[يمامة الوادي]

مساحات وأدوات العصور في كِفة الميزان




إن الناظر في إنجازات القُدماء من عُلماء وأطباء ومهندسين ومخترعين وغيرهم, يجد إبداعاً وتكريساً رائعاً لمجهودهم, بل يجد في بعض الأحيان أن كثيراً منهم قد أبدع في أكثر من مجال, فهذا عالم فلكِ ومُحدث وفقيه و طبيب وغير ذلك,,

فيسعد القلب لذكرى تلك الهمم الطيبة ويستأنس بذكراهم, ولكن من قِلة الفهم وتفاقم العجز, أن ينظر الشخص لهؤلاء الأشخاص أنهم من المُعجزات, أو أنهم مُجرد أشخاص خدمهم ذلك الزمان,,

تلك العصور القديمة تملك من العِلم مالا يُقارن مع العلم الذي توصل إليه البشر في الوقت الحالي, ولهم في ذلك فضل, فهم من وضعوا حجر الأساس لإكتشاف وحَفظ أكثر من علم, والعلم يزداد يوماً بعد يوم لأنه يتراكم على البشرية ويُحفظ, وفي نفس الوقت تزداد مساحة الجهل للبشرية, فيركض البشر من جديد لتغطية هذه المساحة التي لا تُدرك, حتى في حال أن قاموا أهل الأرض جميعاً وتبنوا العلوم والفنون, لأن الخِطاب من رب الأرض والسماء يقول : (( وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ))

لعل في تلك العصور توفرت لهم بعض المساحات التي تخدم إنجازاتهم, كبداية الإكتشافات وقِلة المُلهيات, فتجدهم خاضوا في العلوم بشكل رهيب, وأبدعوا في أكثر من تخصص, وأنجزوا في فترات زمنية قياسية,,

ولكن في عصرنا الحالي مع كثرة المُلهيات ومع كثرة الإكتشافات, إلا أن هُناك عدد من الأدوات التي تواجدت في هذا العصر لتخدم الإنجازات, وتُنجزها في فترة زمنية قياسية,,

ففي السابق من أراد أن يُنجز بحثاً, أو كتاباً, أو غيره, يجد الكثير من الصعوبات, فالخوض في العلوم دون تواجد مرجعية علمية لها تحدي لا يصمد أمامه إلا قليل من أصحاب الهمم المُخلصين, وعلى العكس تماماً في هذا الزمان من أراد أن يُنجز عملاً, فالبحوث والمراجع والعلوم متوفرة بشكل يفيض من كُل مكان, بل أن وسائل البحث والمراجعة أصبحت مُتكاثرة وبأساليب تجعل من الطفل الصغير باحثاً ما إن تمرس عليها,,

لهذا من الظُلم أن ندعي أن القُدماء توفرت لهم المساحات التي تخدمهم في زمانهم, وننسى أنهم من ساعدوا في صنع الأدوات التي تخدمنا لكشف مساحات الإنجاز في هذا الزمن,,


التطور التقني العجيب المتناسب طردياً مع الزمان, يجعلنا نتأمل كثيراً, ونتساءل, أما وُجدت أدوات التقنية وتطورت لتزيد من إنتاجية البشرية ؟ أم أنها وُجدت لتُقلل من ذلك ؟

الجواب الصحيح والطبيعي هو أنها تواجدت لتزيد من إنتاجية البشرية, فالإستخدام الجيد والأمثل لأدوات التقنية تُنتج الكثير بجُهد بسيط وفي وقت قياسي,,

ولكن للأسف أن الإستخدام السيء للأدوات المُفيد منها والغير مُفيد, يؤدي إلى نتيجة سلبية ولا شك, فهناك شريحة كبيرة لا تستخدم من أدوات التقنية إلا الرديء منها, وشريحة أخرى تستخدم الجيد من أدوات التقنية, ولكن بسلبية, فما كان من التقنية إلا أن استعبدتهم وصاروا عبيداً لها و مع الأسف مُستَهلَكين ,,

كُل ما علينا في زمن تكاثرت فيه الإختراعات, وتطورت فيه الصناعات, وتكدست عليه المُلهيات, التوقف وبحكمة على كُل أداة وطرح عدداً من الأسئلة التي توضح مدى الفائدة المرجوة من إستخدام بعض الأدوات, وبعد التعرف على الإجابة نُحدد مدى إحتياجنا لهذه الأدوات, فالبعض منها يُساعد على توفير الوقت, والبعض منها يُساعد على الإنجاز, والبعض منها لا يُساعد على شيء بل مضيعة للوقت, وتسفيه للعقل,ومن ثُم لابد الإستهلاك الأمثل للأدوات العامة ومن ثم التخصص الدقيق للأدوات الخاصة والتعاون الكبير بين الأفراد, لأن زمن الإنجازات الفردية قد إنتهى وحان وقت التخصص والتعاون في نفس الوقت, بعد ذلك نحقق من الإنجاز الكثير ونحمي أنفسنا من شلل العصر الحالي, الذي وللأسف أصاب من الجيل الكثير,,

إذاً يجب الإعتراف, بأن مساحة الإنجاز المرجوة لم تضيق أو تُغيب في هذا الزمان, إلا أننا بحاجة لإستخدام الأدوات المتوفرة بحكمة وعقل وتعاون, وستتوفر لنا مساحات للإنجاز أكبر وأدوات أكثر تكون إنجازاً في الوقت الحالي,وذخراً لحُكماء وصفوة الجيل القادم,,

والحمد لله رب العالمين,,

أخوكم العَبد المُقصر الفَقير المُهندس بن فقيه