[الصادر والوارد]

هذه خاطرة لصديقي الأستاذ راجس بن مبارك الخضاري

( المعيد بجامعة الملك سعود / كلية الآداب: قسم اللغة العربية )

.................................................. ........

بيني وبين نظارتي مودة لا تبلى مع مرور الزمن ..

فأنا بدونها لا أرى في الوجود شيئا جميلا ..

لقد كانت تغض طرفها عن كل منظر لا يبهجها ..

وتتذوق طعم الجمال في كل صورة تراها ..

وقفت على ساحل البحر متأملا في جبروته ..

ومن هول ما رأيت .. خرت نظارتي مغشيا عليها في البحر ..

قفزت لأنقذها من الغرق ولكن البحر ابتلعها بموجه الهادر ..

فحزنت لها كثيرا وعاتبت البحر قائلا :

أيها البحر قد سرقت عيوني

حين صاحت بقولها أنقذوني

أيها البحر أنت كف كريم

رد عيني ولا تزد في شجوني

ومكثت طويلا أمام البحر أعاتبه فأجاب :

إنني هادئ الطباع و لكن

حينما أعتدي يجن جنوني

قد أكلت من الجيوش ألوفا

وقرونا من قبلها ذو النون ِ

وذهب بي الخيال بعيدا وتساءلت أين ذهبت نظارتي ؟؟

فأجابني البحر وسرد لي قصة نظارتي فقال :

ستغوص في أعماقي ..

وأحفظها كجواهري الثمينة ..

ولإشعاعاتها القوية ..

ستتأثر ( كيابل ) الانترنت بها .

ويستقر بها الترحال على شواطئ الصومال ..

وسيجدها طفل لأسرة فقيرة ..

ويظنها كنزا ثمينا فيبيعها بثمن باهظ ..

ويغني أسرته ويسد جوعهم وعوزهم ..

فيشتريها أحد قراصنة بحر العرب ..

ويقومون بعكس ضوء الشمس على منصات ناقلات النفط من خلال عدساتها ..

فتضل الناقلات طريقها ويقومون باختطافها وتهديدها ..

فيرتفع سعر برميل النفط من خبر الاختطاف .. وتتعطل مصالح دول عظمى ..

وخلال عملية القبض على القراصنة يقذف أحد القراصنة النظارة في البحر ..

فتدفعها الأمواج إلى سواحل اليمن الشقيق ..

فيجدها صياد يمني كان يعمل معلما في الكتاتيب ..

فكان يلبسها حينما كان يعلم الأطفال الفاتحة ..

وذات يوم سيهديها لطالب متفوق نظير تميزه ..

هذا الطالب نبغ في فترة وجيزة وبدأ صيته ينتشر ..

فأصبح طبيبا عظيما وشهيرا في اليمن ..

وقام بحملة كبيرة ضد ( إدمان القات ) ..

استمرت سنوات حتى خلص اليمن من دائه ..

ولكنه مات في حادثة خلاف قبلي هناك ..

فأخذت نظارته كشاهدة على الحادثة ..

فرأوا فيها فصول الحادثة وتمت محاكمة الجناة ..

وعقد الصلح بين قبيلتين متناحرتين وسمي ( صلح النظارة ) ..

وتخليدا لها ستوضع في المتحف الوطني هناك ..

وتباع في المزاد العلن لتاجر حضرمي ..
كان يعمل في تجارة الخردوات بمكة المكرمة ..
وكان له دكان صغير قرب الحرم ..

فاشتراها منه حاج فلسطيني..

جاء إلى مكة حاجا ملبيا ..

وأدى مناسك الحج ..

وبعد طواف الوداع ..

ودع مكة وعاد إلى غزة ..

وفي ليلة شاتية داجية ..

تقصف بيته طائرة عليها نجمة سداسية ..

فتجعل أنقاض بيته قبرا له ..

ويستشهد وتستشهد النظارة معه ..

فتموت عزيزة لم تخضع للطغاة ..

فتبهت فجأة من سحر البحر..
وقلت للبحر :

لقد ظلمتك يا بحر ..

إن كانت نظارتي ..

ستؤثر في اتصالات العالم ..

وتهز اقتصاد الدول ..

وتطعم القرى الفقيرة ..

وتعلم الأجيال الأمية ..

وتحارب الوباء الفتاك ..

وتنهي العداء القديم .

وتصبح رمزا وطنيا .

وتؤدي مناسك الحج ..

وتموت شهيدة عزيزة ..

فشكرا يا بحر على سرقتها ..

خذ أيها البحر ...

هذه نظارتي الأخرى ..

أهديها للعالم من خلالك ..

ففيها حب ووئام و سلام ..

والسلام عليك يا بحر ..