[يمامة الوادي]

أشياء صغيرة كثيرة في دنيا الناس ، حين تقع عليها عين قلب حي ، ترى فيها ما لا يُرى للناظرين ! وقد تشقق منها دروسا وعبرا ومواعظ.! سبحان الله !

ما الأثر الذي تتركه وراءك في المكان الذي يجمعك بآخرين ؟ على قدر قوة هذا الأثر وإشراقه ، تكون قيمتك الحقيقية ، وما عدا ذلك فلغو .!

لرب كلمة قصيرة وحوار عابر ، يصنع الله به في قلب إنسان ، ما لا تفعله الخطب الطنانة ، ولا المحاضرات الرنانة ، ولا حتى الطائرات الزنانة ..!

قد يعودُ العودُ أخضر بعد أن جفّ وذبل ! كذلك علاقات الناس ، فلا معنى لليأس ، المهم أن نمد العود اليابس يما يلزمه لينتفض بالحياة من جديد !

أنتِ أيتها الساعة التي أنا فيها ،لست كبقية الساعات مادمتِ ملأى بالنور ورقابة الله ، واستشعار قربه، ومعك وفيك يرتعش قلبي إجلالاً لله وحبا له.

عطّر قلبكَ بذكره ،نوّر فؤادكَ بمناجاته ،زكِ نفسكَ بطاعته ،اصقلْ روحكَ بالبكاء بين يديه ،إذا دمت على ولم تياس جاءت البشائر من حيث لا تحتسب

لأنفاس وقت السحر وقع خاص على القلب ، ولذا يجد المستغفرون بالأسحار ، نفحات سماوية خالصة ، قد لا يجدها غيرهم في أي شيء من الطاعات .

اجعل من وقوفك مع الطاعة :عامل يقظة وحضور مع الله ، ليتقبلها منك ، وإلا فإنك لم تكسب غير التعب..! ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر والتعب !

للكلمة الطيبة أشعة خاصة ، فإذا وجدت محطة استقبال ، وقعت عليها بقوة ، وفعلت فعلها فيها بوضوح ، فإذا هي تورق وتزهر وتثمر ..!

إذا أزهر قلبك بالنور ، نضح نوره على محياك ، وتجلى على سيماك ، وأحبك أصحاب القلوب ، حتى وإن لم يعرفوك .!

ما يجيش في القلب من أنوار الإيمان ، يجعل عين القلب ترى روعة الإبداع في كل شيء ، إلى حد اهتزاز الروح ، وفيضان دموع العين ..!

حين تستعلي على شهوة من أجل الله ، فثق أنك خرجت من ضيق الهوى وأسره وخنقه ، إلى فضاء الحرية مع الله ، ويوشك أن تذوق بركة ذلك ..

حين تنقدح في قلب امرئ نفحة سماوية خالصة ، تجده في تلك اللحظة زاهداً في كل شيء ، إلا التطلع إلى السماء والرغبة فيما عند الله .

يقرر العارفون : أن القلب إذا امتلأ بنور الصدق والإخلاص ، نطق اللسان بالحكمة ولابد ، حيث أن كل إناء بما فيه ينضح ..

كلما ضاقت على نفسي ،وشعرت أني أختنق ، فررت إلى خلوة مع الله لأذرف دمعات بين يدي مولاي سبحانه ، وأبقى مطأطئ الرأس ، فإذا بقلبي قد أشرق !

لن تجد محباً يعرف كيف يبغض من يُحب ، حتى إذا بالغ في الإساءة إليه ، ذلك لأن لغة الحب لا تعرف غير الجمال ، حتى في المشاعر ..!

تصغي في لحظة صفاء إلى آيات من كتاب الله ، فتحس أنها نفذت إلى أعماق الأعماق في كيانك ، وسرت كهرباؤها في شرايينك ، فارتجف لها قلبك

وما امتلأت نفسي بمعاني السماء في لحظة صدق ، إلا وتكشف لها قبح المعصية وسماجتها وقذارتها ، إلى حد الشعور بالرغبة في الغثيان لمجرد ذكرها !

وما امتلأ قلبي بمعاني السماء في لحظة صفاء ، إلا وشعرت أني منسجم تمام الانسجام مع الكون في صلاته وتسبيحه .. وهي لحظة تساوي كنوز الدنيا كلها !

ما امتلأت روحي بمعاني السماء في لحظة طاعة ، إلا وتجلت لعين قلبي شواهد التوحيد تنطق بجلاء في كل شيء أراه

حين يستيقظ القلب يقظة حقيقية ، يرى هذا الوجود أشبه بحديقة غناء مغمورة بالجمال ، كل موضع فيها يكاد يقول للناظرين إليه : هيت لك ..!

إن أسرار الكون لا تتكشف للكسالى ، لكنها تسفر عن جمالها لأصحاب الهمم ، الذين شغفوا بالبحث عن هذه الأسرار ، وأتعبوا أنفسهم من أجلها .

كل ما فيه جمال وروعة وإبداع، وبلاغة وبيان، وإعجاز ومعجزات، وعلم جم ،وحكمة بليغة ،وموعظة مؤثرة ، وقواعد تبني الحياة ، الخ ، ذلك هو القرآن .

كان غاية في الرقة ، غير أنك تشعر أن ثمة قوة خفية تكمن في رقته ، فهو محبوب مهاب ، ترغب في البقاء معه ، غير أنك لا تطيل ..!

كنت هناك في مواجهة الكعبة، لحظة متميزة لا تُحسب من ساعات الدنيا،يخيل إليك أن النور يصب على قلبك صباً أو كأنك محاط بملائكة يظلونك بأجنحتهم .

القمر زينة السماء في ليالي الصفاء ، والربانيون زينة الحياة في كل دوائرها ، بل هم ملح الدنيا ، وبدونهم تسمج، ولا يصبح لها قيمة ولا وزن .

لو تجسد الإخلاص شخصاً ، لكان من أجمل خلق الله صورة ، ولأن الجمال يحب لذاته ، فلماذا لا تعشق نفوسنا الإخلاص فتحرص عليه ؟

كان ملء سمع وبصر أهل الدنيا ، لكنه عند العارفين بالله لم يكن يسوَ شيئا ، ذلك لأن الدنيا بكل ما فيها لا تساوي عند الله شيئا أصلاً ..!

من بين نجوم السماء وكواكبها التي لا تحصى ، يتميز القمر عند الشعراء ! سر ذلك أنه يظهر في وقت أشد ما يكون الناس إليه ، كن كذلك تكن قمراً !

كنت أرى الدنيا جميلة فاتنة ، ثم اكتشفتُ أنه جمال أشبه بجمال وردة بلاستيكية ! ألوانها متناسقة بديعة ، غير أنه لا حياة فيها أصلاً ..!

قال: قبل أن تنقدح في قلبي أشعة الهداية ، كنت أرى العالم رؤية لا معنى لها،ولا فكر فيها ،أما الآن فقد تغيرت كثير من الأمور،نحو الأفضل طبعا .

الكون في عين قلبي في غاية الإبداع، وكلما هممت بالكلام مع أحد ،أحرص على أن أجمع قلبي كله، لعل كلامي يخرج شبيهاً بإبداع الكون أو قريب من قريب!


كما ابتهجت الحياة بتنفس الصباح واهتزت بالحيوية،كذا تبتهج الروح بتنفس القلب نسيم التوبة والندم، فيهتز بالبهجة والفرح لأنه وجد نفسه مع الله

بعد صلاة فجر خاشعة ، واعتكاف ساعة في ضيافة الله سبحانه ، خرجت من المسجد فشعرت كأنما اغتسلت بضوء الصبح غسلاً آخر غير الذي كنت فيه !

أيها الصباح الذي يتولد تحت عباءة غبش الفجر ، ما أروع هذه الولادة التي يعقبها النور ، كذلك شأن ولادة أنوار القلب إذا استشعر قرب الرب

صباح مشبّع برائحة الفجر الندية ، يبعث في النفس الرضا أن هذا اليوم بعون الله سيكون حافلاً بالخير ، كثير البركة ملئ بالعطر والنور، اللهم آمين

كما يخرج اللبن من بين فرث ودم خالصا سائغا، كذلك الإخلاص، لا يخرج إلا من بين فرث رؤية النفس، ودم رؤية الآخرين لك ! فيكون العمل مباركا مقبولاً

معاملة رقيقة لطيفة ، بوجه متهلل ، مع عامل نظافة وأمثاله ، قد تكون أحب إليه مما تملك من أرصدة ..!

حين ترسم الابتسامة على وجهك رسماً متقناً ، أعني بصدق وإخلاص ، فلابد أن تجد صدى بركتها في نفسك بهجة ، وفي قلبك شيئاً من فرح !

جم غفير من الناس فارقوا هذه الحياة ، ولكن الأقلون عددا هم الذين ظلت أرواحهم تعمل عملها حتى بعد رحيلهم..ذلك لأنهم تركوا ذكرى طيبة وراءهم

حين يجتمع لك قلبك في الصلاة ، تستشعر أنك قد وجدت كل شيء ، لأنك قد وجدت الله سبحانه ، أقرب إليك مما تتصور ، فذقت حلاوة هذا القرب

في لحظات الطاعة ، إذا لم يكن لك قلب ينبض بالحياة مع الله، مستشعراً قربه ورقابته ، فلن تتذوق حلاوة تلك اللحظة ، وعليك أن تستأنف العمل !

من أراد الحياة على أنها رحلة وردية ناعمة ، لا يشوبها كدر ولا هموم ، فقد أراد المحال ، وإلا فمن اسم الدنيا تعرف أنها ليست كذلك .!

هما خطوتان اثنتان لتجد نفسك في المقدمة مع السابقين، أولاهما أن تجمع همتك في الإقبال على الله مع أول الوقت والثانية أن تحجز نفسك عن معاصيه .

هل يمكنك أن تستمدَ من أحداث الحياة الصعبة ، أفراحاً قلبية تهتز لها روحك ، لأنها تعرج بسببها إلى السماء ؟ تستطيع ذلك لو أنك أحسنت طرق الباب.

إنك لتسخر من إنسان يبعثر أمواله هدرا ، وتستخف بعقله ، فإياك أن تكون أسوأ حالا منه ، حين تبعثر أوقاتك فيما لا خير فيه ، إن وقتك هو حياتك

حين تعتدل في نظر القلب مقاديرالأشياء ، تتجلى لك حقائقها ، تكاد تهتف بلسان مبين : ثق بالله ولا تبالي ، وكن مع الله ولا تحمل هماً

البغض يجعل الإنسان يخترع العيوب لمن يبغضه ، فيصفه بما ليس فيه ، على أمل أن يصدقه الآخرون ، فيبغضونه وينفرون منه ..!

أحلى ما في الدنيا ،وأروع ما فيها ، أن تجد في شعابها أخاً لا يزال يشدك إلى الله سبحانه ، بكل وسيلة متاحة ، ذلك لأنه يخاف عليك ويحب لك الخير

إن الكلمة حين تخرج من فم صاحبها ، ومعها حرارة قلبه ، فلن تضيع في زوايا النسيان .. وستعمل عملها ولو بعد حين .. إنها بذرة طيبة وستنبت يوما

اجعل من تثاقل النفس عن الطاعة ، مؤشرا قوياً لك ، على إلزامها على المزيد من الطاعات ، ولو شق ذلك عليها ، فإنه ما شق عليها إلا الحق .!

اجعل من وسوسة الشيطان ، عامل باعث لك على مزيد من الإقبال على الطاعة ! لذا قيل : إنما خلقه في طريقك ، ليحوشك به إليه ..!


بو عبد الرحمن