[لوحة بيآض]

منذُ عامين ونصف تقريباً تعرفت عليه في حفل الحديث الصاخب ، الكل ينظر اليها بعين واحدة الـــاه.
أنيقة ،ذات بشرة حنطية ملساء ،يفوح منها العنبر ،كان لقاءاً عابراً ،لكن لم تغب شمسه عن سمائها يوماً،آتارت دهشتها اللامبالاة التي كان يتسم بها ،شدها اليه بنظرة إعجاب
مرت الايام على اول لقاء بينهما ولم يزل صداعه يأكل رأسها ،ذات يوم قررت أن تلوك حكايتها بماء همسه ،لكنها لم تكن تعلم أنها كالذبابة قيدت نفسها بنسيج قلبه.
باتت على ضفاف الانتظار تسكن لا يسترها سوى كوخ وشمعة من أمل ،لكن عجلة اللقاء بطيئة جداً ،حتى أصبحت تحدث نفسها كفراشة مجنونة تطير وسط ياسمين منتحر ،
فجأة!
تطرق أبوابها غيمة في رحمها جنين من مطر يولد بين كفيها ،تنتفض وبخبثٍ ترسم البسمة على جدران شفتيها،بصوت مبحوح تقول:
أيعقل!
تصمت من هول المفاجأة وكأنها شربت بنادول الدهشة ،لساعة من الزمن وقفت دون حراك تقبل أعينهم بعضها ،حتى بدأ المطر بطرق نوافذها،
ثم حدثها بصمت عينيه :
أنتِ تعجبينني ،حاولت مرارا أن أكتب اليكِ على جبين القمر لعلكِ تفهمين ،حاولت أن أكسر كل حواجز الماضي ،أن أردم كل ألم أحيط بكِ وأشل حركة الصيادين في بحرك،
ولكن عفونة الماضي لم تزل رائحتها عالقة بكِ .
بكت بعين القلب ورحلت الى أن يهدأ الفكر لديه .
في كل مرة يلتقون بها كانو يتذكرون أن هناكَ ما يشل أقدام اقترابهما وحين يبتعدان يقتات الشوق من أجسادهما ، لم تكن تعلم أن الوقت لم يحِنْ بعد!
كانت تحبه حبا لا يعرفه البشر ،برغم العواصف المؤلمة التي كانت تعصف بهم إلا أن كل شيئ كان على ما يرام ،الى أن جاءها ذلك اليوم حاملا معه قلادة رحيله عنها التى اهداها اياها مكتوب عليها (مشيئة القدر سوف نفترق) بغباء منها وذكاء منه جرحته ببعض الكلمات دون قصد ، ومن لهيب عشقها أحرقت نفسها بكيروسين الغضب
كان ينتظر تلك الفرصة منها ثم تركها ورحل ....

حاولت الرجوع اليه مرارالكنه كان اقسى من الصخر ،كتبت له رسالتين :
الرسالة الاولى
طفلي المدلل القاطن في غربة السهر ،لطفولتي مهد قذر يسكن ذاكرتي ،كان يرضع الحليب من صدرٍ منتهي،
ويأكل من لحم يديَّ الطري،
كبرتُ وكبرت معي خفافيش الليل بجناحيها تطوي نبضي ،فلم اعد ارتدي القفازات والجوارب الملونة ،أصبحت الان كومبارس لفيلم سينمائي ،
أقشر الوحدة بأسنان مخلعة ،واحاكى الخوف بشفاه مرتعشة ،تكَّسَرَّ رصيف لساني من الجفاف،بللتُ يديَّ بدماء وردة ميتة ،وعلى طاولة خرساء
أغرقتُ أناملي بوحل الندم فأرجو أن تسامحني
لم أعد اسمع صفارة القطارات القادمة باتجاهي،لم أعد اسمع سوى صرخة العشق تمزق أحشائي،
حيث الفراغ أنثر وجعي ،لا العندليب ولا كلثوم يراقصو ألمي ،
حيث مواكب الأموات تسير
أشيع جثمان فرحي
فما زلتَ السر الذي يملئ فراغات صدري
لن أكنس أنفاسكَ الملتصقة بأنف سريري
فلعفونة الماضي قدرة على اختراق جدار أرقي

تركتها ونامت على طاولة مصلوب عليها شموع تبكي من الوجع
وفي صباح اليوم التالي وبعد مواجهة مع سباع الألم تصحو على لدغة الشمس فوق جسدها
تمسك بقلمها وتخط الرسالة الثانية والأخيرة

سيدي الرائع
صباح الامل
صباح الندى فوق أوراق عينيك
صباح النور الساقط فوق أرصفة ليلك
اليوم سأتخلص من صداع الألم الذي كاد أن يفتك بي،سأتناولك حبة بنادول كي أرتاح قليلاً،ربما سأترككَ يوماً تحيي طقوس النبض الذي غاب عن الوعي قليلاً،
ستكون شفتاك اليوم حسائي المفضل،سأرقص أنا وأنت ،وأفتح زجاجة العشق المخمر نرتشف منه حتى نثمل،وفوق أسرة الحزن سأنثر ورود السعادة

تعال سيدي
لنبعد ستائر المساء بأصابع الفجر ونجلس على شرفة الصبح،نحتسي القهوة
نسمع فيروز
ونعانق الندى الخجل فوق ملامحنا
تعال واقتل عقرب الوقت
تعال فقد اشتقتُ اليكْ

ثم تغلقها وتضعها في زجاجة مملوءة بهواء الحنين اليه
وتلقيها الى صدر البحر
ليحتضنها بعمق
ثم تعود مرة أخرى للنوم


أحتاج رأيكم بكل صراحة ربما هناك اخطاء أترك لكم المجال لتصحيحها