[يمامة الوادي]

رسالة معطرة
عبد الرحمن حسان



كتبت لها قبل أكثر من عشرين عاماً أول رسالة، اخترت فيها نوع الورق بعناية فائقة؛ لأنني اعتقد أن الرسالة شاملة، وأن الورقة جزء من الرسالة، كما تخيرت الظرف بحرفية عالية لتعبر عن ذوق رفيع.

كما تخيرت قلم تروبن (ماركة مشهورة في ذلك الزمن البعيد) والغريب أنني اخترت قلما أبيض اللون لا أدري لماذا؟ ولكن أعجبني اللون الأبيض وربما لأنني رأيتها في ثوب أبيض أول مرة، فالنساء يفضلن اللون الأبيض في ذلك الزمن البهي.

لم أستطع اختيار لون الحبر! فالحبر كان لونه أزرق، ولأنني أحب اللون الأزرق فلم أحفل بتغييره، أما الكلمات فقد وقفت أمامها كثيراً كأنني أتخير تناسق الألوان لزهرية جميلة، وعلى الرغم من أنني لم أعطر الرسالة كما يفعل العذارى أيام زمان .. ولكن كانت للرسالة عطرها المميز ربما أخذت شيئا من روائح الكلمات التي سطرتها.

لم تتوقف الرسائل بيننا أيام الخطبة، وكذلك بعد الزواج ولكنني لم أعد أستعمل الورق والأظرف أو أتخير الكلمات، ولكني فتحت شرياني ليسيل معها مداد كلماتي ومن يومها استغنيت عن الورقة؛ لأنني اكتشفت أن فتح الشريان لمن تحب هو أسرع وسيلة لنقل الخطابات كما أنها تحتفظ بكامل عطرها وصادق تعبيرها.

إن الصدق والأمانة صفتان مهمتان، فهما يقومان مقام مشرط الطبيب في إيصال قلبين، ويفتح الشريان بين القلبين فتتدفق كل المشاعر بسهولة ويسر ولا تحتاج للخطابات والطوابع البريدية، كما أنك لن تحتاج إلي أي من وسائل الاتصال، فقط اصدق القول، ولا تخن الأمانة حتى يستمر الشريان في التدفق، وهو يحمل همسات القلب إلى قلب من تريد.

كما أن التواصل يحتاج إلي قيمة أخلاقية يتفق فيها الطرفان، فقد صدق نبينا عليه الصلاة والسلام حين قال: "فاظفر بذات الدين تربت يداك" متفق على صحته.