[أم نورة 73]

a7

إن الحمد لله نحمده ونستعين به ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم وبعد :
فإن أفضل الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي النبي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار :
.إن أيا من هذه المناهج الدنيوية لا تحقق المعادلة الكاملة للنجاح والسعادة الحقيقية لأنها تتبع مصدرا علمانيا دنيويا لا ديني وكلا منها يغفل بشكل كلي أو جزئي كبير عن ذكر الله تعالى وأن الله تعالى هو الأساس الذي يجب أن يبنى عليه أي منهج صحيح وأن السعادة الحقيقية هي بطلب ما عند الله سبحانه في الأخرة والسعي الحثيث المتواصل لرضاه عز وجل والفوز بالجنة "فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور"
لقد جاء المنهج الإلهي ليجيب ببساطة فطرية عن السؤالين المركوز فيهما ما الهدف من حياتي وأين السعادة الحقيقية؟؟؟ فالهدف أن تعرف الله وان تعبده وأن تتخطى العقبات والصعاب التي في طريق حتى تحقق الهدف من وجودك
قال تعالى "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ,ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون ,إن الله هو الرزاق ذو القوة متين"فالله قد ضمن لك الرزق حتى تؤدي ما عليك من عبادة وتحقق الهدف المنشود في هذه الدنيا وبذلك تنال السعادة الحقيقية فيها وتعقبها أيضا سعادة الآخرة وذلك باتباع الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وتخطي النار وما حفت به من الشهوات والوصول إلى الفردوس الأعلى
فأصل السعادة الحقيقية هي طلب مرضاة الله عز وجل والقبول والتسليم ما عند لله عز وجل لكي نحظى بهذه السعادة علينا أن نقوم بمقوماتها ومنها إعطاء حق الله سبحانه في الفرائض التي فرضها علينا والنوافل أيضا ومنها:
الصلاة وحضور القلب فيها :فقد قال صلى الله عليه وسلم" جعلت قرة عيني في الصلاة " صحيح أخرجه النسائي فمن جعلت قرة عينه في الصلاة فكيف تقر عينه بدونها وكيف يطيق الصبر عنها فصلاة هذا الحاضر بقلبه الذي قرة عينه في الصلاة هي التي تصعد ولها نور وبرهان حتى يستقل بها الرحمن عز وجل فتقول "حفظك الله كما حفظتني"
وأما صلاة المفرط المضيع لحقوقها وحدودها وخشوعها فإنها تلف كما يلف الثوب الخلق ويضرب بها وجه صاحبها وتقول" ضيعك الله كما ضيعتني"فشتان بين هذا وذاك
ومنها أيضا قيام الليل التي هي شرف للمؤمن فهي عبادة عظيمة وقربى جليلة وشريعة ربانية وسنة نبوية ومدرسة إيمانية يجد فيها العابد القائم في آخر الليل لذة وسعادة عظيمة وخشوع كبير
فقرب الله عز وجل من عبده الذاكر في جوف الليل الأخير هو غاية الأماني ونهاية الآمال وقرة العيون وحياة القلوب وسعادة العبد كلها فعن عمرو بن عبسة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الأخير فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن" صحيح رواه الترمذي
فطوبى لمن كان الله قريب منه في هذه اللحظات وهنيئا له بهذه السعادة عند علمه ويقينه أن الله ملتفت إليه يسمع تضرعه وشكواه وتذلله فهي ساعة إجابة للدعاء كما قال الني صلى الله عليه وسلم "عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم وهو قربة إلى ربكم ومكفرة للسيئات ومنهاة للإثم"حسن رواه الترمذي
وإنما ذكرت الصلاة كمثال فقط يطبق في جميع أنواع العبادات فالصيام والصدقة والعمرة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها ممن أتاها وهو محتسب ما عند الله من نعيم غير مراء نال سعادة الدنيا والآخرة
ولا نغفل أيضا عن امر مهم وهو الرضا والتسليم والصبر على الإبتلاء والقدر بأنواعه فقد قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد " فلو لا أنه سبحانه يداوي عباده بأدوية المحن والابتلاء لطغوا وبغوا وعتوا والله سبحانه إذا أراد بعبد خيرا سقاه دواء من الابتلاء والامتحان على قدر حاله يستفرغ به من الأدواء المهلكة حتى إذا هذبه ونقاه وصفاه أهله لأشرف مراتب الدنيا وهي عبوديته وأرفع ثواب الآخرة وهو رؤيته وقربه
فالحمد لله الذي جعل عباده المؤمنين بكل منزلة خيرا منه فهم في نعمة من ربهم أصابهم ما يحبون أو ما يكرهون وجعل أقضيته وأقداره التي يقضيها لهم ويقدرها عليهم متاجر يربحون بها عليه وطرقا يصلون منها إليه قال تعالى "وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون"السجدة 24
وبعد فإن طريق السعادة الحقيقية هي الطريق إلى الجنة وإلى الحياة الأبدية وهي السعادة التي لا تعقبها حزن أبدا وهو الخلود الأبديولله در بن تيمية رحمه الله عندما حبسه أعداءه قال " ما يفعل أعدائي بي نفيي سياحة وحبسي خلوة وقتلي شهادة في سبيل الله "الله أكبر سعادة كبيرة ورضا قلبي بما قدر له الله عز وجل وحيرة للعدو بما يفعله
فليعلم المؤمن أن هذه الدنيا فانية وأن متاعها قليل وما فيها من سعادة ولذة دون العبادة فهي مكدرة ولا تصفو لأحد إن أضحكت قليلا أبكت طويلا وإن أعطت يسيرا منعت كثيرا والمؤمن فيها محبوس كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر" وهي كذلك نصب وأذى وشقاء وعناء ولذلك يستريح المؤمن إن فارقها وقد قال الشافعي رحمه الله
ومن يأمن الدنيا فإني طعمتها وسيق إلي عذبها وعذابها
فما هي إلا جيفة مستحيلة عليها كلاب هيمن اجتذابها
فإن تجتنبها كنت سلما لأهلها وإن تجتذبها نازعتك كلابها
إن المعنى الذي يدركه المؤمن لحقيقة الدنيا يهون عيه من وقع المصاب وألم الغم ويرقي نفسه عن الشهوات الزائلة التي تكون سعادتها وقتية يعقبها ألم المعصية بانتهائها فمن تحمل زيف الدنيا وتقلباتها نال سعادة الدنيا والآخرة ......
أسأل الله تعالى أن يرزقني وإياكم سعادة الدارين إنه ولي ذلك والقادر عليه

a4