[ابن الشجاع]

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كان الخليفة المأمون قد ولى عبد الله بن طاهر بن الحسين مصر والشام وأطلق حكمه:

فدخل على المأمون يوماً بعض إخوانه فقال، يا أمير المؤمنين.

إن عبد الله ابن طاهر يميل إلى ولد أبي طالب وهواه مع العلويين، وكذا كان أبوه قبله؛

فحصل عند المأمون من كلام أخيه شأ من جهة عبد الله بن طاهر فتشوش فكره، وضاق صدره فاستحضر شخصاً ووضعه في زىَ النساك الزاهد ودسه إلى عبد الله بن طاهر وقال: تمضي إلى مصر، وتخالط جماعة من الكبراء في السرَ، وتستميلهم إلى القاسم بن محمد بن طباطبا العلوي وتذكر مناقبه ثم بعد ذلك تجتمع ببعض بطانة عبد الله بن طاهر ثم اجتمع بعبد الله بعد ذلك وادعُه إلى القاسم بن العلوي واكشف باطنه وابحث عن دفين نيته وائتني بما تسمع.

ففعل ذلك الرجل ما أمره به المأمون وتوجه إلى مصر ودعا جماعة من أهلها ثم كتب ورقة لطيفة إلى عبد الله بن طاهر ودفعها إليه وقت ركوبة فلما انصرف الناس خرج الحاجب إليه فأدخله عليه وهو قاعد وحده.

فقال له: قد فهمت ما قصدته فهات ما عندك.

قال: ولي الأمان وثقة الله تعالى ؟

قال: نعم لك ذلك

فأظهر ما أراد ودعا إلى القاسم بن محمد.

فقال له عبد الله: أتنصفني؟ قال: نعم .

قال: فهل يجب شكر الناس بعضهم لبعض الإحسان والمنة ؟

قال : نعم، قال: فتجئ إلىَ وأنا في هذه الحالة التي تراها، لي خاتم في الشرق وخاتم في الغرب ومابينهما، أمري مطاع وقولي مقبول؛ ثم إني ألتفت عن يميني وعن شمالي فأجد نعمة هذا الرجل غامرة لي ، قد ختم بها رقبتي فتدعوني إلى الكفر بهذه النعمة وتقول لي: اغدر وجانب الوفاء، والله لو دعوتني إلى الجنة عياناً لما غدرت ولما نكثت بيعته وتركت الوفاء .

فسكت الرجل، فقال له عبد الله: والله ما أخاف إلا على نفسك، فارحل من هذا البلد.

فلما أيس الرجل وكشف باطنه وسمع كلامه جاء إلى المأمون فأخبره صورة الحال فسره ذلك ، وأردف إحسانه إليه وضاعف إنعامه عليه.

وفي هذه القصة بيان شاف، وبرهان كاف، في أن الوفاء يحسن السَُمعة ويؤمن الصرعة.