[يمامة الوادي]

بين الوسطى والسبابة طابت حياته !
--------------------------------------------------------------------------------

سلطان ، صاحب لي ، وصديق خبأت له مكان خاصاً ، تقابلت الأرواح قبل بدأ الكلام والسلام ، نباهته ، حماسه ، غموضه ، تصلح عناوين لصاحبي ، جرأته المحترمة تجعلك تحترمه ، مثله لا تستغرب لو ذكرت لك الحياة أن هناك قدراً مخبأ له ، الخير يرجى لمثله ، ضرب مثالاً بأن العمل لا يتعارض مع الدراسة وتكاليفها ، بعد سنين عمل تخرج متفوقاً منافساً المراكز الأولى . .
يكفي أني أحبه ولو لم يرد ما سبق ، هي روح واطمأنت لروح . .
لصاحبي قصة ، استأذنته لأرويها ، واستأذنت قلمي أن أكتبها بلا خطوط طول ولا دوائر عرض ، بل سأطلق العنان لوصف تلك الحكاية . .

بُليت والدته بمرض يعاودها بين فترة وأخرى ، حيناً في بيتها ، وحين في المستشفى ، مرضٌ قد يلفه بعض الغموض ، هي والدة لكوكبة نجوم ، كلٌ يضيء إضاءة تسر الناظرين ، باختصار : ذريةٌ بعضها من بعض ! ، من راقي إلى مستشفى ، إلى منزل ، إلى بيت ابن ، أو ابنة ، تنقلت ، لعل الألم لا يبرح المكان ، لكن ومنذ فترة ليست بالقصيرة بدأت الآلام تداهمها ، وبنفس الوقت الآمال تستقر برأس ولدها ، ذكر لي موقف حير الأطباء حين رأوا الورم المستقر في رأس الوالده ، وعرضه المخيف ، وفجأة بعد أشهر ينخفض بشكل لا يتصوره الطب ! والسبب : اليقين تمثل بروح ، وصاغ ذكرٌ شافي ، فنتج ناتج تَعْجُز المادة عن وصفه ، هدأت حياتها ، لكن سرعان ما عاودها الألم ، وعادت نحو السرير الأبيض ، قبل رمضان بفترة ولجت المستشفى ، وصاحبي مرابط على رأسها_رغم رعاية المستشفى_و الوالدة قد غابت عن وعيها ، ومعذرة على المقاطعة . . لكني اعتقد أن من أشد اللحظات حرجاً وألماً حين ترى من كان سندك وعضدك قد ضعف وهزل ، وأصبح يتألم حتى من الهمس ، فيا رب لا تكل مشاعرنا إلينا ، وألطف بكل مصاب ، يقول صاحبي : في ليلة العيد الماضية ، والغرفة تحوي والدة وابنها ، والوعي الغائب حاضر لدى الوالدة ، وعيني زائغة ، والفكر سائح سابح رائح لا يدري هل يذكر صورتها ملتحفة لباس صلاتها ومتوجهة إلى القبلة ، أم هل أذكر صورتها وهي تقدم الغذاء لي ولإخوتي ، ويقطع ذهني حركة تتحركها تحرك معها أملي وثقتي باالله ، يقول : كنت على يقين أن من ابتلى سيعين .

وبعد لحظات سكون في ليلة العيد ، فتحت الوالدة عينها ، ونظرت له . . . ولك أن تتخيل طبيعة الناظر ، ونفسية المنظور ، وبعد أن صمتت لحظات وهي تطالعه ، تنهدت وقالت : الحمد لله أنت هنا ! لم يتمالك سلطان نفسه حتى تساقط على صدر والدته ، معلناً وبقوة : نعم أنا هنا وبكل منعطفات حياتك ستجدين الابن البار ، انشرح وجهها ، طلبت أصابعه ، سلم لها وجهه وصدره ويديه ، علها تأخذ ولو قلبه ، أمسكت بأصبعيه "السبابة والوسطى" وبعد أن اطمأنت أنها قبضتها عادت وغابت عن وعيها ، ونامت ، وصاحبي ماكث في عالم ينعم فيه بنعيم روحي كافي لأن يجعله ينسى هو بليل أم نهار ، جائع أو عطشان ، هل الليلة عيد . .
لم يستطع أن يطالع ساعة ، أو يفكر بترك تلك اليد التي طالما أزالت عنه وسخاً ، أو ضمدت ألماً ، أو مسحت رأساً . .
بعد فترة لم تحسب ، وآلام بظهره فكر صاحبي أن يخلي أصبعه عن يد والدته ، فآلام بظهره قديمة بدأت تعاوده _كيف بها وبالوالدت وهن يحملننا تسعة شهور_فلم يستطع أن يفك يدها إلى بعد وضع أنبوباً صناعياً بدلاً من أصابعه ، مشى على أطراف أظفاره ، وبهدوء خرج ، وأغلق الباب خلفه ، قليل من الوقت يفصله عن فجر العيد ، وروح صاحبي ترفرف بعالم من الأنس ، كفته قولتها : "الحمدلله أنت هنا" . .



اللهم أنزل رحمتك وعافيتك عليها وعلى مرضى المسلمين . .
اللهم و أرزقنا براً بوالدينا . .
اللهم ارحمهم كما ربونا صغارا . .


يوسف الهذلول