لطلب خدمة التعبير الهاتفي فضلا ابعث رسال لرقم الجوال:0568849911,أخي الزائر / أختي الزائرة مرحبا بكم في موقع بشارة خير ولتفسير أحلامكم نرجو اطلاعكم على المواضيع التالية:,منتدى التعبير المجاني بموقع د/ فهد بن سعود العصيمي,تفعيل خدمة الدعم الهاتفي (رسائل واتس أب) وإشتراك الدعم (الماسي), |
الدكتور فهد بن سعود العصيمي |
اللهم ارحمهما واغفر لهما واجعل مثواهما الجنة |
صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن عبدالرحمن بن عبدالعزيز حفظه الله ورعاه |
مساحة إعلانيه |
لطلب خدمة التعبير الهاتفي فضلا ابعث رسال لرقم الجوال:0568849911,أخي الزائر / أختي الزائرة مرحبا بكم في موقع بشارة خير ولتفسير أحلامكم نرجو اطلاعكم على المواضيع التالية:,منتدى التعبير المجاني بموقع د/ فهد بن سعود العصيمي,تفعيل خدمة الدعم الهاتفي (رسائل واتس أب) وإشتراك الدعم (الماسي), |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
يوم قلت لنفسي: ألف مبارك!
لا أعلم يوماً أنني كرمت نفسي أو هنأتها على إنجاز أو عمل، فالأمور عندي بالتياسير -كما يقول العامة-. لكنني مرة حضرت دورة للنجاح عند (د. إبراهيم فقي) يذكر فيها أنه عندما صار مديراً لمطعم بعد أن كان جرسوناً فيه، هنأ نفسه إذ لم يهنئه أحد، واشترى (باكيت ورد)، وكتب على كرته: إلى .. إبراهيم فقي: ألف مبروك !!! والحقيقة أنني استخدمت ضمنياً هذا المعنى لنفسي يوم تخرجت من جامعة الملك عبدالعزيز في كلية العلوم، قسم الأحياء! دخلت الجامعة وأنا مصرٌّ على الجمع بين العلم الشرعي والعلم التطبيقي، إذ كنت أتخيل المعامل والمكتشفات والوقوف لساعات للوصول لنتائج البحث، هذا كل تفكيري! تخرجت من الثانوية بنسبة جيد جداً ، وإن كان طموحي أكبر بكثير، لكن نظام الدراسة الشاملة ونفسي المؤجِّلة حالت دون ذلك ! دخلت الجامعة للتسجيل ، وكان عميد القبول آنذاك جارنا في الحي (د. مازن بليلة)، وكان مدير القبول الأستاذ: غازي مفتي. صدمت أول ما صدمت أن القبول في كلية العلوم انتهى ، فألمح إليَّ والدي (بكلية الطب) لمعرفته بعميدها، ورضاه عن مستواي، والتوسط لقبولي! لكن إصراري على كلية العلوم، وأنهماكي بالخيال في المعامل والمختبرات شغل كل كياني، فقلت لوالدي: سأواصل حتى أدخل كلية العلوم، وواصل بدوره الدعاء لي. ذهبت للدكتور مازن لقبولي في كلية العلوم فأخبرني باكتمال المقاعد، وأنه لا بد من التسجيل في الكلية البديلة (البحار أو الأرصاد)! وهذا ما رفضته. استمرت اتصالاتي بمعارف والدي في الجامعة، وتمت المخاطبات دون جدوى مع عميد القبول الحازم د. مازن! وما بقي إلا يوم على التسجيل أو ضياع مقعد كلية علوم البحار، وحينها سيكون الخيار الأخير (كلية الإدارة)!! تاهت من بين يدي الأحلام، وما عادت لي رغبة في الدراسة. فالأمر عندي لا يقبل المساومة، إما كلية العلوم أو الانتظار لعام قادم! كثَّفت الدعاء واللجوء إلى الله، واستخرته تعالى بصدق ، ثم حصلت هذه الواقعة التي برهنت لي عن عظمة قدرة الله، وقوة تيسيره للأمور رغم كل الأسباب البشرية التي تبقى في النهاية مجرد خيوط يمسكها الله بقدرته ويوظفها بقدرته! قصة من أعجب قصص الواقع لشاب في مقتبل عمره التعليمي الأكاديمي العالي! أتيت أول الصباح وكان يوم أربعاء لإكمال تسجيلي في الكلية المتاحة، فقال مدير القبول، الأستاذ غازي: ما أمامك إلا كلية علوم البحار، فأكمل البيانات ووقَّع، وهذا ما حصل ثم قال: اذهب للغرفة المجاورة، للتصوير في البطاقة، وهذا ما حصل أيضاً، وبقي الآن أن آخذ البطاقة للتوقيع عليها، لأصير طالباً في كلية علوم البحار! استلمت البطاقة وعليها الصورة وبقي التوقيع من العميد، وأنا في هذه اللحظات وبعد استلامها من الأستاذ: غازي، أيقنت أن لا يعلم بهذا الحال سوى عالم السر والخفيات الذي يقول للشيء كن فيكون! نظرت للسماء وقلت في نفسي : يارب طلبتك ورجوتك، وتعلم ما في نفسي وأنت على كل شيء قدير، وعيناي للسماء، وما إن أخفضتها، إلا وألمح في أعلى سقف الصالة ورقة مطبوعة فيها: هناك فرصة (5) مقاعد للراغبين في التسجيل بكلية العلوم هذا اليوم الأربعاء!!! يا الله.. أيعقل أن تكون هذه الورقة صحيحة، وما سرها، ولماذا تعلَّق بعيداً عن الأنظار؟!! الجواب باختصار: أن مجموعة من الطلبة الذين قبلوا في كلية العلوم وقبل أن يستلموا بطاقاتهم وجدوا فرصاً دراسية في جامعات أخرى فقدموا اعتذارهم، ولما وصل الخبر للعميد طلب فتح القبول لخمس طلبات فقط! وحتى لا تُحرج إدارة القبول والتسجيل وضعت هذا الخبر الصغير معلقاً في أعلى السقف، وبعيداً عن الأعين، ليختاروا من أحبابهم ما شاؤوا!! فلما وقعت عيني عليها سألت أحد مسؤولي القبول: هل هذا الخبر صحيح؟ فتلجلج ثم قال: نعم، قلت: إذن أريد التسجيل في العلوم. فقال: لكنك سجَّلت في علوم البحار، وبطاقتك في يدك! قلت: سأذهب الآن للعميد وأخبره بطلبي. فلما رأى حماستي وقوتي في الطلب: أخذ الأوراق وسجلني مباشرة في كلية العلوم! وانشرح صدري وحمدت ربي وأقررت له بنعيم فضله. ودخلت كلية العلوم بهذه النفسية العلمية، وبدأت الصدمة تلو الأخرى، عند رؤيتي لكتب قديمة، ومذكرات عفى عليها الزمان، ومعامل متهالكة، ومضت نصف المرحلة الجامعية، ولا أذاكر إلا فترة الاختبارات فقط، وكل وقتي في المجالس الشرعية، والدروس اليومية، لأن صدمتي بالمعامل والكتب كانت عنيفة!! لقد كان المطلوب أن نحفظ فقط، نحفظ المصطلحات العلمية، ونحاول بعض التجارب المحدودة في المعامل التي يتكدس فيها ثلاثون طالباً!! وأبدعت في المواد الاختيارية والأدبية والاجتماعية بامتياز، وضربت صفحاً عن كلية العلوم! وكنت غير ميَّال لكثرة المناهج البعيدة عن التخصص كالرياضيات والفيزياء والكيمياء والإحصاء، التي أهملتها لآخر سنة حتى تكدَّست عليَّ، وكان الفصل الدراسي الأخير فيه مادة الرياضيات 101، 102، فيزياء 101، و E2!! والحقيقة أنني أقنعت نفسي بضرورة التفاوض معها ، لإنهاء الدراسة في الجامعة، وتركيز الذهن على هذه المواد، وأنشأت علاقة تفهم وحب جزئي لهذه المواد حتى أستطيع التخرج. كنت أخاطب نفسي في الدراسة كأنني مدرس يعلِّم طلاباً، وأذاكر يومياً بعد صلاة الفجر، وتفرغت عن كثير من الهموم، وواظبت مع مدرس (كيني) كل يوم حتى الخميس والجمعة!! وتخرجت بفضل الله وأنا لا أصدق نفسي!! وأيقنت تماماً أن الشباب الذين يقولون لا نستطيع التخرج من كلية العلوم وهم في وسط الطريق أو في نهايته، أو يجدون صعوبة في بعض المواد العلمية كالفيزياء والرياضيات والكيمياء والإحصاء وما حولها واهمون!! لأنهم درسوا أصولها وقواعدها وأكثر تطبيقاتها في الثانوي العلمي! المسألة تحتاج مداراة مع النفس، وتشجيع لها، والمشاركة مع بعض الزملاء أو المعلمين. المسألة تحتاج إلى إقناع أنه ليس شيء صعب يمكن تجاوزه ولو بالنسبة الوسطى (نجاح على الحفَّة!). كما أن المسألة تحتاج إلى تفريغ وقت وأولويات، والبدء الفعلي في حل المسائل العلمية، ومع الخطأ مرة والصواب مرة، واستشعار الفرح عند الحل الصحيح بعد تطبيق القواعد الرياضية، كل ذلك يسهل تكرار التجربة لحل المسائل مرة بعد مرة. ولي الحق أن أقول لنفسي للمرة الأولى: ألف مبارك يا أبا حمزة!!!
|
|
حيٌ يُضرب به المثل وأنا في آخر الصف السادس ابتدائي، وفي بداية الصف الأول متوسط رأيت كتيباً جميلاً يعرضه عليَّ والدي -رحمه الله- في غرفته، ويقول: (هنا يا علولي غرفتك ومكتبتك، خلِّيتها على البلكونة)! الله.. الله.. ما أعظمك يا والدي وما أحنَّك وما أنبلك؟! إنها صورة لفيلا في حي الأمير فواز، التي اختارها والدي ضمن عروض كثيرة جداً بعد أن رفض البناء رغم حصوله على العديد من المنح من قبل الدولة بحكم منصبه كقنصل ونائب سفير للسعودية في سوريا آنذاك، بل إن من المنح ما هو على البحر تماماً! إنها الحكمة الإلهية وكفى. ورغم أن الحي في بداية انتقالنا إليه (1405هـ) لم تكن فيه أي منشآت كالمدارس أو حتى البقالات، فضلاً على عدم تزفيت طرقه، وهو من أهم وأغنى الأحياء، إلا أن والدي أصرَّ عليه! اجتمعنا في هذا المنزل المبارك (الوالد والوالدة، وأخي صالح وكنا في غرفة واحدة، وأخي أسامة وعبداللطيف في غرفة، ثم أختي أم عبدالهادي التي لم تكن متزوجة آنذاك في غرفة). بينما أخي الأكبر محمد فقد كان مستقلاً في منزله المبارك العامر في الحي المجاور لنا منذ زواجه من ابنة الشيخ الفاضل سعيد الدعجاني. وقد جمعنا الله سبحانه وتعالى كأسرة مع بعضنا، حتى بعد زواج الجميع سكنوا في الأحياء المجاورة تماماً لحينا، فلم نمر -بفضل الله- بمرارة الفرقة، وأعتقد أن هذا ببركة الوالدين، ودعائهما، وحسن توجيههما وتربيتهما. وكان حي الأمير فواز رغم وجوده في منطقة واد إلا أن اتحاد الناس وعظيم خلقهم، كان مؤشر البقاء الأكبر. نعم تعرَّض الحي لهزَّات عنيفة نتيجة السيول التي دخلت البيوت أكثر من مرة، ورغم هذه الحوادث لم يختر أحد الخروج من الحي، والصبر والمصابرة فيه رغم قدرتهم المادية على اختيار أحياء أكثر أماناً، لكن من عرف الحي وأهله لن يعجب من ذلك! وكان الحي مليئاً بالرموز العلمية والفكرية، فنسبة كثيرة من أطباء الجامعات وعمداء الكليات فيه، وفيه قامات علمية مرموقة كمدير جامعة الملك عبدالعزيز الأستاذ الدكتور:محمد عمر الزبير، عمدة المشروع الدعوي، وكذا سماحة العلامة عبدالله بن بيّه عمدته العلمية. وعشرات المتخصصين في المجالات المختلفة، مما جعل للحي نكهة خاصة. وفوق ذلك كان فيه مربع تربوي، مكون من أربعة أساتذة فضلاً، مختلفي الطباع، متحدي الحب والإنسانية! أما الأول: فهو الأستاذ: حسن شاهين، وهو اليوم عَلَم في الإعلام، ومربي في التعليم، موهوب ومحبوب، ومنذ معرفتنا به لم يتغير في مذهبه في الرحمة والخلق الرفيع، وكان يدرسنا في المسجد (زاد المعاد) للإمام ابن القيم، إضافة إلى خطبه المرتجلة المميَّزة التي كان يُرحل إليها، وكان في مصاف الخطباء المبرزين، ومن بركاته دعوة الشيخ: عائض القرني لأول مرة في جدة في محاضرة (أصحاب القلوب الحية) وتعريف الناس به! وكان من يومها متفتحا في التفكير، مستقلاً في القراءة، لا يحب العصبيات لا الدينية ولا القبلية، وكان محط إجماع الحي. والثاني: هو الأستاذ: ياسر موريا، ونلقبه (خالو) لأنه خال للكثير -ما شاء الله-، وصار لنا بمنزلة الخال، وفي الحديث (الخال والد)! وهو أعجوبة في العمل الاجتماعي، عاشق له، كان يعلمنا كيف نجمع المال، وكيف نشتري من السوق، وكيف نتعامل مع الناس، وكيف نراجع الدروس، وكيف نهتم بأوقاتنا، وكان يخاف علينا كخوف الأب والأم على أولادهم، ويقف معنا في الصباح قبل الطابور المدرسي، وكان قمة في التواضع والأدب والمناصحة الهادئة، ولم يكن يسمح لأحد أن يؤذي أحداً، وكان داعية بطريقة عصرية عبر المسابقات الرياضية، والثقافية، كان درع الخير والفضيلة، عفيف اللسان واليد. وأذكر أن أحد الشيوخ من خارج الحي طلب من والدي أن أشاركهم في دروس علمية عند بعض المشايخ، بحجة أن الأستاذ ياسر فترة الصيف يربينا أكثر مما يعلمنا! فنادى والدي الأستاذ ياسر، وقصَّ له القصة، فحدثه الأستاذ ياسر، عن وجود درس في التفسير وصحيح البخاري وذكر له من يقدمه من الشيوخ فترة الصيف. فقال له والدي العاقل البصيرة، السلفي المدرسة، المنفتح العقلية، الذاتي الإيمان: يا أستاذ ياسر، أتيت لأخبرك بما يُقال عنكم، لتحتاطوا، لا لتثبتوا لي عكس ما قيل، فأنا أرى سلوك ولدي، وهذا هو العلم!!! وأما الثالث: فهو الأستاذ: شاكر باشعب، نعم لم يكن يزورنا كثيراً لوجوده في حي الأمير فواز الشمالي، لكنه كان يشارك في الرحلات وأغلب الأنشطة، وأشهد الله أنه رغم بعض ما يظهر من قوته وشدته أحياناً، إلا أنه كان حكيماً، وصادقاً مع نفسه، ومستمعاً منصتاً لغيره، رجَّاعاً للحق، مربياً بالصدق، وقَّافاً عند حدود الله، ولا نزكيه على الله. ثم الرابع: وهو الأستاذ: عدنان فقيه، الذي صار دكتوراً في قسم الإحصاء بعدئذ، وقد جمَّله الله بفضائل نادرة، أهمها إنصاته للآخر، وهدوؤه ورفقه، ورقته وشاعريته، وعبادته وتخصصه في القرآن وتدبره، وكان داعية حكمة ووسطية ورحمة. يزن الأمور بميزان دقيق، ويراعي المشاعر، إضافة إلى احترامه للوقت، وتنظيمه للعمل، وتقديره للآخرين. وأذكر هنا قصة طريفة بالغة التأثير عن تفكير أساتذة الحي الأربعة ومنهجيتهم: حصل أن مجموعة من الشباب أنشأوا ملعباً رياضياً بجوار المسجد، وكان الأستاذ حسن شاهين، معروفاً عندهم، محبوباً لديهم، بل يدعوهم لرحلات عامة اجتماعية لطيفة، لا تتعلق بنشاط تحفيظ أو شيء من ذلك، بل لجلب قلوبهم للخير! لكن بعضهم تمرَّد، وأصرَّ على اللعب فترة الصلاة بجوار المسجد، فنصحهم الشيخ حسن إمام المسجد مراراً وبكل أسلوب، إلى أن بلغ به الضيق أن يأتي متأخراً في وسط الصلاة لنهرهم بعد كثرة موعظتهم، فهم بجوار المسجد تماماً، بأصواتهم العالية، وتشجيعهم المستمر! فجمعنا بعد الصلاة أنا وزملائي، واستشارنا، أن هذا السلوك خطأ، ويجب إزالة هذا الملعب الذي آذى الناس، والحل هو كسر (أبواب المرمى)، ووضعه في البلدية! وكان هذا الأمر بعد صلاة الفجر، وممن عُرض عليهم الأمرالأستاذ: عدنان فقيه، الذي رفض الفكرة، وقال: المسألة وقت، والعناد مع الشباب لا ينفع، ونحاول أكثر من محاولاتنا السابقة، في حين تحفَّظ كل من الأساتذة شاكر وياسر على الأمر! أما أنا فلم أشارك في الأمر، ولكني حضرت فعالياته! فقد قلَّبت الأمر سريعاً، ورأيت أن لكل وجهته، ولكن لن أحسب في هذا الموقف إلا على نفسي!! إن هذه الخلطة المربية الرباعية ساهمت بكل أمانة في تكوين شخصيتنا نحن التلاميذ، وأنا منهم. واستحضر في هذا المقام ما نقلة الإمام ابن كثير في البداية والنهاية عن الإمام مجاهد، في قوله: أفضل العبادة الرأي الحسن. وما نقله الزبيدي في حكمة الإشراف عن بعض الأخيار، قولهم: لولا المربي ما عرفت ربي. ورغم ما كان يحدث في عصر الصحوة من تخبطات ومشكلات وتوترات وصراعات هنا وهناك، نأت هذه المجموعة بنفسها عن ذلك، ولم أسمع يعلم الله عشرون سنة كلمة انتقاص لشيخ أو جماعة أو طائفة، بل كان التعامل باللين، وبالتي هي أحسن، وعدم الدخول في أي عمل ينقص الأجر. وعلى هذا العهد مضينا، وعليه نلقى الله بإذن الله. ويجمل بي هنا أن أنتقي اختيارات لأبيات شعرية احتفظت بها في قصاصات لا أظنها عند أحد، كتبها أستاذنا: عندنا فقيه، أفتخر بعرضها هنا حصرياً وتشريفاً!
|
|
التصنيف الدعوي في بداية المرحلة الجامعية كانت التصنيفات في الساحة الدعوية على أشدِّها،كان هذا عام (1409هـ). فكل ما يتعلق بالإنشاد والمسرح والرحلات (إخوان)، والذين يحضرون دروس العلماء وبعض لقاءات الشيخ بن باز والألباني والعثيمين (سلف)، والذين يدورون في البيوت ويسافرون للدعوة (تبليغ)، والذين يجمعون بين هذا وذاك مع شيء من الحزم (سرورية). ولأني شاب متدين - والحمد لله - في الجامعة، ولو ظاهرياً، فقد تم إبلاغي أن (الجوالة) فكر إخوان، والنادي الاجتماعي (سرورية)! وبدأت الجامعة وتخرجت منها وأنا عضو في الناديين، ولكني رفضت المشاركة في أي رحلة للفصيلين!! واستمرت علاقتي طول الجامعة وحتى تخرجي مع علاقة وطيدة برئيس الناديين، ممتنعاً عن قبول أي رحلة، موافقاً بلا تردد على المشاركة في أي نشاط داخل صرح الجامعة. كما شاركت الفصيل (السلفي) توزيع الكتيبات وإعداد الكلمات بعد الصلاة في الكليات! فأنا مواظب على دروس الشيخ بن باز -رحمه الله- والذي كان يبات في منزل عمي الشيخ داود العلواني، ومدرسة الشيخ بن باز أصيلة فينا، وعلاقته بعائلتنا (جدي - عمي) قوية، إذ لا يبات في جدة إلا في داره، وحضور زواج كثير من أبناء العائلة دليل ذلك، ومنهجه السلفي منهجنا. وكذا الشيخ الألباني -رحمه الله- الذي كان على كفالة عمي، ودروسه وأشرطته ترن في أذني، وتؤكد منهجيتي العلمية في التعامل مع الحديث الشريف على نهج السلف، ورسائلي في الماجستير والدكتوراه وعشرات الكتب شاهدة على ذلك، فأنا أصيل المنهج (السلفي) تربية وتعاملاً. كما أني أستقبل دعاة (التبليغ) في بيتي، وأشاركهم خواطرهم التربوية، ولكني لم أسافر معهم رغم كل دعواتهم الطيبة! وكذا فأنا محب للفن الهادف والمسرح الهادف والعمل الدعوي المرتب والاستبشار بفقه الدعوة وحيويتها (الإخوان). كما أن علاقتي ممتدة في التعامل والقراءة مع من يقال أنهم خرجوا من عباءتهم (السرورية)، أو من انفصل أو كان له تموجات خاصة. هذه قناعتي التي تشربتها، بل وتعاملت معها، وطبقتها واقعاً، لا أخفيها، ولا أدَّعي سواها، فليس في عنقي بيعة إلا لله ورسوله، وأنا مع المؤمنين في كل الديار، والإقرار بولي أمر بلادي. ولي عهد مع الله أن أدعو مع كل من يؤمن بالحكمة والموعظة الحسنة ويختارها طريقة للدعوة. ولم أمرَّ في حياتي بفضل الله بفترة تخبط وازدراء لداعية أو طائفة كائنة من كانت. وأروي لأول مرة هنا أن أول فصيل سمِّي (الجامية) تحاور معي وأنا في مرحلتي الثانوية، عن خطورة الأحزاب بمن فيهم كل من في المراكز الصيفية، وحلقات تحفيظ القرآن الكريم، إضافة إلى إهدائي كتباً عن دعوة (الإخوان) الأم! وقرأتها وتأثرت ببعض ما وصل إليه أصحابها، ولكني بفضل الله رغم كل محاولاتهم رفضت المساس بأحد، وذهبت للمكتبة واشتريت بنفسي بلا علم أحد، كتباً عن الإخوان، لأقارن ما قيل بما قالوا!! وبعد الانتهاء من القراءة الطويلة وفي مرحلة صعبة لشاب في الثانوية، حدثت بعض الأساتذة بالموقف، وكانوا من ديانتهم وصدقهم أن دلوني على كتب أخرى للقراءة، وهذا ما حصل، وأكد لدي أهمية التحري والبحث الدقيق، وأن الخطأ البشري بل وحتى الجماعي أحياناً وارد، لكن المنهج الراسخ والتأصيل المعمق هو العمدة والمعتمد. ومن تلك اللحظة وإلى يومي هذا فأنا مع الجميع، مع الاحترام للعاملين، والعهد مع الله للعمل مع كل من يخدم الدين لأخذ الأجر. وما عدت يوماً أفكِّر بالتصنيف، ولا عاد يهمني لحظة، ولا يشكل عندي انزعاجاً أو توتراً أو قلقاً من مستقبل أو يحدث عندي شبحاً وهمياً أو حاجزاً مصطنعاً أمام النجاح. فأنا على يقين كبير أن المليء هو سيد الساحات، وأن العاقل لا يستفزه الرويبضة، وأن الوفاء للدعوة شرف. وأقول لنفسي دوماً أنني مصنَّف على طريقة أبي العلاء المعري: القول سهل باللسان وإنما *** بالفعل يمتحن الفتى ويصنَّفُ ولذا أبارك عملاً وقولاً كل مشروع إصلاحي سديد رشيد، حركياً كان أو سلفياً أو لا تصنيف!! وصار مما أقوله للمحبين والراغبين في سماع الحق: علينا أن نتعاون على البر والتقوى، والسعي للإصلاح والاستخلاف في الأرض، بعقيدة السلفي، وحيوية الحركي، وعقلية الفكري، ومنهجية الخططي، وروحانية التبليغي، ليكون الجميع على نَفَس واحد، ويعملون تحت شعار واحد "هو سماكم المسلمين". ولعل هذا هو سر كتابي "جمِّع تسد"!! وإني لآمل أن يجعلنا الله دوماً خَدَماً لدينه، وأن يكرمنا بشرف الانتساب إلى الدعوة، والوفاء لأهلها ورجالها العاملين، والعهد مع الله لنصرة الشريعة الربانية، والتمسك بالروابط الأخوية، مترنمين في طريقنا الطويل كلمات الدكتور القرضاوي: تالله مـــا الدعوات تـــهزم بالأذى *** يوماً وفي التأريخ بِرُّ يمـيني دع في يديَّ القيدَ ألــهب ضلعـي *** بالسوط ضع عنقي على السكين لن تستطيع حصار فكري ساعة *** أو نزع إيماني ونور يقيني فــقــلـــبي في يَـــــديْ ربــــي *** وربي ناصري ومـــعــيـنــي
|
|
علماء ومفكرون عاصرتهم (1)
فليعذرني المئات من العلماء والدعاة والمربين ممن عرفتهم، وأدين لهم بالفضل في جوانب استفدتها منهم، والتمستها من شخصيتهم، لأني لم أذكرهم لا لكثرتهم، ولكني هنا أذكر من عاصرتهم، أي من جالستهم كثيراً، وسافرت معهم، وعرفت كثيراً من أمور حياتهم، وحصلت لي مواقف خاصة معهم تستحق الإشادة، والتحليل السليم! وأول هؤلاء وفي صدارتهم سماحة العلامة المحدث الشيخ: عبدالقادر الأرناؤوط -رحمه الله-. فهو صديق والدي الوفي، ورفيقه في دربه، وشيخي الأول. حضرت خطبه قرابة خمس سنوات، وقرأت كل تحقيقاته المباركة، ودرست على يديه في المصطلح أول الأمر، ثم قراءة عامة في أحاديث مختصر شعب الإيمان، وفصولاً كثيرة من جامع الأصول. وهو عالم متمكن في علمه، زاهد في معيشته، ورع في تصرفاته، مؤثِّر في إلقائه، عفٌّ في كلماته، وسطيٌ في أحكامه. فهو أول من علمني مصطلح الحديث، وقرَّبني من كتب الحديث، وهو أول من لفت انتباهي وشدني لأسلوبه الخطابي العجيب، ما بين رفع صوت وخفض، وما بين استرسال وصمت. وكانت لقاءاته الدورية في بيتنا مشهودة، وإهداءاته المستمرة لتحقيقاته موضع اعتزاز وفخر لي أولاً ولكل عائلتي. وبموته -رحمه الله- خسر العالم الإسلامي قامة نادرة لها الفضل في إخراج كثرة كاثرة من الكتب العلمية المهمة المحققة التي شهدته يحققها -رحمه الله- ليلاً ونهاراً، وسمعت منه مراراً أنه كان يكتفي بكوب الحليب والخبز صباحاً لئلا يشغله شيء عن التحقيق لآخر النهار!! وكان من توفيق الله العظيم له، أن وفقه لاختيار أهم الكتب المفيدة والعظيمة، وهذا عندي سر رباني! وله قصة طريفة مع سماحة العلامة عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- عندما كان نائباً لرئاسة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، حيث كان إلقاء المواعظ في الحرم النبوي بعد صلاة الظهر لا يتطلب كبير عناء! فقام الشيخ الأرناؤوط بعد صلاة الظهر، وذكر حديثاً شريفاً مع شرحه مختصراً كعادته في المواعظ العامة. وبعد فراغه طلبه الشيخ عبدالعزيز بن باز وأبلغه أن الحديث الذي ذكره ضعيف، وكان لا يعرفه آنذاك، فأخبره الشيخ الأرناؤوط: أن الحديث حسن، وله شواهد وطرق كثيرة، فطلبها منه الشيخ بن باز ، وهذا ما حصل، وصار بينهما مودة وثقة كبيرة، وكان يعود إليه الشيخ بن باز في التخريج والتوثيق. كان شيخنا الأرناؤوط يحضر خطب الجمعة مبكراً ويكثر من الأذكار، ثم يصعد المنبر فيروي حديثاً بسند مختصر مع إثبات رواته ومن صححه، وبعد ذلك يرويه من حفظه ويشرحه شرحاً مفصلاً محرراً، يجمع بين أسلوب الوعظ والإقناع. وكثيراً ما كان يُطفئ الكهرباء في النهار، فكان صوته وطريقة أدائه هو التيار الحيوي الحقيقي الذي يشدُّ الناس، وهو والله من أميز الخطباء الذين عرفتهم وسمعت لهم. وهو من أجلِّ علماء هذا العصر، ممن جمع بين العلم والمعاصرة، فهو لم يخض ما خاضه بعض المنتسبين في السعودية من النقائص أو الازدراء لأصحاب المذاهب الأخرى، كما لم ينح ما نحى إليه بعض تلاميذ العلامة الألباني من الوقيعة بينه وبين بعض العلماء. لقد كان حكيماً رزيناً وسطياً مفتخراً بمنهج أهل السنة، وطريقة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، ولكن دون ضجيج أو تسبب فتنة! وهو أول من وضعني على خط الوعي العلمي الصحيح. وقد أكرمني المولى جل جلاله باستخراج الفوائد التربوية من (جامع الأصول) الذي حققه شيخنا الأرناؤوط، بعد قراءتي المتأنية والطويلة له، وأسميته (بدائع الفصول من جامع الأصول)، وأجره بإذن الله لسماحة شيخنا العلامة المحدث: عبدالقادر الأرناؤوط، والذي أهديته كتابي (أمير الأنام)، ومما قلته في الإهداء: إلى شيخنا الجليل وأستاذنا القدوة الصالح المحدث الكبير .. عبدالقادر الأرناؤوط "رحمه الله" الذي تخلَّق بأخلاق العلماء، وكان معلماً في توحيد الكلمة. رفع الله قدره في عليين، وجمعنا به مع النبيين والصديقين، والشهداء والصالحين،،، تلميذكم علي
|
|
الله يعافيك
|
|
علماء ومفكرون عاصرتهم (2)
لو قيل إن هناك خمسة يعدون على أصابع اليد الواحدة عندهم كل مؤلفات الشيخ بن باز ، وكل ما قيل عنه في كتاب لكنت واحداً منهم! فلدي بفضل الله كل ما كَتب وكُتب عنه. هذا الرجل أعجوبة زمانه، وهو نسيج وحده ! لا أعلم رجلاً في العقود الماضية أطبقت الدنيا على إمامته في كثير من الأمور العلمية والربانية والخيرية والحياتية مثل سماحته. إنه مدرسة متكاملة، وجامعة متنقلة، وجمعيات عاملة في آن واحد. إنه سماحة العلامة عبدالعزيز بن باز -رحمه الله-. بدأت اهتماماتي بفتاواه وأنا طالب في الابتدائي أسمع لفتاواه (نور على الدرب) كل إثنين وجمعة. وسُرَّ والدي بذلك كثيراً ، كلما أخبرته عما سمعت. وفي المتوسطة والثانوي أدمنت فتاواه في نفس اليومين، وكنت أناقش فيها صحبي في الفسحة الدراسية. وجالسته كثيراً عند زيارته لبيت عمي شقيق والدي الشيخ داود العلواني في جدة. وكم صفا لي الوقت للجلوس بجواره متحدثاً معه، ومستمعاً إليه، ومتشرفاً بتقديمه الطعام سنوات طويلة جداً. ومن أهم جلساتي الحاسمة معه بعد العشاء في منزل عمي وكان لوحده، فذكرت له ما قيل عن الشيخ المحدث: عبدالرحيم الطحان، وما أشيع عنه من أخبار منقولة بطرق غير صحيحة، وآراء لأئمة بترت في سياق الاستشهاد، ففرح الشيخ بما أخبرته به. ثم بشرته بمشروعي الأضخم والأهم، وهو جمعي لكتاب فقهي على غرار (فقه السنة) لسماحته مجموع من كتبه ومجموع فتاواه، وما وقَّع عليه في فتاوى اللجنة الدائمة، ولكن أمر الله كان سابقاً فلم يرى جزأه الأول! أعتقد أن شهرة الرجل وقبول الناس له تغنيك عن التعريف بمزاياه، وقصصه العجيبة. لكني ألفت النظر هنا إلى جوانب ثلاثة لم يستفد منها كثير ممن أحبه والتزم طريقته، وللأسف!! أولاً: أن الرجل كان على علاقة ممتدة وقوية مع كل ساحات العمل الإسلامي، يعطيه من ثقته، ويقويهم بنفوذه وإمكاناته، ويبادلهم نصيحته، ويقبل نقدهم، وهذا وسَّع دوائر اهتمامه بهم، واهتمامهم به، ولم يسر على طريقته هذا إلا أندر النادر!! ثانياً: أن الرجل لا يقول إلا ما يقتنع به، لذا فقوله مقنع للكثير، وقد يسخط قوله البعض. فإن رأى رأي الحكومات سديداً وقف معهم وأيدهم، رضي من رضي وسخط من سخط، وإن رأى منهم خللاً كتب إليهم وناصحهم بالحق. وهذه الصفة لم يأخذها منه إلا أندر النادر!! ثالثاً: أن عطاء الرجل واضح، وصدقه الظاهر ماثل أمام كل الأعمال. فهو لا يمنع عطاء لأحد، ولا يحرم نفسه الخير لأحد، وهو واضح مع نفسه، مبرمج في مسيرته، صادق في دعوته، عابد في تبتله. وضوح سيرته وطريقته لم تدع مجالاً لأحد أن يتكلم. صلواته في الجماعة، ودروسه اليومية، وذكره الدائم، وورعه عن مناصب الدنيا، وشفاعته التي لا تهدأ، وتواصله مع الناس الذي لا يسكن، كلها براهين واضحة ماثلة للعيان. ومما وقفته مع نفسي، وتنفع الإشادة بذكره هنا، بعد معايشة حقيقية، وقراءة تامة لكل ما كتب، وتتبع دقيق لكثير من التفصيلات، أقول: هناك مشاريع مهمة تنفع الدارسين في منهج حياة الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله-: الأول: فتاواه التي اشتهر بها، وهي تشمل اعتماده على الدليل، وتحرره من أي مذهب. وسنجد أن الشيخ له أراء واجتهادات وفتاوى عجيبة، وتسامح كبير في أمور يُظن فيها التشدد من مثله، وهي كثرة كاثرة، تحتاج إلى جمع، ودارس مهتم. الثاني: قناعاته وأسلوب دعوته مع الولاة والحكام والدعاة والمتنطعين والمتطرفين والعلمانيين المعارضين، ففيها جوانب تحتاج متابعة للأسلوب والطريقة خاصة أن فيها نتائج مبهرة، وجمع للكلمة، وحل لكثير من العقبات. رحمه الله رحمة الأبرار، وجمعنا الله به مع النبيين الأخيار. على العمري
|
|
علماء ومفكرون عاصرتهم (3) من أجلِّ العلماء الربانيين الراسخين في العلم اليوم ممن عرفتهم، وأنست بهم، واستفدت منهم مبكراً، سماحة العلاّمة الفقيه الأصولي الشيخ: عبدالله شيخ المحفوظ بن بيه. وهو اليوم واحد من أشهر علماء المسلمين، ونائب الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين. كان جاراً لنا ولم يزل في حي الأمير فواز أكثر من عشرين سنة، وهو عمدة الحي الشرعي، وآراؤه وفتاواه محل قبول وثناء في كل الأوساط. بدأ أول ما بدأ بدرس اقترحته عليه، ووافق على فكرته بعد طول تأمل منه كعادته في (مسجد الفتح) قبل عشرين عاماً من الآن، أي في حوالي عام (1410هـ)، وكان في شرح سيرة ابن هشام، وتم تسجيل الكثير من الحلقات على أشرطة، وأفاض الشيخ في الشرح بشكل مفصَّل وعميق. والشيخ -متَّع الله به- في السيرة النبوية أعجوبة، ومعرفته بدقائق السيرة مما يلفت النظر، وحفظه للمنظومات المتعلقة بالأنساب وشجرة السيرة ملفتة، وهذا سرُّ تعلقنا بدرسه وبسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم مبكراً. ثم بعد ذلك دامت صلتي بالشيخ من خلال دراستي مع بعض أبنائه وتلاميذه في داره في شرح كتاب (رسالة ابن أبي زيد القيرواني) في الفقه المالكي، وكذا في عقيدته، ومن ثمَّ دروس في أصول الفقه، واللغة العربية. وكانت الدروس في غاية العمق وبعد النظر ، ومن منهجية الشيخ في الشرح إحضار أمهات الكتب للتأكد من راجح المذاهب المختلفة، وكذا صحة الأحاديث، وقد أثرى أكثر من خمس سنوات شبه متواصلة الدروس، وأشبعها بآرائه وترجيحاته ونظراته العميقة، حتى أكرمني المولى جل جلاله، فاخترت كتاب (الفتح الرباني شرح نظم رسالة ابن أبي زيد القيرواني) التي درسناها على الشيخ خمس سنوات، رسالة علميَّة (للدكتوراه)، مع الدراسة والتحقيق لهذا الشرح، والتدقيق في نص النظم وتوثيقه، وتخريج أحاديث الكتاب وبيان صحيحه من ضعيفه. وخرج الكتاب الذي أصرَّ الشيخ (بن بيه) على تقديمه بنفسه من غير طلب مني، بل وحرص -متَّع الله به- أن يكرم تلميذه بالتقديم، بل والتأكيد على تقديمه هو، حتى كان مما قال فيها: والعلامة (عبدالله بن بيه) له مميزات وخصائص، أخذت منها، كوني واحداً من أقرب تلاميذه إليه، وأخصهم عنده، ومن ذلك: 1- رسوخه في العلم بالتلقي والمتابعة: فالشيخ عبدالله راسخ العلم من خلال ما تلقاه عن شيوخه في موريتانيا عبر الطريقة التقليدية في الدراسة والتمكين في حفظ وضبط الفنون المختلفة، لكن الشيخ فوق هذا التمكن زاد في استمرارية مطالعته وتركيزه على كتب المتقدمين من الفقهاء، فصار خبيراً بحق، ملتقطاً لدرر ونفائس الأئمة بفن، متمرس في اكتشاف مظان الأقوال بأعجوبة. 2- نذر وقته للبحوث العلمية: وهذه خاصية عظيمة في الشيخ، فكثيراً ما ينكب على مسألة، بل ويحدثك وعينه على مخطوط، أو هامش مليء بالنفائس، أو استجلاء لرأي فقيه أحد المذاهب. والشيخ نظراً لعمق قراءته في دواوين العلماء ، ومعرفته المميزة بمظانِّ المسائل، استطاع أن يوظفها في بحوثه القيمة، التي أثرته كثيراً، وأثرت ب هال مجالس التي يُسأل فيها عن مسائل مستجدّة، فيجدون فيها الأجوبة الحاضرة، والأقوال المقنعة، والمناقشات المستفيضة المرتبة، مع سرد لشواهد ونقولات وأبيات مذهلة وحاضرة، وربط بالواقع، مبني على معرفة ودراية بحقيقة المستجدات مع قيل فيها سواء في دراسات العرب أو الغرب أو حتى المستشرقين، بل وما قيل في المسألة في لغة العرب ومصطلح الغرب! 3- يدعو إلى الحق: فالشيخ -يحفظه الله- يبحث دائماً في الحق، ويقول به سواء وافق رأيه الكثير أو خالفهم، وهذا دليل صدق وقبول. وقد أعجبني تعليق العلامة الشيخ يوسف القرضاوي على شيخنا العلامة (بن بيه) في إحدى مؤتمرات (المجلس الأوروبي للبحوث والإفتاء) عندما تشدد في مسألة، ويسَّر في أخرى، فكان تعليق د. القرضاوي: أنت يا شيخ عبدالله أحياناً تأخذ بتشدد ابن عمر، وأحياناً تأخذ برخص ابن عباس! وهذه اللطيفة من العلامة القرضاوي في صديقه العلامة (بن بيه) حقيقة، ووصفه بليغة، ولكن العلامة (بن بيه) في موقفه بين شدائد ابن عمر ورخص ابن عباس، إنما يعود لفقه المسألة، وقوة أدلتها، وطبيعة ورودها، وكيفية تحقيقها. ولذا فهو رجل لا يُشق له غبار في بناء الأحكام، أو ما يسمى بأصول الفقه، ولذا يعتدُّ برأيه في ت صور المسائل، لأنه يعرف ما يقبل من تخريجها وما لا يقبل! 4- لديه منظومة متكاملة مترابطة: وهذه لا يعرفها إلا من جالسه طويلاً، وسأله كثيراً، واستمع له متحدثاً وقرأ له متعمقاً. فالشيخ -حفظه الله- تستطيع أن تقول أنه كوَّن لنفسه (منظومة متكاملة مترابطة)، فأنت عندما تحدثه عن مسألة شرعية، أو قضية إسلامية فكرية، فتجده بسلاسة، يربط مسألة أصولية برأي فقيه بفتوى إمام ببيت شاعر في لحظة واحدة، ومن جهات مختلفة، لينظم من خلالها رؤية ذات شأن! وهذه سر صنعته ، ومكونات خلطته أعلنها لأول مرة على الملأ، ولكن دون ذكر تفاصيلها! حدثه مثلاً عن دقائق الاستنباط في الشريعة، حدثه عن الديمقراطية، حدثه عن البورصات، حدثه عن التجديد، حدثه عن قضايا عصرية متشابكة، لتجد ما أقوله لك بالتمام. ثم إنك عندما تسمع ستجد أن ما يقوله لقطات تجمعها الفكرة والمنهجية، ولا تجمعها المصادر والمراجع! وأعتقد أنه تعب كثيراً وكثيراً جداً للوصول إلى هذه الطريقة الخالصة للشيخ والمبهرة لكل من ناقشه فيها. ومع ذلك فالشيخ ليس متخصصاً بالمعنى الأكاديمي في كل العلوم الدقيقة، بل هو مستوعب لها، ولكنه يسأل ويدقق ويتابع مع المتخصصين فيها. 5- قدوة عملية: وهذه ربما التي يستطيع أن يقول فيها الآلاف من المحبين والمتابعين آلاف القصص والشواهد، فالشيخ رغم كبر سنه وآلامه العارضة والمستمرة، يواصل الأسفار بين القارات، وجدوله مليء بالمؤتمرات والمحاضرات والندوات العالية القيمة، وكم مرّة قلت لعشرات الدعاة: إن الشيخ (بن بيَّه) يخجلكم بكثرة تنقله رغم كبر سنه!! ولدى الشيخ قبول عند جهات كثيرة رسمية وحكومية وشعبية ودعوية، خطبت ودّه في وزارات وهيئات ولجان متعددة. وفوق ذلك فالشيخ إنسان حاضر في المسجد جماعة كل الفروض، لا يغيب عنها، ومعروف تبتله في الليل بعد العشاء، وجلوسه في خلوته كل ليله، حتى فترة من الليل، ليمكن بعدها الاتصال عليه وسؤاله عن أمر مهم. ولا غرو بعد هذا أن نقول أنه عالم موسوعي، وفقيه، وأصولي، ومفكر، وسياسي، وأديب وشاعر. وبعد، فما قلت ما قلت إلا عن معرفة ودراية ومجالسة طويلة ومستمرة، عن عشرة دامت عشرين عاماً، وعن إشراف مباشر لدرراستي في الماجستير والدكتوراه. ولا زلت وبفضل الله تعالى، مع الشيخ ملازماً له في لقاءات مستمرة، وجلسات محضرة، وأسفار متعددة. على العمري
|
|
شرطي في أزمة الخليج
سبحان الله كيف غيَّب الله عقل (صدام حسين) فغزا الكويت الحبيبة؟ وسبحان الله كيف ضلَّ فكر بعض الدعاة فأيدوا صداماً لدخول الكويت الغالية؟ وسبحان الله كيف صمت قوم يوم القبض عليه والحكم بإعدامه رغم كل جرائمه الجماعية الفاجرة؟ بدأت أزمة الخليج (احتلال الكويت) في محرم عام (1411هـ) ، كما هو معلوم. كنت مع أصدقائي فيرحلة صيفية لمدينة الطائف. وأبلغنا أحد الأساتذة وكان يستمع للإذاعة بالخبر. فطلب منا أن تستعد للعودة إلى جدة! وكنا كل يوم نسمع الإذاعة، ونتابع الأخبار ونحللها. لقد كان شباب الصحوة أو الدعوة على درجة من الوعي ومعرفة الواقع إذن؟! نعم، وفي الأخبار ما يؤكد ويسر! بدأنا في حينا (حي الأمير فواز) برنامج من داخل المسجد للحفاظ على المجتمع والوطن، وهذه رسالة لكل مسؤول: أنه إذا جدَّ الجد فشباب الخبر والدعوة أول الفرسان لخدمة المجتمع والوطن، دون أي مقابل أو شعارات!! كانت الطريقة أن الشيخ البطل (محمود باحاذق) يقوم بعد صلاة العصر كل يوم، ويذكر للمصلين برنامج العمل التطوعي لخدمة الوطن من خلال الحي الذي نسكن فيه بالتعاون مع جهاز الشرطة. وبدأنا بحصر السيارات في الحي، ووضع (ستيكرات) خاصة، وبشعار خاص، وتبرع صاحب مكتبة (الواحة) بالتصوير مجاناً لكافة المستندات. ثم توزيع الشباب، من داخل تحفيظ القرآن الكريم ومن خارجه، أشكالاً وألواناً، وتوزيعهم على دوريات للمتابعة والمراقبة الأمنية، ثم أخذ الشباب أجهزة (اللاسلكي) ومناطق التحرك، والكنترول هو ساحة المسجد!! لقد كانت تجربة مميزة ورائعة أثبتت أن شباب الخير وعموم الشباب في خدمة دينهم وأمتهم، ومجتمعهم ووطنهم. وقد حدق شاهد معاصر بهر الناس، عندما أغرقت السيول مدينة جدة في يوم 8/12/1430هـ، بادر الشباب والبنات بالمئات من المتطوعين ، ورأيتهم في ساحات المعارض يقدمون التبرعات العينية للمحتاجين. رأيت مجموعات الشباب الذي خرج من المساجد (من حلقات تحفيظ القرآن وسواها)، والشباب الذين دُعو عن طريق (الفيس بوك وسواها). الكل يعمل لهدف نبيل وخدمة إنسانية يرجو بها الثواب من الله تعالى. وحصل موقف طريف أيام أزمة الكويت يدل على تخلفنا العسكري ! كنت أثناء ضرب مدينة الرياض بالصاروخ في (شارع كيلو 7) بمدينة جدة، وهي منطقة تحركنا، أو محيط الدائرة الذي ندور فيه بالسيارات للمراقبة. وعند سماع الخبر، كنت في سيارة الشيخ (محمود باحاذق) مسؤول الوردية، للتجمع عند ساحة المسجد، ولما وصلنا لم نجد أحداً من الشباب البالغ عددهم بالعشرات!! والسبب أنه عند سماع الخبر خاف الجميع،وخاف عليهم أهليهم، ولجأوا إلى بيوتهم خوفاً من أي صاروخ! وفي مساء اليوم التالي قال هم الشيخ محمود: لماذا التقينا، وما هو دورنا؟ أليس فترات الحاجة والضرورة لنعرف كيف نساعد الناس إذا حصلت مشكلة، أو احتاج أحدهم لمساعدة؟! فاستوعب الشباب هذا الدرس جيداً. ومثل ذلك قصة طريفة للغاية، وهي في فترة (أزمة الكويت 1411هـ) عندما كان هناك تدريب تطوعي في بعض الميادين العسكرية، وكان من الطُّرف أن المسؤول عند تدريب الحضور في الجري والهرولة باللباس العسكري، لديه كرسي في الوسط، يصرخ وهو جالس عليه: اجري يا ولد، واحد اثنين يا ولد!! باختصار لدينا تخمة وترف زائد ولياقة ضعيفة، لا تنع في العمل التطوعي فضلاً عن العمل الجاد وقت الأزمة، وهي أزمة في ذاتها تحتاج تدريب جاد مثل مصر وسوريا وسواها، لمن يفكر في الاستعداد! وعلى نفس الصعيد أتذكر أننا زرنا مدينة أبها صيفاً ، وزارنا العالم الجليل الشيخ الدكتور: عبدالله المصلح ، وكان مرتدياً لباس الجندي المتطوع، وتكلم في مسجد فرع جامعة الإمام محمد بن سعود بأبها، عن أهمية العمل التطوعي وأثره في خدمة الدين والوطن! وكانت هذه المحاضرة التي لم تنشر نموذجاً لوعي العلماء قديماً بأهمية الولاء للوطن الذي لا يتعارض أبداً مع الدين . فالقضية كانت واضحة لدى العلماء وضوح الشمس، ولو كان الإعلام الإسلامي حاضراً وقتها أبرزها، ولكنه وللأسف لا ينشط كثيراً في مثل هذه الفنون وتوظيفها على حقيقتها توظيفاً مشرَّفاً! على العمري
|
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
ذكريات شاب | يمامة الوادي | منتدى القصة | 4 | 2009-12-27 3:17 PM |
ذكريات ومواقف | يمامة الوادي | منتدى الصوتيات والمرئيات | 7 | 2009-03-05 1:57 PM |
ذكريات لا تنسى :( | زايرة | المنتدى الترفيهي والمسابقات | 9 | 2007-03-30 1:02 AM |
ذكريات مفارق | يمامة الوادي | منتدى النثر والخواطر | 2 | 2006-12-20 5:11 PM |
ذكريات علي سليم | علي سليم | المنتدى العام | 22 | 2006-04-25 8:49 PM |