[همس الورد*]

أمي الغالية.. والدتي الحنون..
التي كانت ولازالت تقطع سكون الليل بدعواتها المخلصة والصادقة..


سلامٌ من الرحمن نحو جنابكم
فإن سلامي لا يليق ببابكم



وألبسك الله ثياب الصحة والعافية وأدام عليك ثياب الستر وسائر النعم وسابغ المنن ورزقني الله برّك ومتعني بطول عمرك


ضعيني، إذا ما رجعت
وقوداً بتنور نارك..
وحبل غسيل على سطح دارك
لأني فقدت الوقوف

هرمت، فردّي نجوم الطفولة
حتّى أشارك صغار العصافير
درب الرجوع..
لعُشّ انتظارك!



أمي الغالية..
ماذا عساي أن أكتب.. وماذا عساي أن أسطر
من أي شاطئ سوف أبحر..وإلى أي عمق سأصل
وبأي لغة أترجم عظيم حبي لك ولهفة نفسي عليك وشوقي إليك؟


إن القلم ليعجز واللسان ليتلعثم والفؤاد ليخفق كلما راودتني نفسي بالكتابة إليك..


انني لاأدري كيف أعبر عما يكنه قلبي شوقا اليك وحبا في القرب من نعيم رضوانك وجنة حنانك..فلو اجتمعت لغات العالم بكل حروفها وفنونها لما استاطعت أن تفيك حقك أو جزءا منه أو أن تكافئك على جزيل احسانك وباذخ عطائك .. ؟!


ولكن دعيني امتطي صهوة قلمي العاجز المتهالك لعله يخرجني من خضم هذا البحر متلاطم الأشواق ويعبر بي الى شاطئ الحب والحنان وبرّ الدفء والأمان معبرا عن بعض مايكتنزه قلبي لك..عرفاناً واعترافاً بفضل وحق كتبه الله لك..


أمي الغالية:
لازلت أتذكر جيداً كلماتك عندما أستأذنتك السفر طالباً رضاك وكنتي تردين علي بكلمات نابعة من قلب ملؤه الشفقة والوجل على فلذة كبدك وحشاشة قلبك بأنه لاصبر ولاطاقة لك بهذا..ثم أطلقتيها زفرات مكلومة ومؤمنة بقضاء الله وقدره وسنته في ارضه بين خلقه بأن دوام الحال من المحال.. وأن أقوات الله مقسومة لخلقه في مشارق الأرض ومغاربها.. عليهم بأن يسعوا جاهدين مكافحين لإكتسابها.. فهكذا عرفناك يا أمي وهكذا نهلنا من بحر تربيتك الذي لاينضب وتشجيعك الدائم لنا على قهر الصعاب.. ولازلت أتذكر ذلك اليوم ×.. ذلك اليوم الذي كادت ان تفارق فيه الروح جسدها.. ذلك اليوم الذي ودعتك فيه بدموع تملأ المحاجر وغصص تقف في الحناجر وأنفاس تسابق نبضات قلب مهاجر..واتذكر كذلك آخر جلسة جمعتني بك على سفرة عشاء ذلك اليوم.. كانت كل لقمة آكلها كمن يحفر قبره بيده..أسفاً على فراقك.. وحسرة على فقدان وصالك.. وحنيناً الى دفء حنانك..


ولازلت اتذكر أيضا أيتها الحبيبة نصائحك الذهبية وكلماتك الوفية "انتبه لنفسك ياحبيبي..احفظ الله يحفظك..احفظ عليك دينك وصلاتك..ولاتنسى تطمنا عليك.. أستودعك الله الذي لاتضيع ودائعه.. أشوفك على خير ياحبيبي"


ثم عانقتك عناق الوداع.. وتشبثت بك طويلاً لتقبيل رأسك وكفيك.. فلا ندري بما تخبئ لنا الايام.. ولكن حسبنا أننا نعيش على أمل ونطمح الى وصال واجتماع طال الزمن أم قصر..بعد أم أقترب..


توجهت الى المطار في تلك الليلة الظلماء بعيون ملؤها البكاء ..مخنوق الأنفاس.. كأنما أجر الى عدوي من الناس.. حتى كدت أن أتراجع عن قرار أتخذته بكامل قواي.. وحلم عشت لحظاته قبل تحقيقه.. وسعيت وراءه طويلاً.. حتى أصبح الان في يدي بفضل الله ثم خالص دعائك..



أمي الغالية:
فلتسامحيني أولاً..فلم أعلم أن قلبي بهذه القسوة.. وهذا الجفا.. منذ أن سافرت وابتعدت .. وكيف استطيع العيش بعيدا عنك..
فمنذ مايقارب التسعة اشهر ودعتك وقلبي يحترق الما ويعتصر كمدا وحزنا على فراقك ..ومنذ تسعة أشهر أعيش وحيدا في عزلة عن حبك ومنأى عن الامان والطمأنينة الذي منحتيني اياه بعطاء لامحدود وجهد غير معدود لأربعة وعشرين عاما خلت.. وأشعر الآن بأن الارض ضاقت علي بما رحبت..
أهذا جزاء من حملت في بطنك تسعة أشهر؟ اهكذا أصبح أبنك يجازيك بالاحسان احساناً.. أم هكذا أصبح رد الجميل وصنيع المعروف؟ أم هو البر الذي يزعمون والجهاد الذي يعرفون؟


ياترى !! من هو المسؤل عن كل هذا؟
هل هو أنا؟
هل هو من طبع قرار ابتعاثي وسفري للخارج؟
هل هو بائع التذاكر؟
هل هو موظف الجوازات الذي ختم على جواز سفري "خروج دولي"


فلتغفري لي يا أمي تقصيري في حقك وأنت في أمس الحاجة إليه..ولتغفري لي تقصيري أن تأخرت في الأتصال بك أو الاطمئنان عليك.. ولاتنسيني من دعواتك الصادقة مع كل ركعة ومع كل صلاة وفي آناء الليل واطراف النهار..


أمي الحنون..
ومع كل فجر يوم جديد لازالت دعواتك الصادقة وصدى صوتك الطاهر يهمس في اذني بدعوات مخلصة من أم مشفقة حنون على ابنها ولازلت أستمد الرضا والتوفيق من هذه الكلمات....


مع خالص حبي وأشواقي لك يا أمي

همسة:
إلى كل من كان له أم أو قريباً منها
فليحمد الله على هذه النعمة أولاَ
وليغدق عليها بوافر الحب والعطاء
وليجعلها باباً من ابواب الجنة


حفظ الله لكم امهاتكهم جميعا.. ورزقكم برهن.. ورحم الله من وارى الثرى أجسادهن.. وجعل الجنة مثوانا ومثواهن..