[البارقه 2009]

شمس اليقين أذابت جليدي

هناء رشاد

كنت أعاني من زوج منشَغِل لا وقت لديه للتفرُّغ لدَلالي، وتوزيع المشاعر عليَّ، كما كان يردِّد لي دائمًا، فأنا في نظَرِه سيِّدة مدلَّلة لا يشغلها سوى نفْسِها، حاولتُ كثيرًا أن أجعل لي مكانًا بين مشاغله الكثيرة، ولكن محاولاتي كانت تنسحب مهزومة، رافعة رايات الخيبة، رافضة أيَّ تحرُّك لجيوشها من جديد، فأشهَرْتُ يأسي في وجه إرادتي وانكفأتُ على نفسي أتمرَّغ في ردهات الفراغ، ودخلت في نوبات من الاكتئاب الشديد، وأصبحتُ "زبونة" مستديمة عند الأطباء النفسيِّين حتى زهِدْتُ الحياة، وأحاطني اليأس الشديد، حتى الصديقات اللاَّتي كنَّ يشغلْنَ وقتي لم يَعُد أزيز أحاديثهن المكرورة تترك لديَّ سوى مزيد من الإحساس بالحزن والوَحْدة، وها هو وجهي تَذْبل زهرته، وأشعر أنَّ شمسي على أعتاب الأفول، وأنا في وهج شبابي وعنفوان أنوثتي، صددْتُ كثيرين يحاولون التقرُّب منِّي، محتمية بمبادئي وتربيتي، ولكن أجراس الأنوثة العالية كانت تُصِمُّ أذني، ونوبات الحرمان كانت تعاودني كلَّ ليلة، تشاركني فراشي الذي لا يعرف غير برودة الشتاء، وهكذا مضت أيامي ينخر فيها الجليد، ويعلو كل يوم، حتى أصبح كالجبال، تقف عائقًا بين قلبي ورُوحي.

وفي غمرة هذا اليأس وجدتُ ضالَّتي، في محاضرة دينيَّة نظمَها النادي الذي كنت أرتاده لِقَتْل الوقت، لداعية شابٍّ امتلأ وجْهُه بالبِشْر، خلاصتها أننا لم نُخلَق لننتظِرَ من يأتي لإنقاذنا، وإنما علينا اقتحام عوالمنا بكل عزم وقوة إرادة، وأخَذ يَذْكر آياتٍ وأحاديثَ توغَّلَت إلى روحي المشتاقة الخاوية.

ورحت أفكِّر في حالي الصعبة، وهذا الفراغ المميت، وشكوتي الدائمة من زوجي الذي كان دائمًا يقول لي: "مشكلتك أنَّك لا تَجِدين ما يَشْغَلك"، فأخذت أبحث عن مِعْوَل لأهوي به على جبال الجليد التي طالت الرُّوح، فإذا بالشمس ودِفْئِها تعلن بدء مواسم ذوبان الجليد.

ورجعتُ إلى صلاتي التي انقطعتُ عنها، والتحقتُ بمعهد ديني لإعداد الدُّعاة، ورحتُ أنهب الطريق نهبًا إلى علوم الدِّين، وعرفتُ الكثير مما جهلته، وأسلمتُ رُوحي إلى طمأنينة لم أعرفها من قبل، وعرفت معنى صفاء النفس وسلامتها، وتوَّجتُ هذا كلَّه بحفظي لأجزاء كثيرة من القرآن الكريم، وامتلأ وقتي باهتمامي بالمحتاجين من خلال انضمامي لجمعية خيريَّة، تكرِّس كلَّ طاقاتها لعمل الخير، وتبدَّلَت مشاعري نحو زوجي الحبيب، وأصبحتُ أكثر تفهُّمًا لعمله ووجدتُه مختلفًا رقيقًا، وكأنِّي أراه لأوَّل مرَّة، ورحتُ أنهل من حُبِّه الذي غاب عني طويلاً.


وقت كبير نقضيه في الشكوى، فإلى متَى هذا النَّزْف في أوقاتنا ولا حل؟!