[غ الرديني]

وصلني خبر طلاق سيدة من جنسية عربية تسكن في مدينتي، ولقد علمنا أن زوجها طلقها غيابيا بعد أن سافر إلى بلده الأصلي دون علمها، ثم جاء بورقة الطلاق وبعثها مع أحد الأشخاص..... عندما تحدثت مع أخت الزوج لأستفسر عن الموضوع، قالت لي :
( وما المشكلة، هو تزوجها ببلادنا وله الحق أن يذهب ويطلقها هناك، كما وأنه لم يأتي بأمر محرم أو غير قانوني، وأين الخطأ في حين لم يخبرها أنه سيطلقها، ففي النهاية الطلاق حاصل حاصل....).
وعندما تحدثت مع أخت الزوجة قالت لي: ( ما رأيك فيما فعله طليق أختي )؟؟؟ عندها كتبت قائلة:

يظن البعض أننا لا نعي القصد من سلوكهم رغم وضوحه وضوح الشمس، يظن ذلك الرجل وأهله أننا لم نفقه غايته في عدم تحمل مسؤليات ما بعد الطلاق من نفقه وسكن، ومتطلبات أخرى تقضي بها المحاكم في هذه الدولة، كما ويظن أن المال الذي سيعود إليه بعد أن يخرجها من البيت، ويأخذ الأبناء كي يتربوا في بيت جدهم سينفعه وسيغنيه، في الحقيقة إن مثل ذلك الرجل، إن كثرت نقوده، فقد أفلست مرؤته....

نعم، فقير المرؤة وحده من يفعل ذلك، أين شجاعة الرجال، أين تحملهم للمسؤولية، أين إحتمالهم لأم أنجبت تسعة أبناء، من الذي تحمل مشاق الحمل، من الذي سهر الليالي، لم يكن طفل أو اثنين أو ثلاث، بل تسعة، من تستطيع تحمل هذا العدد في زمننا هذا، من الذي ساعدهم على التعلم، من الذي ذهب إلى المدارس ليتفقد أوضاعهم، من الذي تقمص دور الأب اثناء سفره، أو خروجه مع الأصحاب وغيابه عن البيت لفترات، وغضبه، وعصبيته وتحوله من حال إلى حال، من الذي عالجهم في المستشفيات، من الذي تحمل ديون الزوج وقلة ذات اليد..... يا الله... ما أكثر حسنات تلك المرأة وغيرها من النساء، فقط البعض بحاجة لأن يزيح أو يوقف تدخلات إبليس وجنوده، وما يفعله من تغييب لحسنات الزوجة وتحجيمها، وزيادة سيئات الزوجة وتصعيدها... وصدق من فسر المروءة بأنها " كمـال الرجولــة"، ويبدوا أن الكثير من رجال هذا العصر زهدوا بها، وعلينا أن نقدم العزاء فيها، ونتمثل كلام من سبقنا حين قال بعض شعًارهم:

مررت على المروؤة وهي تبكي فقلت علام تنتحب الفتاة
فقالت كيف لا أبكي وأهلي جميعا دون خلق الله ماتوا

وقال آخر
تعال إلينا فالمروءات اقفرت وموطن آبائي زجاج مكسر.

ورحمة الله على الإمام الشافعي حين قال: " لو علمت أن الماء البارد يثلم مروءتي ، لما شربته، ولو كنت اليوم ممن يقول الشعر، لرثيت المروءة.

ورحمة الله على رجال حفظ لنا التاريخ سيرتهم علنا نعتبر بمواقفهم، فقد جاء عن أحمد بن مهدي أنه قال: جاءتني امرأة ببغداد ليلة، فذكرت أنها من بنات الناس وأنها امتحنت بمحنة. وأسألك بالله أن تسترني، فقد أُكرهت على نفسي وأنا حبلى، وقلت أنك زوجي فلا تفضحني، فنكّبت عنها ومضيت، فلم أشعر حتى جاء إمام المحلة والجيران يهنئوني بالولد الميمون، فأظهرت التهليل، ووزنت في اليوم الثاني للإمام دينارين ، وقلت: أعطها نفقه، فقد فارقتها.
وكنت أعطيها في كل شهر دينارين، حتى أتى على ذلك سنتان، فمات الطفل، وجاءني الناس يعزونني، فكنت أظهر لهم التسليم والرضا، فجاءتني بعد أيام بالدنانير، فردتها ودعت لي، فقلت:هذا الذهب كان صلة للولد، وقد ورثتيه، وهو لك. * السير / 12 / 598


وحتى لا يغضب الرجل من حديثي عن غياب المروءة لدى بعض الرجال، اقول أن بعض الفتيات أيضا غابت مروءتهم ولم يعد لها مكان في حياتهم، ولعلي أكتفي بموقف يتكرر في بعض المجتمعات، وهو طلب الفتاة من الرجل أن يطلق زوجته كي تقبل هي بالزواج منه، تظن الفتاة الموظفة أن ذلك الرجل سيترك زوجته وبيته لأجلها، لأجل مال الموظفة، لأجل شبابها، وجمالها، خاصة إذا سمعت منه أنه غير سعيد في زواجه، فتبادر بقولها " إذا لماذا لا تطلقها ". ..

اين أنت أيتها الفتاة من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يحل لإمرأة تسأل طلاق أختها لتستفرغ صحفتها ، فإنما لها ما قُدًر لها "، أي لو استمرت سنوات عدة في طلبها بأن يطلق الرجل زوجته لأجلها، فلن يتحقق ذلك لأنه مقدر لتلك المرأة، وكم من فتاة فعلت ذلك فكان عقابها أن تركها الرجل ورجع لزوجته، وبقيت الفتاة سنوات طويلة، وعاقبها الله بتأخر زواجها.... أين المروءة في مثل هذه المواقف، وهل رغبتها بالزواج من شخص ما وحبها له سببا كافيا يعطيها الحق في هدم اسرة كاملة، أين الفتاة الخلوقة ذات الدين والقيم والتي تصر ألا تتزوج برجل متزوج حتى ترضى زوجته الأولى، قد يقول الرجل إن زواج الرجل بثانية لا يشترط فيه إبلاغ الأولى بالأمر، نعم، ولكن هنا نتكلم بحرقة عن أمر أكبر بكثير من شروط ما أحله الله وما حرمه، هنا نتكلم عن المــــروءة، عن الأخلاق الحسنة، نتكلم عم أمر قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم ".

تحياتي.