[نوراي]

للمناقشة والحوار والجدال قواعد وشروط ينبغي اتباعها صيانة لها عن آن تتحول الى مباراة بعيدة عن نشدان الحقيقة او الى مشاحنات أنانية ومغالطات وخصومات ونحو ذلك مما يفسد القلوب ويهيج النفوس ويوغر القلوب ويكون ضرره أكثر من نفعه مما يورث التعصب والفرقة ولا يوصل الى الحق او يهدي الى رشد ..

ولقد اعتنى الإسلام بموضوع الكلام وأسلوب ادائه لأن الكلام الصادر عن أي انسان ما يشير الا الى عقله وطبيعة خلقه ونوع تربيته لأن لغة الكلام هي في الحقيقة لغة السلوك وهي مقياس مستواها العام تشير الى مدى تغلغل الفضيلة في بيئتها او مدى تحكم الفساد فيها..

ولما كانت الحجة لازمة لبيان الحق والدفاع عنه حتى تتفتح مغاليق القلوب وكانت الحكمة سندا وقوة لهذه الحجة وكان الجدال بالتي هي احسن سلاحا ودرعا للحق فينبغي على كل من اراد آن يظهر الحق آن ياتمر بهذا التوجيه الإلهي ((وجادلهم بالتي هي احسن )) للوصول لمعرفة الحقيقة والتوصل اليها بتبصير كل من المتحاورين صاحبه بالأماكن المظلمة والملتبسه عليه وذلك عن طريق الحوار الذي يخلو من العنف المقيت والتسفيه والأنانية البغيضة التي تصرف النفوس والأفكار عن فهم الحق او الإنقياد له ..

اما الجدال للإنتصار للاهواء لرغبة الإستعلاء والغلبة فهو عمل مذموم وقد يكون حراما اذا كان لطمس الحق او تضليل الناس عنه وهذا من فعل الضالين المخادعين ..

ومن قواعد المحاورة الهادفة لبيان الحق..

· أ ن تكون لكل من المتحاورين القدرة على معرفة الدليل والنظر في الأدلة المختلفة واستخلاص الحِكَم والعلل منها ومعرفة وجه الحق فيها بتدبر المعاني على وجهها الذي تحتمل ..

· آن لا يكون جداله ومناقشته لهوى في النفس حبا في الغلبة والالتفات الى الصنعة لا الى الحق..

· ان تكون المحاورة بعيدة ما امكن عن حضور جمع فيه مؤيدين لكلا الطرفين فذلك أحرى للفهم وصفاء الذهن والفكر ودرك الحق وفي حضور الجمع قد يحضر ما يحرك الرياء والأخذ بعزة النفس مما يوجب الحرص على نصرة كل واحد نفسه محقا كان او مبطلا اللهم الا اذا كان ذلك بين حق صراح وباطل ..

· أن يكون المحاور في طلب الحق كناشد ضاله لا يفرق بين ان تظهر الضالة على يده او على يد غيره لأن المسلم جندي للحق لا عبد للهوى

· تخلي المتحاورين عن التعصب لوجهة نظرة سابقة واعلان الأستعداد التام للبحث عن الحق بالدليل والأخذ به عند ظهور الحجة ولو كانت هي وجهة نظر خصمه ..

· تقيد كل من المتحاورين بالقول الحسن والفعل المهذب البعيد عن التجريح او السخرية اوالأستهزاء البعيد عن الإحتقار او الإزدراء لوجهة النظر التي يعرضها محاوره .فقد قال تعالى متوعدا : ويل لكل همزة لمزة

· عدم الطعن في أدلة محاوره الا ضمن الأصول المنطقية والقواعد المسلم بها ..

· قبول النتائج التي توصل اليها الأدلة القطعية او الأدلة المرجحة

اما من يكابر في الحق ويحب سقطات اخيه ويسد أذنيه عن سماع الحق فهذا مدافع عن شهوته وهواه وليس مناظر للحق او المعرفة ولنا في السلف الصالح خير أسوة في تقبلهم آراء الآخرين آن رؤوا الصواب فيه

فهذا عمر يتقبل رأي أمراة حين نبهته على الحق وهو في خطبته في ملأ من الناس فقال : اصابت امراة وأخطأ عمر.

قال تعالى : قل انما أعظكم بواحدة آن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاجبكم من جنة آن هو الا نذير لكم بين يدي عذاب شديد ))

فهذه الآية الكريمة دعوة الى التجرد عن الهوى والبعد عن المصلحة والبعد عن الدوافع والهواتف التي تتزاحم في النفوس ودعوة الى التعامل مع الواقع البسيط لا مع الجدليات الحاقدة والعبارات المطاطة دعوة الى البعد عن الخلط واللبس والرؤية المضطربة دعوة الى التجرد من الرواسب والغواشي المؤثرات التي تبعد القلب والعقل من مواجهة الحقيقة في بساطتها ...