[الدمعه الحائره]

• 1. بسم الله الرحمن الرحيم

أن من أجل اللذات وأعلاها معرفة الله سبحانه والنظر ألى وجهه الكريم وأنه لا يتصور أن يؤثر على ذلك لذة أخرى

ألامن حرم هذه اللذ ة , و أن هذه اللذات تابعة للأدراكات ,ولأنسان جامع لجملة من ا لقوى والغرائز ,ولكل قوة غريزة

لذة . ولم تخلق هذه الغرائز عبثآ لأمر من الأمور , وهو مقتضاها بالطبع , فغريزة شهوة الطعام خلقت لتحصيل الغذاءْ,

الذي به القوام , ولذة البصر ة والسمع في الأبصار والأسماع
.
وكذ ذلك في القلب غريزة تسمى النور الألهي , وقد تسمى العقل , وتسمى البصيرةالباطنة , وتسمى نور الأيمان

واليقين , وهذه الغريزة خلقت ليعلم بها حقائق الأمور كلها بطبعها , فمقتضى طبعها العلم والمعرفة , وذلك لذتها
.
وليس يخفى أن العلم والمعرفة , ولو في شيء خسيس يفرح به , وأن من ينسب ألى الجهل ولو في شيء يغتم به,

وكل ذلك لفرط لذة العلم , وما يستشعره من كمال ذاته . فأن العلم من أحسن الصفات ومنتهى الكمال , ولذلك يرتاح

الأنسان بطبعه أذا أثنى عليه بالذكاء ,وغزارة العلم , ثم ليس لذة العلم بالحراثة والخياطة كلذة العلم بسياسة الملك

وتدبير أمر الخلق , زلا لذة العلم بالشعر والنحوا , كلذة العلم بالله تعالى وملائكته وملكوت السموات والأرض , بل لذة

العلم بقدر شرف العلم , وشرف العلم بقدر شرف المعلوم , فبهذا أستبان أنه ألذ المعارف وأشرفها , وشرفها بحسب

شرف المعلوم , فأن كان في المعلومات ماهو الأجل والأكمل والأشرف والأعظم , فالعلم به ألذ العلوم لا محالة وأشرفها

وهل في الوجود شيئ

أجل وأعلى وأشرف وأكمل

وأعظم من خالق الأشياء

كلها ومكملها . ومزينها ومبديها

و معيدها ومدبرها ومرتبها ؟

وهل يتصور أن يكون حضرة في الملك والكمال والجمال والبهاء والجلال أعظم من الحضرة الربانية التي لا يحيط بجلالها

وكمالها وعجائب أمورها وصف الواصفين ؟!


فينبغي أن تعرف أن لذة المعرفة أقوى من جميع اللذات المدركة بالحواس الخمس , فأن المعاني الباطنة أغلب على ذ

وي الكمال من اللذات الظاهرة .

والعارفون درجات عند الله تعالى يتفاوتون , لا يدخل تفاوت درجاتهم تحت الحصر , وهذه الأمور لا تدرك ألا بالذوق ,

والحكاية فيها قليلة الجدوى . فهذا ينبهك على أن معرفة الله تعالى ألذ الأشياء و أنه لا لذة فوقها , ولهذا قال أبو

سليمان الداراني رحمه الله : أن لله عبادآ ليس يشغلهم عن الله عز وجل خو ف النار ولا رجاء الجنة و فكيف تشغلهم الدنيا

عن الله تعالى .؟!

فمتى حصلت محبة الله تعالى لشخص , صار قلبه مستغرقآبها , ولا يلتفت ألى جنة و ولا يخاف من النار , فأنه قد بلغ

النعيم الذي ليس فوقه نعيم .

قال بعضهم :
وهجره أعظم من ناره ووصله أطيب من جنته

وأنما أراد بهذا لذة القلب في معرفة الله تعالى . وأنها مفضلة على لذة الأكل والشرب والنكاح , فأن الجنة معدن تمتع ا

لحواس , وأما القلب فلذته في لقاء الله تعالى فقط.

واعلم أن لذة النظر في الأخرة تزيد على المعرفة في الدنيا ,وما يغلب عليها من الصفات البشرية ,لا تنتهي ألى ا

لمشاهدة , بل هذه الحياة حجاب عنها بالضرورة , كحجاب الأجفان عن رؤية الأبصار .

فكل من لا يعرف الله تعالى في الدنيا , لا يراه في الآخرة .وما يستأنف لأحد في الأخرةمالم يحبه في الدنيا , ولا ي

حصد أحد ألا مازرع , ولا يموت المرءألا على ماعاش عليه , فما صحبة من المعرفة هو الذي يتنعم به بعينه , ألاأنه ي

نقلب مشاهدة بكشف الغطاء , فتضاعف اللذة , والعيش عيش الآخرة .(وأنا لدار الأخرة لهي الحيوان ).
وعيش الآخرة بقدر المعرفة , ولهذا جاء في الحديث :(خير الناس من طال عمره وحسن عمله ). وذلك لأن المعرفة أنما

تكمل وتكثر وتتسع في العمر الطويل بمداومة الفكر والذكر والمواظبة على المجاهدة ,والأنقطاع عن علائق الدنيا ,

والتجرد للط لب , فقد عرفت بما ذكرنا معنى المحبة , ومعنى لذة المعرفة , ومعنى الرؤية ولذتها , ومعنى كونها ألذ من

سائر اللذات عند أهل الكمال .