[demah2016]

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قوة الذاكرة شيء والذكاء شيء آخر..

كيف تعمل الذاكرة؟ وفي أي قسم من الدماغ تتركز؟ ثم كيف تتذكر ولماذا تنسى؟.. تلتقي بصديق قديم، وتجاهد في تذكر اسمه دون جدوى، في حين أن هذا الصديق كان يهاتفك من أسبوع، وقد تستطرد في حديث مع أحد، وفجأة تنسى في لحظة خاطفة موضوع الحديث، وينقطع خيطه على لسانك، وتسأل الآخر أو الآخرين الذين تتحدث معهم: في أي شيء كنا نتحدث؟... وقد تذهب إلى أحد المحال التجارية، وعندما تواجه البائع تكتشف إنك نسيت ما تريد شراؤه.

قد يظن البعض أن هذه الأشياء التي تحدث لذاكرته غير طبيعية، ولكن الحقيقة أنها أصبحت طبيعية جدا، وتصيب الآن أي فرد من حين لآخر سواء كان رجلا أم امرأة.

السبب النفسي لفقدان الذاكرة المؤقت

وعند علماء النفس أسباب يعرفونها لفقد الذاكرة المؤقت في كل حالة على حدة.

* فقدان الذاكرة أو النسيان مثلا حول أسماء بعض الأشخاص، أو الأماكن تكون عبارة عن ستار يخفي خلفه أشياء لا يريد الإنسان أن يتذكرها، أو يرفض عقله الباطن تذكرها، أو يكون الاسم أو المكان مرتبطا بأحداث غير سارة في حياته، وتلقائيا ينسى الإنسان اسم صديقه أو تنسى الصديقة اسم صديقتها، أو حتى اسم المكان الذي يوجد أو توجد به.

* وقد تنسى المرأة اسم شخص عزيز معروف لها جدا، والسبب عند علماء النفس هو أن هذا الشخص قد يكون بينه وبين شخص آخر لا تحبه المرأة شبه كبير، في هذه الحالة يتدخل العقل الباطن، ويرفض تذكر اسم هذا الشخص الذي يذكرها بالشخص الذي تكرهه، والرجال أيضا يفعلون ذلك!.

* أما حالة فقد الذاكرة حول رقم هاتف، أو عنوان منزل أو موعد فإن كل علماء النفس يؤكدون أن هذه الحالات لا تحدث غالبا مع أناس نحبهم بإخلاص لذاتهم، العكس هو الصحيح.

القلق والعصبية

* والقلق والعصبية لهما نفس التأثير في الفقدان المؤقت للذاكرة أو (النسيان)، فقد يكون الطالب مستوعبا لدروسه جيدا حافظا لمفرداتها، وعندما يجلس أمام ورقة الامتحان يشعر وكأنه لا يعرف شيئا عن هذه الدروس، ويبقى لذلك فترة ثم يبدأ في التذكر، أو يتذكرها بعد أن تنتهي المدة المحددة للامتحان، تماما مثلما ينسى الممثل في أول مرة يقابل فيها الجمهور كل ما أمضى الليالي في حفظه من النصوص المسرحية التي يقوم ببطولتها حتى يسعفه (الملقن) بما يقوله..

المشاكل الخاصة

* والمشاكل الخاصة بكل فرد لها قدرة هائلة على فقده للذاكرة في فترات متباعدة حول موضوعات مختلفة.

رأي الأطباء في النسيان

فما هو رأي الأطباء البشريين من غير علماء النفس؟

عندهم - هم الآخرون - أسباب صحية، وجسمية للنسيان أو فقدان الذاكرة غير تلك التي يسردها علماء النفس، أو هي مكملة لها مثل:

الإجهاد الذهني والجسماني

فالجهد الذهني أو الجسماني غير العادي، وبشكل متصل قد لا يسمح لخلايا المخ أن تؤدي وظيفتها كما يجب، فتحدث حالة النسيان، أو فقدان الذاكرة حول موضوع ما في لحظة من اللحظات والدليل على ذلك.. أن الإنسان - بعد نوم ليلة هادئة - قد يتذكر في الصباح ما فشل تماما في تذكره في المساء، عندما كان يعاني من الإرهاق.

* وبخلاف الإجهاد هناك عدم حصول المخ على غذاءه الكافي من الأكسجين والدم بسبب التلوث أو الهواء غير المتجدد، أو الغذاء غير الكافي، أو غير المناسب، فالمخ أيضا له غذائه ويتأثر من نقص الغذاء مثله مثل باقي أعضاء الجسم، فالطعام المتوازن كما يفيد الجسم يفيد المخ أيضا.

* ومن المؤكد أيضا كما يقولون أن الأشخاص الذين يعانون من عسر الهضم هم الأكثر تأثرا، فعسر الهضم هو سبب من أسباب عدم القدرة على انتظام التفكير، أو ترتيب الأفكار. إن محاولة إعادة الانتظام في عمليات الهضم تؤدي تلقائيا إلى عودة الانتظام إلى عمليات التفكير، ومنها التذكر، وكلها أسباب من السهل تداركها. وهناك أسباب أخرى منها الضوضاء التي تضغط على الأعصاب وتوترها، أو عدم الاستماع أو الإنصات الجيد للمعلومة التي تقال...الخ.

آلية عمل الذاكرة

وحتى نتجنب (مطبات) النسيان أو حفرة العميقة علينا أن نتعرف على آلية عمل الذاكرة، فإن أولى درجات التذكر أن نعرف كيف تعمل الذاكرة.

الذاكرة الحركية

والذاكرة الحركية أو التذكر الحركي لا يغيب عنا ولا ننساه أبدا إلا في حالة فقدان الذاكرة المرضى. وبهذا الخصوص يقول الفيلسوف هذى برجسون : ليست معرفة الشيء العادي سوى القدرة على استعماله، والقيام بالحركات الضرورية للانتفاع به.

فمثلا قيادتك لسيارتك، واستعمالك لأجزاء قيادتها هو ما لا يمكن أن تنساه، فالمدركات الحركية الحسية عند القيادة واحدة، ولكنها تختلف من شخص لآخر حسب تركيزه لهذه المدركات، وذلك لأن كل الصور الذهنية مصحوبة بداية بانعكاس حركي.

ترابط الذكريات

وثاني درجات المعرفة أو التذكر هو الشعور بأن هذا الشيء الذي تراه ليس حديثا بالنسبة لك، فقد تشعر عند رؤية بعض الأشخاص بتدافع بعض الذكريات إلى ذهنك، فربما ذكرك هذا الشخص بموقف حميم أو بصورة جميلة، أو مكان محبب إليك، أو تتدافع إلى ذهنك بعض الذكريات أيضا عند سماعك لبعض الأغاني أو الموسيقى، أو رؤيتك لمشهد مؤثر في فيلم أو مسرحية، أو رأيته في الشارع مثلا، وهذا الشعور يختلف بالطبع عن الذكريات الحركية لأنه مصحوب بكثير من التصورات والانفعالات المضافة إلى الحوادث السابقة، والذكريات المتراكمة في الذهن، فإذا أيقظ الإحساس شعورنا بالماضي خطرت لنفوسنا على أثره طائفة من التصورات، والانفعالات المضافة إليه والمقصود بذلك ربط المعلومات المكتسبة بعضها ببعض للخروج بنتائج محددة تفيدنا في حياتنا الحالية، والمستقبلية.

التذكر العقلي

وثالث درجات التذكر هو التذكر العقلي، وربط الأبعاد الزمنية، ولولا شعورنا بهويتنا وباتصال أحوالنا النفسية بعضها ببعض، لما أدركنا معنى التغير، ولا فرقنا بين الماضي والحاضر، فالماضي الذي تنتمي إليه الذكريات ليس ماضيا مجردا أو مطلقا، وإنما هو ماضي مدرك، ومسجل، فأنت إذا تذكرت أمرا من الأمور، وجدت نفسك فيه، ورأيت بعده الزمني، وبعده المكاني، ولذلك قال العالم النفساني روية بولارد لا يتذكر الإنسان شيئا بل يتذكر نفسه في الأشياء