[الزاهرة]

بسم الله الرحمن الرحيم



الحلقة الخامسة
يوم الثلاثاء: 26/05/1428هـ

مداخلة معالي الشيخ الدكتور/ سعد بن ناصر الشثري
عضو هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية

مع

فضيلة الشيخ الدكتور فهد بن سعود العصيمي في برنامج الأحلام

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على اشرف الأنبياء و المرسلين ، أما بعد ..

فإن منطلق أهل الاسلام فيما يؤدونه من أعمال، هو النصوص الشرعية كتاباً و سنة .. ولذلك فإن كتاب الله عز و جل و سنة نبيه صلى الله عليه و سلم هما المرجع و المزع و هما المحكمة عند الاختلاف، و قال تعالى: ( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ...) وقال: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ....) و من هنا فإن المعول عليه في الحكم على جميع الأشياء هو كتاب الله و السنة، وقد دل الكتاب و السنه على اعتبار الرؤيا، و على تفسير الرؤيا، وعلى جعل الرؤيا الصالحة من أسباب معرفة الانسان بسعادته، إما فيما مضى أو فيما يأتي، لكن الرؤيا ليست من أدلة الشريعة، ولا يجوز أن يبنى عليها حكم شرعي بحيث يؤخذ منه إباحة أو تحريم أو غير ذلك من الأحكام الشرعية، و إنما الأحكام تؤخذ من دلالة الكتاب و السنة .. إذا تقرر هذا فإنه ينبغي بجميع أهل الإسلام أن يلتزموا بالأحكام فيما يتعلق بالرؤيا، ومن الأحكام الشرعية المتعلقة بذلك:
أن يحرص الإنسان على الالتزام بالهدي النبوي و السنة الواردة في شريعتنا فيما يتعلق بالرؤيا ...
فإن كانت الرؤيا مكروهه فإن المرء يتقرب لله عز و جل بالتعوذ من شرها و التعوذ من شر الشيطان و أن ... بريق سهل يسير عن يساره ثلاثاً، و أن يتحول عن جنبه الذي كان عليه، و لايذكرها لأحد لا لمعبر و لا لغيره ... هذا شيء مما يتعلق بالرؤيا المكروهة.
وأما إن كانت الرؤيا من الرؤى الحسنة التي يسر الإنسان بظاهرها فإنه قد ورد لها آداب شرعية أيضاً و من هذه الآداب، ألا يحدث الإنسان بها إلا لمن يثق به من أصحاب الديانة و الصدق و نحو ذلك.
ورد في بعض الروايات قسم ثالث و هو حديث النفس، وإن كان هذا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم على الصحيح من جهة الإسناد، وانما هو مدرج في قول النبي صلى الله عليه وسلم وليس من كلامه و هو من كلام ابن سيرين، لكنه قد يحصل للناس شيء من ذلك و قد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء من ذلك بقوله : ( لايخبر أحدكم بتلاعب الشيطان به ) إذا تقرر هذا فإنه لابد من التزام الآداب الشرعية، عند ذكر الرؤيا التي يراها الإنسان من ذلك أن يصدق المرء في حديثه عن رؤيا، فإن الكذب من المحرمات كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) وقال صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البِرّ، و إن البِرّ يهدي إلى الجنة، وإياكم و الكذب فإنّ الكذب يهدي إلى الفجور، و إنّ الفجور يهدي إلى النار )، و خصوصاً الكذب الذي يتعلق بالرؤيا فإنه قد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من تحلم بحلم لم يره كلف أن يعقد بين شعيرتين يوم القيامة و ليس بفاعل ).
وورد في حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أفرى الفرى أن يري الرجل عينيه مالم تريا ) يعني إن أكذب الكذب هو ذلك، وذلك أن الرؤيا فيها جزء من النبوة، و الكذب في جزء من أجزاء النبوة لا شك أنه خطير على الانسان.
ومما يتعلق بالرؤيا أن يجتنب الإنسان ذكر ما يتعلق بمعايب غيره في هذه الرؤيا، فإنه قد يرى مرغوب فيها متعلقة بآخرين، فلا ينبغي به أن يذكرها فكما يحب لنفسه ألا تذكر معايبه، وألا يذكر ما يرى حوله من رؤيا مفزعة، فكذلك بالنسبة لغيره، سواء توقع حصول ذلك أو لم يحصل ...
وقد وردت الشريعة بستر عورات الآخرين قال صلى الله عله وسلم: ( من ستر مسلماً ستره الله يوم القيامه ).
و مما يتعلق بآداب الرؤيا أيضاً: أن يجتنب الإنسان في حكايته للرؤيا أن يكذب بأن يقول: هذه الرؤيا قد رأيتها أنا، بينما في حقيقة الأمر أن الرائي لها غيره، فإن هذا من أنواع الكذب في الرؤيا، و ذلك أن الرؤيا يختلف حالها و حقيقتها من شخص إلى آخر باعتبار الرائي، واعتبار الظروف التي يمر بها كل ممن يرى مثل تلك الرؤيا.
ومما يتعلق في ذلك أن يثبت الانسان فيما يحكيه من الرؤيا، فلا يقولها تخرصاً، أو يكون متردداً بين شيئين في رؤياه، ومن ثم لا ينقل أو لا يتثبت فيما ينقله ... و الشريعة قد أمرت بالتثبت بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع )، ويقول: ( من حدث بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين ).
و مما يتعلق في ذلك ألا يغير الإنسان حكماً شرعياً بسبب مثل هذه الرؤى ... فبعض الناس قد يترك واجباً شرعياً أو يترك عملاً صالحاً لرؤيا .. و لا شك أن هذا مخالف للشرع.
ومما يتعلق في ذلك أن الإنسان إذا رأى رؤيا ، قد لايفهمها بعض الناس أن فيها نفرة بين شخصين أو تؤدي إلى تفريق بين صديقين يقوم بنقلها لهذه الشخصية، ومن ثم يحصل النزاع و مشقات بينهما، و هذا من المحرمات بل قد يكون نوعاً من النميمة التي يقول فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (لايدخل الجنه قتات).
كذلك يحرص الإنسان في رؤياه عندما ينقلها لغيره ألا يكون النقل مؤذياً لأحد من الناس، فإن الايذاء من المحرمات يقول الله _ عز وجل _: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا )، فالمقصود أن الأخلاق الشرعية لابد على المسلم أن يراعيها فيما يتعلق بحياته كلها، و فيما تتعلق بالرؤيا المنامية ... هذا مالدي فيما يتعلق بتوجيهات للرائيين و نحوهم ...