[بو عقاب]

بسم الله الرحمن الرحيم


أعتذر من الاعضاء الكرام عن فترة الانقطاع. سبحان الله هذا المنتدى له طعم خاص تأنس وتستمتع في كل مره تزوره. هذا البريق المميز الذي يكتسي به بالاضافه الى القلوب الطيبه التي تسكنه هي حقا ما يجذبني إليه كل مره.

أقدم لكم خاطره قديمه مما كتبت أتمنى أن تلامس أذواقكم.



أمسك رجل بقلم وبمجموعة من الأوراق وخط مافي قلبه فقال:


لا أعتبر أني سعيد. واعلم في قرارة نفسي اني لم أتقبل ما آلت إليه حياتي. بل أستمر في الترديد أني راضي بما كتبه الله لي من تعاسه. وأعترف أنني لا زلت أتجرع الرضى على مضض.
مقتنع تمام الإقتناع أن السعاده مقسومه بين الخلق وهي قدر. فهناك شقي وهناك سعيد. والسعاده بانواعها مهما دامت فهو مكتوب لها الزوال وستواري الثرى وتنتهي تحت التراب مع أصحابها.

إلا الحب. فالحب اذا دخل القلب لا يموت. فالمتحابين أرواحهم متعانقه بالسماء. تلهج ألسنتهم بالدعاء لبعضهم حتى لو أخذتهم الدنيا من بين أيدينا. فأطيافهم ترافقنا أين ما ذهبنا. ليس برغبتنا وإنما بالرغم عنا. فهم قد نحتوا تفاصيلهم فينا كما ينحت الصخر. فإذا تناسينا ممراسة طقس التفكير في من نحب هاجمتنا أطيافهم في منامنا وقضت مضاجعنا بذكريات موجعه.



يضرب الرجل كفا بكف ويقول:
أعاني فقدان المرأه التي أحب. نصفي الآخر ومن كان وجودها يعطي معنى لحياتي وبفقدها حال كل شيء رماديا واكتسى عالمي بوشاح الحزن. فاصبحت حزين. هكذا حزين يتدفق الحزن مني اذا حكيت او نظرت او حتى تبسمت. عيناي تشع حزنا صامت. لا اتكلم كثيرا وإذا تكلمت فان صوتي يبدو كقيثارة تعزف لحنا جنائزيا. واذا بكيت فكانما ناي يطلق افجع الرثاء. هكذا قيل لي على الأقل. وعلى الرغم من وشاح الهدوء والسكون الذي أكتسي به إلا أنه بأعماقي قلب ينضح ألما وطفل خائف لم يسكن ولم يهنأ حتى الآن. بداخلي سيل جارف من المشاعر أعجز أن أترجمه على شكل كلمات.
.
أتظاهر دائما بالصلابة والتماسك حتى إذا لم يعد بي قوة وأحسست أنه قد وارت الدموع المحاجر وغلبت الشهقات الحناجر. أنتظر حتى يبتلع الأفق الشمس ويجثم الظلام. فأنكفيء على جرحي أبكي. لعل أنين قلبي الموجوع يحرض النجوم على الرحيل بسرعة.
.
لطالما أقنعت نفسي أني أحكمت إغلاق أحزاني وجروحي وأني رميتها في بقعة مجهولة في مكان مجهول في أعمق أعماقي لتضيع في غياهب روحي. وعاهدت نفسي كذلك ألا أبوح بها لأي مخلوق. هههه يا لسخرية القدر ها أنا أخون عهدي واخط بقلمي قصة حبي. فهناك كثيرون يحتاجون لسماعها وإلى قراءتها ليبكوا وليتعلموا وليتطهروا. فسير الحب النقية تشيع "الطهارة".
.
فالقلم لن يخونني ولن يعارضني وكذلك لن تكذبني صفحاته فانا أكتب واقعا لا خيالا.



يطلق الرجل تنهيدة من صدره ويتحدث عن المرأه التي يحب فيقول:
لطالما قلت لكي أني عشقت فيك الروح قبل الجسد. أني أحببت فيك كل المعاني التي تجسد وجودك الإنساني: اللطف..الرقة.. التضحية.. العطاء.. الوفاء وذلك الهدوء الهائل, الذي يمتص كل صخب الحياة وأوجاعها. فعلا كنتي كغيمة أمطرت وسقت صحراء وجداني وأطفأت لهيب قلبي. غريب والتقى بغريبته. فوجدت الملاذ الذي لطالما كنت تائها عطشا في البحث عنه. ففتحتي لي صدرا الملم فيه أشلاء نفسي الجريحه. فقرت عيني وحالت كل الاشياء جميلة.



حبيبتي..
أنتي أسمى عندي من نزوة عابرة. أنتي وطني أنتي ملاكي أنتي قاموس كل الفضائل. أنتي فوق الحس ومعايير اللذة وستبقين كذلك دائما. في فيافي صدرك ارتمي وأخرج كل أحزاني. صدرك المكان الوحيد الذي أعود فيه طفلا صدرك المكان الوحيد الذي أخرج فيه عن أعراف رجولتي. ففي صدرك أضيع وفي صدرك أبوح ألمي وفي صدرك أبكي حتى يتقطع قلبي أنينا. فإذا سكن قلبي مسحتي دموعي وأخذتي وجهي بين يديك وإلى جنة صدرك مرة أخرى لأنام بسلام. ببساطة عالمي هو بين عينك وعينك الأخرى. أعترف أني كذبت عليك مرات كثيرة وادعيت النوم قبلك. حتى أراقب عيناك الناعستان تغفو فإذا رأيت وجهك الملائكي وقد نام بين يداي شعرت أني أسعد رجل في العالم.




ياعشقي..
لطالما حدثتك انك انتي المعنى الذي ظللت ابحث عنه طول حياتي. انتي الضاله التي لطالما همت ورائها. انتي الروح التي اريد ان امتزج بها أن أأوي إليها كلما أنهكني التعب وحاصرني العناء. ففي كل فرصة حانت لي لا أتردد في إبداء حبي لك فالحياة لا تدوم. وتحققت أسوأ مخاوفي وأخذك الله إليه. وحانت ساعتك. لم أصدق وليغفر الله لي. بكيت كثيرا ولعنت حظي العاثر كثيرا. لبست السواد ورأيت كل شيء أسود مظلم. لا شمس ولا ورد ولا غيوم. حتى المطر الذي عند هطوله يكون كل شيء جميل انقلب وأصبح كئيبا. هاهي جثتك وقد غسلت وكفنت. ممدة في وقار في انتظار الصلاة عليها. ياويلي وانا اتفرس في وجهك الملائكي وكاني أراه للمرة الأولى والدموع تسيل بغزارة على وجهي. مغمضة عيناك في وقار وعلى وجهك سكينة وبسطة ورضاء. تمزق قلبي حزنا وألما بكيت حتى أحرقتني عيناي وخلت أني سأفقد البصر. اختفت جثتك تحت التراب وقلبي ولساني وكل ذرة في جسدي تلهج بالدعاء لكي.
لم أرحل سريعا بعد الدفن بل بقيت أبكي وأدعو لكي وأدعو فأنا عاهدتك على ذلك وسأحفظ وعدي ماحييت.



مرضت ونقص وزني وذبلت فنصحوني الناس بالسفر "وتغيير الجو" ونسيان الماضي.
كيف أنساك وقد تشبعت بك عشقا وملأتي كل جانب من جوانب روحي. كيف أنساك يا من ملكتيني فعرشك بقلبي لم ولن يتزحزح شبرا ولن يأخذ مكانه أحد. مــــحــــال.



ياسيدة القلب..
الآن بعد أن رحلتي. أتذكر أني لطالما حدثتك عن أن الطفل الذي بداخلي لم يكبر. قلت لكي خذيه إليك. وحدثتك أنه نشأ يتيما وعاش جائعا عطشا. حدثتك أني افتقدت حنان الأم والأب. افتقدت من يمسح على رأسي ويشعرني أن الدنيا بأمان. ياويح الطفل بداخلي.. صرخت طويلا طويلا.. والآن بعد أن رحلتي من ينظر في عينيه الزائغتين.. من يأخذ وجهه الصغير بين كفيه.. من يقول له: وش فيك يا بابا وش فيك ياحبيبي؟
ياويح الطفل في داخلي متى يرتاح ويضع رأسه وينام...



ختم الرجل كتابته والدموع تترقرق في عينيه:
أؤمن أني لم أعطيك حقك من الكلمات وأني عجزت أن أصل لمنتهاك فأنتي من الاشياء عديمة الوصف التي لا تحدث إلا مرة بالعمر. وأنا سعيد الحظ فعلا أننا تقابلنا على حب وافترقنا على حب وأنكي كنتي في حياتي وهذا يكفيني..



وأشعل الأوراق فاشتعلت وحالت سوادا رمادا.. فتناثر الرماد مع الريح وكذلك قصة حبه.. وهكذا ضاعت في غياهب الزمن.


بقلمي/سبق النشر


وإلى لقاء آخر كونو بخير