أن ثناء الملأ الأعلى وتكريمه أكبر وأرجح في أي ميزان من رأي أهل الأرض وتقديرهم على الإطلاق ! وبعد ذلك كله هناك الآخرة، وهي المجال الأصيل الذي يلحق به مجال الأرض، ولا ينفصل عنه، لا في الحقيقة الواقعة، ولا في حس المؤمن بهذه الحقيقة، فالمعركة إذن لم تنته، وخاتمتها الحقيقية لم تجيء بعد، والحكم عليها بالجزء الذي عرض منها على الأرض حكم غير صحيح؛ لأنه حكم على الشطر الصغير منها والشطر الزهيد .. . النظرة الأولى: هي النظرة القصيرة الضيقة المجال التي تعنّ للإنسان العجول . والنظرة الثانية: الشاملة، البعيدة المدى هي التي يروض القرآن المؤمنين عليها؛ لأنها تمثل الحقيقة التي يقوم عليها التصور الإيماني الصحيح . * وعد الله للمؤمنين جزاء على الإيمان والطاعة، والصبر على الابتلاء، والانتصار على فتن الحياة .. هو: 1- طمأنينة القلب: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ(28){[سورة الرعد] . 2- وهو الرضوان والود من الرحمن : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا(96){ [سورة مريم]. 3- وهو الذكر في الملأ الأعلى : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:[ إِذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ قَالَ اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي فَيَقُولُونَ نَعَمْ فَيَقُولُ قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ فَيَقُولُونَ نَعَمْ فَيَقُولُ مَاذَا قَالَ عَبْدِي فَيَقُولُونَ حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ فَيَقُولُ اللَّهُ ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ] رواه الترمذي وأحمد. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً] رواه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه وأحمد. 4- وهو اشتغال الملأ الأعلى بأمر المؤمنين في الأرض: (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ(7){ [سورة غافر] . 5- وهو الحياة عند الله للشهداء : (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ(169)فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(170){. * وعيد الله للمكذبين والطغاة والمجرمين: كما كان وعده المتكرر بأخذ المكذبين والطغاة والمجرمين في الآخرة والإملاء لهم في الأرض والإمهال إلى حين، وإن كان أحياناً قد أخذ بعضهم في الدنيا، ولكن التركيز كله على الآخرة في الجزء الأخير: ( لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ(196)مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ(197){[سورة آل عمران]. ( وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ(42)مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ(43){ [سورة إبراهيم]. ( فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ(42)يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ(43)خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ(44){ [سورة المعارج]. . وهكذا اتصلت حياة الناس بحياة الملأ الأعلى، واتصلت الدنيا بالآخرة، ولم تعد الأرض وحدها هي مجال المعركة بين الخير والشر، والحق والباطل، والإيمان والطغيان . ولم تعد الحياة الدنيا هي خاتمة المطاف، ولا موعد الفصل في هذا الصراع، كما أن الحياة الدنيا وكل ما يتعلق بها من لذائد وآلام ومتاع وحرمان، لم تعد هي القيمة العليا في الميزان . انفسح المجال في المكان، وانفسح المجال في الزمان،وانفسح المجال في القيم والموازين ، واتسعت آفاق النفس المؤمنة، وكبرت اهتماماتها؛ فصغرت الأرض وما عليها، والحياة الدنيا وما يتعلق بها، وكانت قصة أصحاب الأخدود في القمة في إنشاء هذا التصور الإيماني الواسع الشامل الكبير الكريم . . |
|
طبيعة الدعوة إلى الله :
هناك إشعاع آخر تطلقه قصة أصحاب الأخدود وسورة البروج حول طبيعة الدعوة إلى الله، وموقف الداعية أمام كل احتمال . لقد شهد تاريخ الدعوة إلى الله نماذج منوعة من نهايات في الأرض مختلفة للدعوات: شهد مصارع قوم نوح، وقوم هود، وقوم شعيب، وقوم لوط، ونجاة الفئة القلية العدد، مجرد النجاة . ولم يذكر القرآن للناجين دوراً بعد ذلك في الأرض والحياة . وهذه النماذج تقرر أن الله سبحانه وتعالى يريد أحياناً أن يعجَّل للمكذبين الطغاة بقسط من العذاب في الدنيا، أما الجزاء الأوفى فهو مرصود لهم هناك . وشهد تاريخ الدعوة مصرع فرعون وجنوده، ونجاة موسى وقومه، مع التمكين للقوم في الأرض فترة كانوا فيها أصلح ما كانوا في تاريخهم.. وهذا نموذج غير النماذج الأولى. . وشهد تاريخ الدعوة كذلك مصرع المشركين الذين استعصوا على الهدى والإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، وانتصار المؤمنين انتصاراً كاملاً . مع انتصار العقيدة في نفوسهم انتصاراً عجيباً . وتم للمرة الوحيدة في تاريخ البشرية أن أقيم منهج الله مهيمناً على الحياة في صورة لم تعرفها البشرية قط، من قبل ولا من بعد . وشهد - كما رأينا - نموذج أصحاب الأخدود . وشهد نماذج أخرى أقل ظهوراً في سجل التاريخ الإيماني في القديم والحديث . وما يزال يشهد نماذج تتراوح بين هذه النهايات التي حفظها على مدار القرون . ولم يكن بدّ من النموذج الذي يمثله حادث الأخدود، إلى جانب النماذج الأخرى، القريب منها والبعيد . لم يكن بد من هذا النموذج الذي لا ينجو فيه المؤمنون، ولا يؤخذ الكافرون ! ذلك ليستقر في حس المؤمنين - أصحاب دعوة الله - أنهم قد يدعون إلى النهاية كهذه النهاية في طريقهم إلى الله، وأن ليس لهم من الأمر شيء، إنما أمرهم وأمر العقيدة إلى الله وحده ! إن عليهم أن يؤدوا واجبهم ثم يذهبوا، وواجبهم أن يختاروا الله، وأن يؤثروا العقيدة على الحياة، وأن يستعلوا بالإيمان على الفتنة وأن يصدقوا الله في العمل والنية . ثم يفعل الله بهم وبأعدائهم، كما يفعل بدعوته ودينه ما يشاء . وينتهي بهم إلى نهاية من تلك النهايات التي عرفها تاريخ الإيمان، أو إلى غيرها مما يعلمه هو ويراه . . إنهم عبيد لله، أينما وحيثما وكيفما أرادهم أن يعملوا عملوا وينالون الأجر بإذن الله ، إن هم أخلصوا لله وصدقوا مع الله ! وليس لهم ولا عليهم أن تتجه الدعوة إلى أي مصير، فذلك شأن من بيده الأمر سبحانه وتعالى لا شأن العباد . وهم يحصلون على الثمرات الأولى التي يهبها الله لهم جزاء بذلهم لهذا الدين : طمأنينة في القلب، ورفعة في الشعور، وجمالاً في التصور، وانطلاقاً من الأوهاق والجواذب، وتحرراً من الخوف والقلق، في كل حال من الأحوال . وهم ينالون الثمرات الثانية في الملأ الأعلى وذكراً وكرامة، وهم بعد في هذه الأرض الصغيرة . ثم هم يظفرون بالثمرة الكبرى في الآخرة حساباً يسيراً ونعيماً كبيراً .. ومع كل دفعة ما هو أكبر منها جميعاً: رضوان الله . . وهكذا انتهت التربية القرآنية بالفئة المختارة من المسلمين في الصدر الأول إلى هذا التطور، الذي أطلقهم من أمر ذواتهم وشخوصهم . فاخرجوا أنفسهم من الأمر البتة، وعملوا لهذا الدين طول حياتهم ورضوا خيرة الله على أي وضع وعلى أي حال . التربيـة النبـوية : وكانت التربية النبوية تتمشى مع التوجيهات القرآنية، وتوجه القلوب والأنظار إلى الجنة، وإلى الصبر على الدور المختار حتى يأذن الله بما يشاء في الدنيا والآخرة سواء : كان صلى الله عليه وسلم يرى عماراً وأمه وأباه رضي الله عنهم يعذبون العذاب الشديد في مكة، فما يزيد على أن يقول:[ صَبْرَاً آَلَ يَاسِرٍ، مَوْعِدكُمْ الجَنَّة ] رواه الحاكم وأبونعيم في حلية الأولياء. وَعَنْ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ قُلْنَا لَهُ أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلَا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا قَالَ:[ كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهِ فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ أَوْ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ] رواه البخاري وأبوداود وأحمد. إن لله حكمة وراء كل وضع ووراء كل حال. ومدبر هذا الكون كله، المطلع على أوله وآخره، المنسق لأحداثه وروابطه، هو الذي يعرف الحكمة المكونة في غيبه المستور، الحكمة التي تتفق مع مشيئته في خط السير الطويل . وفي بعض الأحيان يكشف لنا - بعد أجيال وقرون- عن حكمة حادث لم يكن معاصروه يدركون حكمته، ولعلهم كانوا يسألون لماذا ؟ لماذا يا رب يقع هذا ؟ وهذا السؤال نفسه هو الجهل الذي يتوقاه المؤمن؛ لأنه يعرف ابتداء أن هناك حكمة وراء كل قدر، ولأن سعة المجال في تصوره، وبعد المدى في الزمان والمكان والقيم والموازين تغنيه عن التفكير ابتداء في مثل هذا السؤال، فيسير مع دورة القدر في استسلام واطمئنان . . قلوب متجردة: لقد كان القرآن ينشئ قلوباً يعدها لحمل الأمانة، وهذه القلوب كان يجب أن تكون من الصلابة والقوة والتجرد بحيث لا تتطلع - وهي تبذل كل شيء، وتحتمل كل شيء - إلى شيء في هذه الأرض، ولا تنظر إلا إلى الآخرة، ولا ترجو إلا رضوان الله، قلوباً مستعدة لقطع رحلة الأرض كلها نصب وشقاء وحرمان وعذاب وتضحية حتى الموت، بلا جزاء في هذه الأرض قريب. حتى إذا وجدت هذه القلوب، التي تعلم أن ليس أمامها في رحلة الأرض إلا أن تعطى بلا مقابل - أي مقابل - وأن تنتظر الآخرة وحدها موعداً للفصل بين الحق والباطل . حتى إذا وجدت هذه القلوب، وعلم الله منها صدق نيّتها على ما بايعت وعاهدت، آتاها النصر في الأرض، وائتمنها عليه، لا لنفسها، ولكن لتقوم بأمانة المنهج الإلهي، وهي أهل لأداء الأمانة منذ كانت لم توعد بشيء من المغنم في الدنيا تتقاضاه، ولم تتطلع إلى شئ من الغنم في الأرض تعطاه، وقد تجردت لله حقاً يوم كانت لا تعلم لها جزاء إلا رضاه . . وكل الآيات التي ذكر فيها النصر، وذكر فيها المغانم، وذكر فيها أخذ المشركين في الأرض بأيدي المؤمنين نزلت في المدينة بعد ذلك . . وبعد أن أصبحت هذه الأمور خارج برنامج المؤمن وانتظاره وتطلعه . وجاء النصر ذاته لأن مشيئة الله اقتضت أن تكون لهذا المنهج واقعية في الحياة الإنسانية ، تقرره في صورة عملية محددة تراها الأجيال، فلم يكن جزاء التعب والنصب والتضحية والآلام، إنما كان قدراً من قدر الله تكمن وراءه حكمة نحاول رؤيتها الآن ! . وهذه اللفتة جديرة بأن يتدبرها الدعاة إلى الله، في كل أرض وفي كل جيل، فهي كفيلة بأن تريهم معالم الطريق واضحة بلا غبش، وأن تثبت خطى الذين يريدون أن يقطعوا الطريق إلى نهايته، كيفما كانت هذه النهاية . ثم يكون قدر الله بدعوته وبهم ما يكون، فلا يلتفتون في أثناء الطريق الدامي المفروش بالجماجم والأشلاء، وبالعرق والدماء، إلى نصر أو غلبة، أو فصل بين الحق والباطل في هذه الأرض .. ولكن إذا كان الله يريد أن يصنع بهم شيئاً من هذا لدعوته ولدينه فسيتم ما يريده الله . لا جزاءً على الآلام والتضحيات .. لا، فالأرض ليست دار جزاء، وإنما تحقيقاً لقدر الله في أمر دعوته ومنهجه على أيدي ناس من عباده يختارهم ليمضي بهم من الأمر ما يشاء، وحسبهم هذا الاختيار الكريم، الذي تهون إلى جانبه وتصغر هذه الحياة، وكل ما يقع في رحلة الأرض من سراء أو ضراء . . حـقيقـة أخــرى: هنالك حقيقة أخرى يشير إليها أحد التعقيبات القرآنية على قصة الأخدود في قوله تعالى: ( وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ(8){ [سورة البروج] . حقيقة ينبغي أن يتأملها المؤمنون الداعون إلى الله في كل أرض وفي كل جيل: * إن المعركة بين المؤمنين وخصومهم هي في صميمها معركة عقيدة ، وليست شيئاً آخر على الإطلاق . * وإن خصومهم لا ينقمون منهم إلا الإيمان، ولا يسخطون منهم إلا العقيدة . * إنها ليست معركة سياسية ولا معركة اقتصادية، ولا معركة عنصرية .. ولو كانت شيئاً من هذا لسهل وقفها، وسهل حل إشكالها، ولكنها في صميمها معركة عقيدة: إما كفر وإما إيمان .. إما جاهلية وإما إسلام ! ولقد كان كبار المشركين يعرضون على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المال والحكم والمتاع في مقابل شيء واحد؛ أن يدع معركة العقيدة وأن يدهن في هذا الأمر ! ولو أجابهم - حاشاه - إلى شيء مما أراده ما بقيت بينهم وبينه معركة على الإطلاق ! * إنها قضية عقيدة ومعركة عقيدة .. وهذا ما يجب أن يستيقنه المؤمنون حيثما واجهوا عدواً لهم، فإنه لا يعاديهم لشيء إلا لهذه العقيدة: ( إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ(8){ . ويخلصوا له وحده الطاعة والخضوع ! معركـة عقـدية: وقد يحاول أعداء المؤمنين أن يرفعوا للمعركة راية غير راية العقيدة، راية اقتصادية أو سياسية أو عنصرية، كي يموَّهوا على المؤمنين حقيقة المعركة، ويطفئوا في أرواحهم شعلة العقيدة . فمن واجب المؤمنين ألا يُخدعوا، ومن واجبهم أن يدركوا أن هذا تمويه لغرض مبيت، وأن الذي يغير راية المعركة إنما يريد أن يخدعهم عن سلاح النصر الحقيقي فيها، النصر في أية صورة من الصور، سواء جاء في صورة الانطلاق الروحي كما وقع للمؤمنين في حادث الأخدود، أو في صورة الهيمنة - الناشئة من الانطلاق الروحي - كما حدث للجيل الأول من المسلمين . خـداع الصليبية: ونحن نشهد نموذجاً من تمويه الراية في محاولة الصليبية العالمية اليوم ، أن تخدعنا عن حقيقة المعركة، وأن تزور التاريخ، فتزعم لنا أن الحروب الصليبية كانت ستاراً للاستعمار..كلا ، كلا.. إنما كان الاستعمار الذي جاء متأخراً هو الستار للروح الصليبية التي لم تعد قادرة على السفور كما كانت في القرون الوسطى ! والتي تحطمت على صخرة العقيدة بقيادة مسلمين من شتى العناصر، وفيهم صلاح الدين الكردي، وتوران شاه المملوكي، العناصر التي نسيت قوميتها وذكرت عقيدتها فانتصرت تحت راية العقيدة ! ( وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ(8){ . وصدق الله العظيم وكذب المموهون الخادعون ! ابو عبد الرحمن |
|
جزيت خيرا
وسلمت يمناك
|
|
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
هــذا بلا ابــوك يــا عقـاب | وفااا | منتدى الشعر والنثر | 11 | 2012-08-11 11:33 AM |
لـمـاذا هــذا؟ | يمامة الوادي | المنتدى العام | 7 | 2008-10-25 9:13 AM |
هــذا البَــحَــر .. فـأيـن الغـــوّاص .... ؟؟ !! | صاحب السمو الفكري | المنتدى العام | 4 | 2008-10-09 10:31 PM |
مــن هـــو الصـــديــق وما معنى الصديق ....؟؟! | مها | المنتدى العام | 37 | 2008-02-25 1:40 PM |