[patriot]

بسم الله الرحمن الرحيم



شُغف الإنسان منذ القديم بالبحث عن الغيب والمغيبات ، واتخذ في الوصول إلى الغيب وسائل شتى وطرقاً منحرفة .

ومن الوسائل في كشف الغيب طلب الرؤى والأحلام بوسائل وطرق متعددة ، وفي الحضارات القديمة اتخذوا طلب الأحلام

وسيلة لمعرفة الغيب ، واتخذوا لهذا الغرض إعدادات من أدعية ورُقى وأبخرة وأذكار وشعوذات وأمكنة مخصوصة

وأزمنة مرصودة وأفعال مرسومة حتى يحصلوا على الرؤيا المزعومة ،والرؤيا أبعد ما تكون من هذه الأحوال الشيطانية

والنفسانية . والغالب أن ما يرونه ليس برؤيا ، لأن غالب أدعيتهم ورقاهم شركية ، وكانت غالب الاستعدادات قديماً تتم

في معابد الأوثان والأصنام ، فهذه الأماكن هي مواضع تنزل الشياطين بالأحلام المضللة ، فينام الواحد منهم فيرى ما

تمنَّى أن يراه وما أعد وأجهد نفسه لرؤيته .


فوقوع الرؤى الحقيقية في مثل هذه المواضع وبهذه الاستعدادات نادر بل يكاد ينعدم ،وغالب ما يرونه من الشيطان أو من نفوسهم .



محاولات استدعاء الأحلام في الحضارات القديمة:

الحضارات القديمة لبلاد ما بين النهرين :

يقول الدكتور علي كمال في كتابه باب النوم وباب الأحلام : " ... ولما كان من المتعذر على الأنسي الاتصال مباشرة

بالإله ( ننغرسو ) فقد كانت وسائل الاتصال الممكنة بينهما عبر واحدٍ من ثلاث طرق : الأحداث الخارقة والعجيبة والتي

يؤولها الكهنة ، أو عن طريق تضحية حيوان مُعين وقراءة رسالة الإله عن الأشكال المرسومة على كبد الضحية . وأخيراً

الطريق المباشر، وهو الاتصال عن طريق الأحلام .. وفي هذه الحالة فإن الأنسي يذهب إلى الهيكل ويقدم ضحيته للإله ثم

يصلي وينام . وفي نومه يظهر الإله له في حلمه، ويأمره بما يريد تنفيذه...إلخ


الحضارة المصرية القديمة ( الفرعونية ) :

مما يدل على اهتمام المصريين بموضوع الأحلام وقدم هذا الاهتمام أنهم أنشأوا معابد خاصَّة سميت بـ ( سيرابيوم )

وذلك نسبة إلى إله الأحلام ( سيرابيس ) ، وقد انتشرت هذه المعابد في أنحاء البلاد، وكان من أشهرها (سيرابيون )

مدينة ( ممفيس ) والذي قام حوالي 3000 سنة ق .م .

وقد كان يقيم في كل معبد عدد من المفسرين للأحلام عُرفوا باسم ( رجال المعرفة في مكتبة السحر ) ، وقد اكتشفت

إحدى اللوحات أمام غرفة في إحدى هذه المعابد والتي كُتب عليها : ( إني أفُسَّر الأحلام ، ولديَّ إذن من الآلهة بأن

أقوم بذلك . حظ سعيد . إن المفسر هو كريتي الأصل )

ومن الآثار الباقية في موضوع الأحلام ورقة من البابيروس محفوظة في المتحف البريطاني وتعود إلى ما قبل أربعة آلاف

سنة والتي تحتوي على ما يلي .... نص القول :" لكي تحصل على الرؤيا من الإله بيسا ( BESA ) فارسم اسم بيسا على

يدك اليُسرى ولفها بلفافة سوداء ، وانذرها إلى الإله بيسا،ثم استلقي لكي تنام وبدون أن تنبس بكلمة ... حتى كإجابة

على سؤال . "



ولعل المصريين القدماء كانوا أول من بدأ عملية الرقاد كتوطئة للحلم والحصول على الرؤيا عن طريقه .


فمعابد السيرابيوم قد هيئت لنوم الزائرين سعياً وراء الرؤيا ، واقتضى أسلوب إرقادهم القيام بطقوس الصيام والصلاة ،

وفي الليلة التي يختارها الكاهن المُفسَّر ، كان يُطلب إلى الزائر أن يأخذ قطعة من الكتان الأبيض وأن يكتب عليها

أسماء خمسة من الآلهة ، ثم يلفها على شكل فتيلة ويضعها في سراج ويشعل طرفها البارز ، وبعد أن يتلو قولاً معيناً

لسبع مرات يطفيء السراج وينام ، وفي نومه يأتيه الحلم والذي يتضمن الإجابة على ما في ذهنه من سؤال . وإن حدث

وفشل النائم في الحصول على حلمه وعلى الإجابة عن سؤاله ، توجَّب عليه أن يُعيد المحاولة وأن يزيد في صلاته

وصيامه وتضحيته ، وفي الحالات التي كان يتعذر فيها حضور صاحب الحاجة لنبوءة الحلم ، أمكن له إيفاد وكيل عنه

يقوم بالمراسيم المقررة ويحلم نيابة عنه .



الحضارة الإغريقية والرومانية :

واتبعت الحضارة الإغريقية الحضارة الفرعونية في معظم عقائدها بشأن الأحلام، بما في ذلك إنشاء الهياكل لأحلام

النبوءة وطقوس الرقاد والإنابة في الحلم .

ولعل من أهم مظاهر التطور الذي قام به الإغريق في موضوع الأحلام هو أنهم استغلوا الأحلام ليس لأغراض التفسير فقط ، وإنما للأعراض التشخيصية والعلاجية أيضاً .

وقد أنشأ الإغريق العديد من الهياكل في أجزاء مختلفة من اليونان والجزر الإغريقية والتي كان يحج إليها من أراد

استطلاع مستقبله أو كان في حاجة إلى توجيه أو علاج من مرض ألم به . وقد شُيدت هذه الهياكل بصورة تهيء الحاج

إليها لعملية إيحائية فعالة في النفس ، فالمكان يُقصد من بعيد وتحيط بالهيكل الأشجار والسواقي الجارية ، التي يُوجَّه

القاصد إلى الاغتسال فيها تمهيداً لوصوله إلى الهيكل . أما الهيكل نفسه فقد صُمم على صورة دهاليزية تؤدي في

النهاية إلى غرفة دائرية تتوسط الهيكل والتي اعتبرت غرفة نوم مقدسة . وتدلل الأبحاث الآثارية بأنه كانت هنالك

ثلاثمائة من هذه الهياكل على الأقل في الحضارة الإغريقية والرومانية ، وبأنها شُيدت تخليداً لاسكيولابيوس إله الطب

والشفاء . وقد اقتضى على الزائر أن يمر بعملية تسمى عملية (الترقيد ) ويقصد بها النوم في الغرفة المقدسة وتتكون

عملية الترقيد من الخطوات التالية والتي تبدأ بطقوس التطهير ، خاصة لأولئك الذين يُعانون من علل جسمية أو عقلية .

ويلي ذلك النوم في دهاليز الهيكل ثم في الغرفة المقدسة الوسطى ، حيث يزور الإله إسكيولابيوس الرجل النائم ،إمَّا

على شكل رجل أو طفل أو حية أو كلب , ويلمس كل جزء من أجزاء جسم المريض .