[أبو عبد الله]

كلما أمسكت بالقلم تلكأ ، وعلى باب العجز توكأ، وقال لي اقرأ ، فالقراءة باب واسع، وميدان نافع ، تغذي الروح، وتبري الجروح،والكتاب خير جليس،ونعم الأنيس، يسلي الهم، ويَجلي الفهم،يجلب إلى النفس السرور،ويملأها بالحبور،يعطيها الفرائد،ويهديها الفوائد،وهو خير الموائد.
تتعاقب على الكتاب الأيدي فلا يملها،وتختلف عليه العقول فلا يكلها،إن مللته فرميته، لم يشتكِ،وإن صفعت وجها منه بوجه لم يبكِ،ولا يعاتبك إن أسهرته، ولا يعصيك إذا أمرته، مطواع في أي وقت أردته،إن دعوته أجاب،وإن جفوته ما عاب،يغذيك ولا يتغذى معك،يعطيك ولا يأخذ منك،لا يحتاج في نومه إلى فراش،ولا يطلب منك المعاش،ولا يغضب إن أكثرت عليه الهراش،سره عندك فاش،وهو بك غير واش،للعلم نباش،وأنت له وشواش.
تمل منه فتتركه، وتمل أشغال الحياة فتأوي إليه، يفتح المدارك، ويوضح المسالك،وهو خلاصة تجارب، فيه أنواع المآرب،و مخزن المآدب،تجد النكتة العابرة،والحكمة الباهرة،والأمثال السائرة.
ومهما توصل له الناس اليوم، وتنادى به القوم،من وسائل جديدة، وأساليب عديدة، إن كانت مفيدة أو غير مفيدة، فإنه يبقى الأصل وغيره الفرع، فإذا أعياهم العوز،وضاقت بهم المفاوز،يرجعون إليه،ويردون عليه،ويميلون نحوه،ويسبرون شأوه، فإذا بهم ينغضون إليه رؤوسهم،ويشخصون فيه عيونهم.
فاحرص على قضاء الوقت فما استفيد منه بمثل المطالعة والقراءة،ومهما بحثت لن تجد صديقا أوفى وأفهم ، واسأل عما عليك أشكل، وإلى الله ارغب وتوسل،فإنما آفة العي السؤال، فقد قيل: من كان شيخه كتابه كان خطؤه أكثر من صوابه،واقرأ قراءة الفاحص، ونقب تنقيب الباخص،وقلب الكتاب، وتحلَّ بالآداب، فما فاز إلا من علم،ومَنْ مِنْ الجهل سلم،وكما قيل:احفظ أفضل ما تقرأ، وتحدَّث بأفضل ما تحفظ.وأبدِ رأيك حول ما تقرأ وتقول،فاجعل لعقلك من حفظك حضا،وصُن نفسك بمكارم ما تقرأ، وحطها بمحاسن الأقوال،واستجمع قواك عند الحديث ولطِّفه،واختر أجوده وخفّفه،ولا تكثر من المماراة،وإن وجدت من الجهال المجاراة،فقد قيل: إياك ومماراة السفهاء ومجاراة العلماء،ونزه نفسك عن منازعة اللجوج،و لا تكن كالناقة الخلوج ،واصفح الصفح الجميل ، وأعرض عن الجاهلين.