[يمامة الوادي]

شكوى عامة .. وحلول غائبة !
- - -
قال الراوي :
شكوت إلى أخي يوماً قضية تؤرقني كثيراً ، حتى أوشك اليأس
أن يتسلل إلى أجواء قلبي ، هذه القضية هي :
كيف أني أسمو أحيانا مع الطاعات إلى آفاق عالية جداً ،
ثم إذا بي أنتكس فجأة ، وأقع فيما أتعجب الوقوع فيه ، بعد ذلك السمو ..!!
فكاد الإحباط أن يأكل قلبي !
.
فتبسم صاحبي وقال :
تذكر يا صاحبي أن الكمالَ لن يكونَ إلا لله وحده ..
وأن العصمةَ لا تكون إلا لرسلهِ عليهم الصلاة والسلام ..
فلا عليك ..!
تحلو تارة ، وتارة تسمج .. تعلو حيناً ، وحيناً تسفل ..!
يوماً ترفرف ، حتى تكاد تقبّل وجه السماء ،
وفي يوم آخر تهبط ، حتى يرتطم رأسك بالقاع .. !!
يضيء قلبك ساعة ، فكأن الشمس تشرق من داخلك !
وأخرى يظلم قلبك ، حتى لكأن ليل الدنيا كله قد اجتمع عليك ..!!
.
هكذا هي الحياة ، وهذه سنة السائرين في درب الاستقامة ،
والشيطان يا صاحبي لم يمت بعد ،
وأشد ما يغيظه أن يرى شابا يشمر في الطريق إلى الفردوس ،
فهل يعقل أن يتركه يمضي بسلام !!؟
كلا ..ثم كلا !!
.
وإذن فهذه هي طبيعة الدنيا ، وإذا أردتها على غير ما خلقها الله عليه ،
فقد أتعبت نفسك ، وطلبت المحال ،
إنما المطلوب منك أمور :
.
أن لا تستسلم لنفسك الأمارة بالسوء في كل ما تهواه ، وما تشدك إليه ..
بل يلزمك أن تحمل في وجهها سيف مجاهدة ، ولا تدعه يسقط من يديك ..!
( وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى ، فإن الجنة هي المأوى )
.
والأمر الثاني :
أن تجاهد نفسك لتبقي فترة الإشراق التي تلم بقلبك ، لأطول فترة ممكنة ،
وفي المقابل ، تجاهد نفسك لتجعل فترات الانكسار والفتور ،
قصيرة خاطفة متقطعة ، تؤلمك ويحزنك مرورها بقلبك ،
وتجأر إلى الله أن يعينك عليها .
.
وأمر ثالث :
حتى وأنت في حالات الفتور وانكماش القلب ، وتراجعه عن مواقعه الرائعة
التي كان فيها ، حتى في مثل هذه الحالات ، يلزمك أن تبقى يقظاً ،
حتى لا تجرفك فترة الفتور إلى ما لا تحمد عقباه ،
بل جاهد نفسك أن تبقى في الحدود الدنيا من الطاعات ،
ولا تقبل التنازل عن هذه الحدود ، مهما كان ضغط الهوى عليك ..
كما لا تقبل أن تجر قدميك إلى مواقع خطرة ،
تسقطك في كبيرة من الكبائر _ والعياذ بالله _ ..
.
والخلاصة :
أنْ تغلبك نفسك بعد إقبال طيب على الله سبحانه ، فهذا شيء متوقع وطبيعي .
ولكن عليك أن تكون ذكياً فطناً متألقاً ، فتعرف كيف تحتال على هذه النفس ،
لتخرجها مما أوقعتك فيه !.. هي أوقعتك ، وأنت تخرجها !!
ثم بادر على الفور إلى طاعات جديدة ، لتعويض ما فاتك أثناء التراجع ،
ولتأديب النفس على ما سولت به ، فهو تعويض وتأديب .. !!
بل ويمكن أن نقول :
هو من باب الشكر لله سبحانه ، أن أعانك على الخلاص من هذا الفخ ،
الذي نصبه لك الشيطان ، وجرجرتك إليه نفسك المخذولة ،
فقد قالوا قديما :
كلما جدد لك نعمة ، فجدد له طاعة .. فافهم هذه النكتة ..!
وعلى كل حال ..
.
يلزمك أن تبقى في كامل ثقتك بالله سبحانه ، بل يلزمك أن تبقي ثقتك بالله
في حالة تزايد لا تراجع معها ، مهما كانت الحالة التي تمر بها ،
فحسن الظن بالله _ مع مجاهدة النفس على الاستقامة _
من أروع الأعمال إلى الله .
.
فحسّن ظنك بالله سبحانه ، وخلال ذلك تبقى مجاهداً لنفسك الأمارة ،
مشمراً للإقبال على الله سبحانه ،
وفي حال الفتور تحرص على أن تعمل جاهداً أن تبقى يقظاً ،
فلا تنازل عن الحدود الدنيا من الطاعات ، ولا انجراف إلى كبيرة ..
وبعد الإفاقة من سكرة الهوى ، تشمر للتعويض كما أسلفنا ..
.
ومما يعينك على ذلك كله :
أن ( تدمن ) ذكر الله سبحانه ، فلا يزال لسانك يلهج بذكر الله عز وجل ..
وأن تقبل على كتاب الله سبحانه وتعالى ،
وأن تكثر من النوافل ما استطعت ..
وأن تصحب من يعينك على الإقبال على ربك سبحانه ..
أما الفرائض فلا كلام .. حيث يلزمك التشمير إليها حتى في حالة الفتور الشديدة
واستعن بشيء من الليل تشغله بالدعاء والضراعة والمناجاة .. ونحو هذا ..



كتبها بو عبدالرحمن