[يمامة الوادي]

ثانياً/ السير سير القلب..
ليس الاعتبار في سباقنا بكم أعمال البر فحسب..وإنما الاعتبار بلين القلوب وتقواها وتطهيرها من الآثام..
سير الدنيا يقطع بسير الأبدان.وسير الآخرة يقطع بسير القلوب..
جاء رجل إلى الزاهد أبي علي الدقاق .يشتاق إلى مواعظه فقال: قد قطعتُ إليك

مسافة ..فقال: ((ليس هذا الأمر بقطع المسافات ..فارق نفسك بخطوة..يوصلك إلى

مقصودك..))

انظر معي إلى قاتل المائة نفس..( فهذا رجل لما مشى بقلبه إلى الله حُسبت له الخطوة

الواحدة بل الشبر الواحد ..ولو انه طوّف بقدميه ..ولم يكن له ذلك القلب لكان كالعظام

المحمولة في نعشه..قبرها في المشرق هو قبرها في المغرب..وليس لها من الأرض ..ولا

للأرض منها إلا معنى واحد لا يتغير ..هو انه بجملته ميت..وأنها بجملتها حفرة)..

سير القلوب ابلغ من سير الأبدان ..كم من واصل ببدنه إلى البيت.وقلبه منقطع عن رب

البيت..؟وكم من قاعد على فراشه في بيته وقلبه متصل بالملأ الأعلى..

جسمي معي غير أن الروح عندكم...فالجسم في غربة والروح في وطنِ..

( فإن الأعمال لا تتفاضل بصورها وعددها ..وإنما تتفاضل بتفاضل ما في القلوب..فتكون

صورة العمل واحدة وبينهما في التفاضل كما بين السماء والأرض)..

قال صلى الله عليه وسلم: ( إن أكثر شهداء أمتي أصحاب الفرش..ورب قتيل بين الصفين الله

اعلم بنيته)..

سبحان الله!!

الشهادة: بلغها متسابق بقلبه مع موته على فراشه..وما نالها من فُصل رأسه عن جسده في

ميدان القتال..

فمن الذي رفع هذا ووضع ذاك؟؟

إنه سير القلب..

عبد الله بن ثابت كان من ((أصحاب الفرش))لما مات قالت ابنته: والله إن كنت لأرجو أن تكون

شهيداً..فإنك كنت قد أتممت جهازك(( أتممت ما تحتاج إليه في سفرك للغزو)) فقال رسول

الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله أوقع أجره على قدر نيته)..

أما قزمان الظفري فكان ( قتيل بين الصفين) خرج قزمان مع النبي صلى الله عليه وسلم في

غزوة احد فأبلى بلاء حسناً..وكان لا يدع للكفار شاذة ولا فاذة إلا اتبعها يضربها

بسيفه..حتى قال بعض الصحابة: ما أجزأ منا اليوم احد كما أجزأ فلان..فقال النبي صلى

الله عليه وسلم: ( انه من أهل لنار)..فتتبعه صحابي آخر فرآه قد أصيب فهنأه بالشهادة

وبشره فقال: بم تبشرون؟؟ والله ما قاتلت إلا عن أحساب قومي..ولولا ذلك ما قاتلت..ثم

اخرج سهماً من كنانته فقتل به نفسه..فمات كافراً..

** حديث للحفظ**

لأهمية سير القلب وضع النبي صلى الله عليه وسلم هذا العنوان وقال: ( وأحدثكم حديثاً

فاحفظوه: إنما الدنيا لأربع:

عبد رزقه الله مالاً وعلماً فهو يتقي فيه ربه..ويصل فيه رحمه..ويعلم لله فيه حقاً..فهذا

بأفضل المنازل..وعبد رزقه الله علماً ولم يرزقه مالاً فهو صادق النية يقول: لو أن لي مالاً

لعلمت بعمل فلان فهو بنيته..فأجرهما سواء......)

سير القلب هو سير أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذوي الأعذار في غزوة تبوك

الذين قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن بالمدينة أقوما ما سرتم مسيراً ولا أنفقتم

من نفقة..ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم فيه وهم بالمدينة..حبسهم العذر)..

يا سائرين إلى البيت العتيق لقد...سرتم جسوماً وسرنا نحن أرواحا

إنا أقمنا على عذر وقـــد رحلوا...ومن أقام على عذر فـــــقد راحا..

فلا تكونن..( في غفلة عن هذا الإكسير الكيماوي الذي إذا وضع منه مثقال ذرة على قناطير

من نحاس الأعمال قلبها ذهبا)..

****************
خالد أبو شادي..