[يمامة الوادي]

( الصراع الحاد )





د.سعد بن محمد الفياض



بسببه إذا أراد أن ينام وأقفل الباب رجع إليه مرتين أو أكثر ليتأكد من قفله ! ، وإذا أراد كتابة رسالة أعاد كتابتها مرتين أو أكثر! ،لا يرتاح في مكان ولا يستقر له قرار . تجده شاحب الوجه ، متصبب العرق ، يشعر بجفاف في الحلق وصعوبة في التنفس ، وكل هذا نتيجة صراع داخلي وتوتر نفسي ، - إنه الخوف !!- الخوف من كل شئ (الخوف المجهول ) ، مصدر الانزعاج والضيق ، وسبب الغضب والتهيج ، به يكون ضعف القدرة على التركيز ، والتردد الغريب ، والريبة والشك ، وتزاحم الأفكار المقلقة ، وتواتر الأحلام المزعجة ، صاحبه فاقد لشهية الطعام لأنه خائف ، يثور لأتفه الأسباب لأنه قلق ، يصرخ ويجادل لأنه مضطرب ، يصعب عليه الاختيار بين المواقف المتضاربة ، والرغبات المتعارضة ، من شان الشخص من هذه حاله إن تسوء عشرته ، ويصعب التعامل معه ويقل أصدقاؤه إلا من الذين يعطفون عليه ، أو من الذين يتخذون من ضعفه موضوعا للتندر به!! . حديثنا هو عن ذلك القلق ذلك الخوف الغامض الذي يسيطر على بعض الأشخاص دون أن يعرفوا له سببا ، إنه القلق الذي يُصاب به كثير من الناس وخصوصا الشباب ، فتجد الواحد منهم قلق في حياته ، قلق في تصرفاته ، يشك في قدراته ، يفسر الأشياء تفسيرًا خاطئا ، محطم الإرادة ، مهموم النفس مكتئب الحال ، وإذا اقتربت منه وجدته يعيش في جو من الهم أوقل

(الخوف الغامض )، المزعج للنفس الذي نشأ بسبب رد فعل لأوضاع غير قائمة !! ولكنها متوقعة في ذهن صاحبها ... ولو ذهبت تفتش عن حقيقة هذا القلق أو الخوف لوجدت أن هناك أسبابا مهدت لأسباب رئيسية قد حدثت في حياة هذا الخائف القلق في عهد الطفولة ويستمر تأثيرها حتى مرحلة الشباب . فتعرُّض الطفل لمخاوف شديدة في طفولته المبكرة ، أو فقدانه لأمه في هذه المرحلة ، أو تعرضه للنبذ والحرمان أو القسوة في المعاملة أو المبالغة في التدليل. في هذه المرحلة من شانه أن يُحدث اضطرابا في شخصيته مما يشعره بـ (الخوف من فقدان ألأمن ) مما يسبب استمرارية الاضطراب وتأثيره على المراحل اللاحقة ويمهد لظهور القلق في مرحلة الشباب وما بعدها أما الأسباب المباشرة للقلق فهي الأسباب التي يأتي القلق بعدها بصورة مباشرة .. وهذه الأسباب على كثرتها يمكن إرجاعها إلى شدة الإحباط أو الفشل الذي قد يتعرض له الشاب سواء في علاقاته مع الآخرين أو أثناء ممارساته لأعماله اليومية ، وربما رجع ذلك إلى الصراع الداخلي الحاد الذي يحدث بين رغباته ودوافعه وبين متطلبات البيئة وظروفها . فالشاب إذا ما فشل في تحقيق أية حاجة من حاجاته النفسية والاجتماعية الهامة بدأ الاضطراب والقلق النفسي وربما الفكري يدب إليه ، من شانه أن يحدث زعزعة في شخصيته وخصوصا في حالة شعوره ( بازدواجية المعايير والتطبيق) من قبل الآخرين ، أضف إلى ذلك ماقد يعانيه الشاب من المعاملة القاسية التي ربما تلقاها في حياته ، أو الروح التنافسية الحادة التي قد تكون سائدة في محيطه أو عدم ملائمة الدراسة التي يتلقاها لميوله وحاجاته ، والتي إنما كانت نزولاً عند رغبات المحيطين به ، وربما هذا القلق النفسي والصراع الداخلي وجد بسب الإحساس بالدونية مع زملائه ، أو شعوره بنقص ذاتي أمام أقرانه إما بسبب أوضاعه المادية أو بسبب ظروف البيت وطريقة تعامله معه مما كانت له التأثير البليغ في شعوره بهذا الشعور لذا ينبغي لمن يجد مثل هذا الشعور أن يثق قبل كل شئ بالله وان يتوكل عليه وأن يحسن الظن بربه ثم ليثق بقدراته وأنه قادر على التغيير وخصوصا من نفسه وعليه أن يكون رجل يومه لأن الماضي لايمكن أن يعود والمستقبل نحن نصنعه بأنفسنا بعد توفيق الله ، أحسن الظن بمن حولك واحذر نزغات الشيطان ، أحسن صحبة والديك واعلم أن التوفيق لا ينال إلا ببر هما ، استشر أهل الخبرة والتجربة واعلم أنك ميسر لما خلقت له ، وتذكر أن الذي فاتك هو أصلا لم يكتب لك ، وربما أنه صرف عنك لخير لك فإنك لا تدري أين تكون الخيرة ، أكثر من الدعاء فلا يرد القدر إلا الدعاء ، وازهد بما في أيدي الناس يحبك الناس وأصلح سريرة نفسك يصلح لك علانيتها ، واحفظ الله وذلك بحفظ حدوده ، يحفظك الله من كل ما يسوؤك ، وأكثر من قراءة سير العظماء الناجحين المباركين ،وصاحب المجدين وابدأ بالأولويات واحذر التسويف ، فإن سوف سبب زوال بركة الأوقات وضياع الأعمار ، واعلم أن الموفق من اغتنم شبابه قبل هرمه وصحته قبل مرضه ، وفراغه قبل شغله . والمغبون حقا من عق يومه وليله فلا واجب أداه ولا مجد أسسه ولا معروف أقامه ولا مهارة أتقنها .

قال تعالى ( والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر.)