[الاندلسي]

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،

فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في الوضوء

كان صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة في غالب الأحيان، وربما يصلي جميع الصلوات بوضوء واحد

وكان يحذر أمته من الإسراف في الماء، وأخبر أنه يكون في أمته من يعتدي في الطهور.

وصح عنه أنه توضأ مره مره، ومرتين مرتين، وثلاثا ثلاثا، وفي بعض الأعضاء مرتين، وبعضها ثلاثا.

وكان يتمضمض، وورد في "الصحيحين" من حديث عبد الله بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "تمضمض واستنشق من كف واحدة، فعل ذلك ثلاثا" وفي لفظ: "تمضمض واستنثر بثلاث غرف".

وكان يستنشق بيده اليمنى ويستنثر باليسرى، وكان يمسح رأسه كله.

وكان يغسل رجليه إذا لم يكونا في خفين ولا جوربين، ويمسح عليهما إذا كانا في خفين أو جوربين.

وكان يمسح أذنيه مع رأسه، وكان يمسح ظاهرهما وباطنهما، ولم يثبن عنه أنه أخذ لهما ماء جديدا، وإنما صح ذلك عن ابن عمر، ولم يحفظ عنه أنه كان يقول على وضوئه شيئا غير التسمية، وكل حديث في أذكار الوضوء الذي يقال عليه فهو كدب مختلق، لم يقل رسول الله شيئا منه، ولا ثبت عنه غير التسمية في أوله، وقوله "أشهد أ، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين" في آخره، صحيح : الترمذي ، الألباني

وفي حديث آخر في "سنن النسائي" مما يقال بعد الوضوء أيضا: "سبحنك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك" ابن السني في عمل اليوم والليلة

ولم يثبت عنه تجاوز المرفقين والكعبين، وحديث أبي هريرة في صفة وضوء النبي إنما يدل على إدخال المرفقين والكعبين في الوضوء، ولا يدل على مسألة الإطالة.

ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتاد تنشيف أعضائه بعد الوضوء، ولا صح عنه في ذلك حديث البتة، بل الذي صح عنه خلاف ذلك.

وأما حديث عائشة حديث معاذ بن جبل فضعيفان لا يحتج بمثلهما.

ولم يكن يواظب علا تخليل لحيته أو تخليل أصابعه.



فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في المسح على الخفين

صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه مسح على الخفين في الحضر والسفر، ولم ينسخ حتى توفي، وكان سميح ظاهر الخفين، ولم يصح عنه مسح أسفلهما إلا في حديث منقطع.

ولم يكن يتكلف ضد حاله التي عليها قدماه، بل إن كانتا في الخف مسج عليهما، ولم يترعهما، وإن كانتا مكشوفتين، غسل القدمين ولم يلبس الخف ليمسح عليه، وهذا أعدل الأقوال في مسألة الأفضل في المسح والغسل.



فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في التيمم

كان صلى الله عليه وسلم يتيمم بضربه واحده للوجه والكفين، ولا إلى المرفقين

قال الإمام أحمد: من قال إن التيمم إلى المرفقين، فإنما هو شيء زاد من عنده.

وكذلك كان يتيمم من الأرض التي يصلي عليها، ترابا كانت أو سبخة أو رملا.

وصح عنه أنع قال: "حيثما أدركت رجلا من أمتي الصلاة، فعنده مسجده وطهوره" صحيح: أحمد ، الألباني

ولم يصح عنه التيمم لكل صلاة، ولا أمر به، بل أطلق التيمم، وجعله قائما مقام الوضوء. وهذا يقتضي أن يكون حكمه حكمه، إلا فيما أقتضى الدليل خلافه.



فصل : في هديه صلى الله عليه وسلم في الصلاة

كان r إذا قام إلى الصلاة قال: "الله أكبر" ولم يقل شيئا قبلها ولا تلفظ بالنية، ولا قال : أصلي لله صلاة كذا نستقبل القبلة أربع ركعات إماما أو مأموما، ولا قال أداء ولا قضاء، ولا فرض الوقت، وهذه عشر بدع لم ينقل عن أحد قط بإسناد صحيح ولا ضعيف ولا مسند ولا مرسل لفظة واحده منها البتة، ولا استحسنه أحد من التابعين ولا الأئمة الأربعة، وإنما غر بعض المتأخرين قول الشافعي : إنها ليست كالصيام، ولا يدخل أحد فيها إلا بذكر، فظن أن الذكر تلفظ المصلي بالنية، إنما أراد الشافعي بالذكر: تكبيرة الإحرام ليس إلا.

وكان دأبه في إحرامه لفظة "الله أكبر" لا غيرها، ولم ينقل أحد عنه سواها.

وكان يرفع يديه معها ممدودة الأصابع، مستقبلا بها القبلة إلى فروع أذنيه، ثم يضع اليمنى على اليسرى.

وكان يستفتح تارة ب: " اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالمَاءِ وَالثَّلْج وَالبَرَدِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنَ الذُّنُوبِ وَالخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ" صحيح : البخاري، مسلم

وتارة يقول: " وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً مُسلِماً وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ، إنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَماتِي للَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ، لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَبِذلِكَ أُمِرْتُ، وَأَنَا أَوَّلُ المُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ أَنْتَ المَلِكُ، لاَ إلهَ إِلاَّ أَنْتَ، أَنْتَ رَبِّي، وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي، وَاغتَرَفتُ بِذَنْبِي، فَاغْفِر لِي ذُنُوبِي جَمِيعَهَا، إِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ، وَاهدِنِي لأَحْسَنِ الأَخلاَق لاَ يَهْدِي لأِحْسَنِهَا إِلاَّ أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّىءَ الأَخْلاَقِ، لاَ يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَها إِلاَّ أَنْتَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ كُلٌ بِيَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ، أَنَا بِكَ وَإِلَيكَ تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ" صحيح : مسلم

وتارة يقول: " اللَّهُمَّ رَبَّ جبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السماوَاتِ وَالأَرْضِ، عَالِمَ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِني لِمَا اخْتُلِفَ فِيه مِنَ الحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صرَاطٍ مُسْتَقِيم " صحيح : مسلم

وروى عنه أنه كان يستفتح ب: " سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك" صحيح : مسلم وذكر ذلك عن أهل السنن من حديث على بن على الرفاعي، وقد روى مثله من حديث عائشة رضي الله عنها.

والأحاديث التي قبله أثبت منه، ولكن صح عن عمر بن الخطاب t أنه كان يستفتح به في مقام النبي ويجهر به، ويعلمه الناس وقال الإمام أحمد : أما أنا فأذهب إلى ما روى عن عمر، ولو أن رجلا استفتح ببعض ما روى عن النبي من الاستفتاح كان حسنا.

وإنما اختار الإمام أحمد هذا لعشرة أوجه، منها:

جهر عمر به يعلمه الصحابة
1. اشتماله على أفضل الكلام بعد القرآن، فإن أفضل الكلام بعد القرآن، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، وقد تضمنها هذا الاستفتاح مع تكبيرة الإحرام.
2. أنه استفتاح أخلص للثناء على الله، وغيره متضمن للدعاء، والثناء أفضل من الدعاء، ولهذا كانت سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن، لأنها أخلصت لوصف الرحمن، والثناء عليه.
3. أن غيره من الاستفتاح عامتها إنما هي في قيام الليل في النافلة، وهذا كان عمر يفعله، ويعلمه الناس في الفرض.
4. أن هذا الاستفتاح إنشاء للثناء على الرب تعالى، متضمن للإخبار عن صفات كماله، ونعوت جلاله، والاستفتاح ب "وجهت وجهي" إخبار عن عبودية العبد، وبينهما من الفرق ما بينهما.
5. أن من أختار الاستفتاح ب "وجهت وجهي" لا يكمله، وإنما يأخذ بقطعة من الحديث، ويذر باقية، بخلاف الاستفتاح ب "سبحان اللهم وبحمدك" فإنه من ذهب إليه يقوله كله حتى آخره.


وكان يقول بعد ذلك : "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" صحيح : البخاري ثم يقرأ الفاتحة، وكان يجهر ب "بسم الله الرحمن الرحيم" تارة، ويخفيها أكثر مما يجهر بها. ولا ريب أنه لم يكن يجهر بها دائما في كل يوم وليلة خمس مرات أبدا، حضرا وسفرا.

وكانت قراءته مدا، يقف عند كل آية، ويمد بها صوته.

فإذا فرغ من قراءة الفاتحة، قال: آمين فإن كان يجهر بالقراءة، رفع بها صوته، وقالها من خلفه.

وكان له سكتتان، سكته بين التكبير والقراءة

فإذا فرغ من الفاتحة، أخذ في سورة غيرها، وكان يطيلها تارة، ويخففها لعارض من سفر أو غيره، ويتوسط فيها غالبا

فصل

وكان صلى الله عليه وسلم لا يعين سورة في الصلاة لا يقرأ إلا بها إلا في الجمعة والعيدين، وأما في سائر الصلوات، فقد ذكر أبو داود من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أنه قال: ما من المفصل سورة صغيرة ولا كبيرة إلا وقد سمعت رسول الله r يؤم الناس بها في الصلاة المكتوبة.



وكان من هديه قراءة السور كاملة، وربما قرأها في الركعتين، وربما قرأ أول السورة. وأما قراءة أواخر السور وأوساطها، فلم يحفظ عنه. وأما قراءة السورتين في ركعة، فكان يفعله في النافلة، وأما في الفرض فلم يحفظ عنه.

فصل

وكان صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من القراءة، سكت بقدر ما يتراد به نفسه، ثم رفع يديه وكبر راكعا، ووضع كفيه على ركبتيه كالقابض عليهما، ووتر يديه، فنحاهما عن جنبيه وبسط ظهره ومده، واعتدل ولم ينصب رأسه، ولم يخفضه، بل يجعله حيال ظهره معادلا له.

وكان يقول : "سبحان ربي العظيم" صحيح : مسلم ، وتارة يقول مع ذلك أو كقتصرا عليه: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي" صحيح البخاري، ومسلم

وكان ركوعه المعتاد مقدار عشر تسبيحات، وسجوده كذلك.

ويدل عليه حديث أنس الذي رواه أهل السنن أنه قال: ما صليت وراء أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أشبه صلاه برسول الله إلا هذا الفتى – يعني عمر بن عبد العزيز -، قال: فحرزنا في ركوعه عشر تسبيحات، وفي سجوده عشر تسبيحات.



وكان يقول أيضا في ركوعه "سبوح قدوس رب الملائكة والروح" صحيح : مسلم. وتارة يقول: "اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، خشع لم سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي" صحيح : مسلم . وهذا إنما حفظ عنه في قيام الليل.



ثم كان يرفع رأسه بعد ذلك قائلا: "سمع الله لمن حمده" صحيح : أبو داود ، الألباني ويرفع يديه كما تقدم

وروي رفع اليدين عنه في هذه المواطن الثلاثة نحو من ثلاثين نفسا، واتفق على روايتها العشرة ولم يثبت عنه خلاف ذلك البتة.



وكان دائما يقيم صلبه إذا رفع من الركوع، وبين السجدتين، ويقول: "لا تجزئ صلاة لا يقيم فيها الرجل صلبه في الركوع والسجود" صحيح : ابن خزيمة، الألباني



وكان إذا استوي قائما، قال: "ربنا و لك الحمد" وربما قال: "ربنا لك الحمد" وربما قال: "اللهم ربنا لك الحمد" صح ذلك عنه.

وكان من هديه صلى الله عليه وسلم إطالة هذا الركن بقدر الركوع والسجود، فصح عنه أنه كان يقول: "سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد، ملء السماوات، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد : لا مانع لما أعطيت، ولا معطى لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد" صحيح : مسلم

وصح عنه أنه كان يقول فيه: " اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد، ونقني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب" صحيح : مسلم

وصح عنه أنه كرر فيه قوله: "لربى الحمد، لربى الحمد" حتى كان بمقدار الركوع صحيح : أبو داود، الألباني



فهذا هديه المعلوم الذي لا معارض له بوجه.

منقووووووووووووووووووووول