[الدكتور فهد بن سعود العصيمي]

الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

هناك رأي أو وجهة نظر، ودوما ما سمعتها في أثناء المناقشات العلمية التي تجمعني كثيرا بالمهتمين بهذا العلم، وهذا الرأي يكرره دوما الفريق الذي يجرد الرؤيا من أي جانب غيبي، ويقول هؤلاء عن الرؤى أو الأحلام بأنها نتاج التفكير فقط.
فالأحلام لديهم هي نتاج لما يفكر به الإنسان في يقظته فقط، ويكررون هذا الرأي، وينفون وجود قسم غيبي، أو رؤيا من الرحمن، كما وصفت في الحديث الشريف.
وفي هذا الموضوع سأناقش هؤلاء نقاشا علميا، وأسوق لهم حجة على فساد هذا الرأي، فأقول لهم، إذا كانت الأحلام كما قلتم نتاج تفكير المرء فحسب، فلماذا لا يرى كثير من الناس حسب الفئات والتصنيفات التي سأسوقها ما يفكرون به ليلا ونهارا؟
أجريت دراسة تحليلية مسحية على من فقد والديه، أو أحدهما، وكانت الدراسة على صنفين:
1/ صنف فقد والديه أو أحدهما منذ أكثر من 20 عاما، وكان عدد عينة الدراسة 4 أشخاص [ ثلاثة رجال وامرأة واحدة ] .
2/ صنف فقد والديه أو أحدهما منذ أقل من 5سنوات، وكان عدد عينة الدراسة 8 أشخاص [ ثلاث بنات وخمسة أولاد ]
ووجدتهم في القسمين، يحبون والديهم، ويفكرون بهم ويتحدثون عنهم كثيرا، بل ووجدت في الدراسة بأن الكثيرين يتمنون أن يروهما أو يروا أحدهما، خاصة في القسم الأول لبعد عهده بهما، لكن المفاجئ في الدراسة بأن نسبة من يرون الوالدين، أو أحدهما كان قليلا جدا على ما سيأتي بعد قليل.
وقد أمضيت في دراسة حالتهم أكثر من 4 أشهر، وكنت ألتقي بهم مرة واحدة على الأقل أسبوعيا، وكنت ألجأ لأساليب متنوعة، فأحيانا أطرح عليهم موضوعا عاطفيا له علاقة بالوالدين، كصلة صديقهما، وتذكر صفاتهما، وتذكر الأماكن التي كانا يحبانها، ومن ثم أسألهم في اللقاء التالي عن رؤيتهم للوالدين وهل تحققت أم لا ؟
وأحيانا كنت أطلب منهم التفكير في صدقة جارية لهما، وأثناء التفكير والتخطيط للمشروع، وأثناء التنفيذ وبعده، أطرح عليهم سؤالي المعتاد: هل رأيتم الوالدين، أو رأيتم أحدهما؟
وأمر آخر قمت بقياس النتائج من خلاله، وهو أنه أحيانا يقوم أحد الأبناء أو إحدى البنات بالتبرع لوالديه أو لأحدهما بعمل خيري مثلا، فكنت أسال هذا المتبرع عن حدوث الرؤية، وبعد كل هذا وجدت النتائج تدل على أمر واحد يتكرر فقط، وهو: أن رؤية الوالدين أو احدهما لم تكن بهذه السهولة والبساطة التي تفهم من أصحاب القول السابق، وهو أن الأحلام نتاج التفكير فقط، وإلا لكان كل منا قادرا على رؤية ما يريد متى يريد.
وقد وجدت بأن النسبة المئوية لحدوث الرؤية لكلا الصنفين قليلة جدا ولا ترتقي لتوصف بأنها طاغية مثلا، فهي لم تتعدى 20% فقط في كلا النوعين، رغم وجود التحفيز العاطفي الكبير.
كما يوجد أمر آخر يؤكد ما أقوله، وهو أنني من خلال نقاشي المستمر في هذا العلم، أجد الكثيرين يجمعون ويجتمعون على حب الله، وعلى حب رسوله صلى الله عليه وسلم، بيد أن القليل، والقليل جدا يقول لك بأنهم رأوهما، أو رأوا أحدهما، فهل هذا يثبت أو ينفي حجة أصحاب الرأي السابق؟
وقمت أخيرا في رحلتي لدراسة هذه الظاهرة بتتبع الرؤى لمن لديه غائب، وقد انقطعت أخباره عن أهله، وفي أكثر من عائلة، فوجدت النتيجة هنا تعضد النتيجة في القسمين الأوليين، ووجدت بأن رؤية هذا الغائب عن أهله تختلف اختلافا كبيرا وشاسعا بين أفراد الدراسة، ولكنها لا ترقى لتشكل ظاهرة لافتة، تجعلنا نقول ونوافق على ما جاء في وجهة النظر هذه.
أخيرا أقول، قد يوجد أحلام لها علاقة بالتفكير، ويكون منشؤها العاطفة فحسب، بيد أن هذا لا يجعلنا ننفي وجود أحلام لا علاقة لها أبدا بالتفكير، بل هي من الرؤى الصالحة أو الصادقة، وهي من الغيب الذي لا يمكن التدخل به أبدا بواسطة البشر، كما لا يمكن التأثير عليه بأي مؤثرات خارجية .

يمكن الاستفادة من المقالة، بشرط الإحالة للموقع وصاحبه فقط، ومن ينقل أو يقتبس دون إحالة، فهو عرضة للعقاب الدنيوي والأخروي.