[يمامة الوادي]

المعصية والفقر بقلم د. عمر عبد الكافي

تثار تساؤلات حول سبب انعدام البركة في الأموال والأولاد والوقت، فهل يرتبط ذلك بالمعصية أم لا؟ وهل توجد علاقة بين المعصية والفقر أم لا؟





إن تعريف الفقر في مفهوم الإسلام والإيمان يختلف عن تعريفه عند الناس، حيث أن الفقر عند الناس هو ضيق اليد، وقلة الموارد، وضيق الحال، وعدم وجود المال. أما الفقر في المفهوم الإيماني هو فقر القلوب، لأن الغنى غنى النفس وإذا سعى الإنسان للآخرة يسر الله له أمره وإذا أصبحت الدنيا هى كل تركيزه فإن الله يجعل فقره بين عينيه والإنسان يجب أن يعتبر ويتخذ قدوة من الرسول صلى الله عليه وسلم حيث كان أغنى الناس لأن كان له خمس الغنائم ولكنه كان يوزعها جميعا وربما لا يبقى لبيته شيئا، ولكنه كان أغنى الناس بما له عند الله سبحانه وتعالى.
ولقد دخل في الإسلام أصحاب الملايين كما دخل الفقراء فلقد جمع الإسلام بين الأغنياء مثل عبد الرحمن بن عوف صاحب الأموال الطائلة، وسعد بن أبى وقاص، وعثمان بن عفان، وأبو بكر الصديق. كما جمع الفقراء مثل بلال بن رباح، وعمار بن ياسر، وعبد الله بن أم مكتوم، وأبى الدرداء ولكن أحداً لم يلاحظ أي تأثير لمسألة الفقر والغنى بينهم، حيث كان الغنى الشاكر منهم شاكر لفضل كما كان الفقير صابر لقضاء ربه، ورأينا كلاهما قد أقاما دين الله سبحانه وتعالى.
فأنا أرى والله أعلم أن ارتباط الفقر بالمعصية يتمثل في نزع البركة من أموال العاصي حتى وإن كان يملك أموالا طائلة، فعندما يكثر الإنسان من المعاصي فإن الله عز وجل يفقره حتى لو كان كثير المال من خلال نزع البركة من المال، والأولاد، والوقت، والزوجة، والزوج، والعمل أيضاً. فلقد نزعت البركة من هذا الإنسان لأنه بالمعنى الإيماني فقير. ومن أراد الغنى فالقناعة تكفيه. فكما يقول الشاعر العرب:
ولست أرى السعادة جمع مال ولكن التقيَّ هو السعيد
ــــــــــــــــــــ
تعليق بقلم عبد الدائم الكحيل
هذه نفحة إيمانية يطل بها علينا الداعية الدكتور عمر عبد الكافي، وقد وجدتُ أنه من الفائدة أن أعلق على هذه الخاطرة الإيمانية، لأن العلم اكتشف أشياء جديدة تتعلق بنقصان الرزق نتيجة كثرة المعاصي.
ولعله من المفيد أن أستشهد بنموذج وهو ثاني أغنى رجل في العالم وهو "وارن بافيت" والذي قرر أن يتبرع بأكثر من 80 % من ثروته لأعمال خيرية، فقد قرر هذا الملياردير أن يتصدق بـ 31 ألف مليون دولار، لأنه وصل إلى نتيجة وهي أن الأموال يجب أن توظف لإعانة الفقراء!!
ولو بحثنا عن أغنى رجل في العالم لوجدناه "بيل غيتس" والذي بلغ رأسمال شركته ذات يوم أكثر من مئة ألف مليون دولار، وهي شركة مايكروسوفت، وهذا الرجل يتمتع بحب كبير لفعل الخير، حتى أنه أسس شركة ضخمة جداً لمساعدة الفقراء!!
فإذا ما حلَّلنا شخصية هذين الرجلين نلاحظ وجود ميول قوي لديهما لفعل الخير ومساعدة الفقراء، ولذلك وبسبب هذه النظرة تمكن كل منهما من جمع ثرة ضخمة في زمن قصير. فإذا كان من لديه هذا الميول قد رزقه الله الرزق الكثير وهو من غير المؤمنين، فكيف بإنسان يقول (لا إله إلا الله)، أيعجز هذا الإله العظيم أن يرزقه وهو أكرم الأكرمين!
وقد لفت انتباهي أن الرزق تكرر في القرآن في أكثر من مئة آية، وفي جميع الآيات لم يرتبط الرزق أبداً بالعمل، بل ارتبط بالتقوى والعمل الصالح، يقول تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) [الطلاق: 2-3]. وارتبط كذلك هذا الرزق بمشيئة الله تعالى، يقول تعالى: (اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ) [الرعد: 26].
نسأل الله تعالى أن يكون رزقنا في الآخرة، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.