[يمامة الوادي]

اقرأ – من وحي آية


كانت أول كلمة تنزل من أعظم كتاب هي اقرأ ، والقراءة ليست هدفا بحد ذاته وإنما هي وسيلة لهدف أعلى منها وهو العلم ليكون العلم بعد ذلك وسيلة لهدف أعظم منه وهو تحقيق العبودية لله ، ولكن ذكر القراءة والأمر بها إشارة إلى أنه مهما تعددت الوسائل والمصادر لطلب العلم فإن القراءة هي المصدر الأهم والوسيلة الرئيسية .

إن نزول اقرأ كأول كلمة في القران له دلالات مهمة خصوصا أن يكون الأمر بالقراءة قبل نزول بقية القرآن وأحكامه فهذه إشارة واضحة إلى أن العلم المأمور به من الله –باعتبار القراءة الوسيلة الرئيسية لتحصيله- ليس محدودا بطلب العلم الشرعي كما يعتقد الكثير ، بل يفهم من نزولها قبل أحكام الشريعة وبقية الكتاب إلى أهمية العلوم الأخرى وأنها هي الوسيلة لتطبيق وتفعيل ماسيأتي في الكتاب من أحكام لاحقاً وكأنها إشارة للرسول صلى الله عليه وسلم ولأمته من بعده بأن تبليغ الرسالة وتطبيق أحكامها والمحافظة على ذلك كله يجب له طلب العلوم الإنسانية والتطبيقية ومعرفتها .

ونرى في أمر الله في قوله (اقرأ باسم ربك الذي خلق) ذكر صفة الخالق خصوصا ، وكأنها إشارة إلى طلب العلم من خلال هذا الكون المخلوق الذي نراه وهذه السنن المتتابعة والمنتظمة التي بمعرفتها يستطيع الإنسان التأثير في الأحداث وصناعتها لتبليغ دعوته والتي لم تكن قد أتت تفاصيلها بعد للرسول عند نزول هذه الآية ، ويشير سبحانه بقوله (باسم ربك) إلى توجيهنا بتسخير هذا العلم كله تحت عبوديته وحده وعدم الطغيان بهذا العلم وتعدي الإنسان لحدوده ، وبهذه المظلة الواسعة يكون هناك مساحة مشتركة كبيرة بين البشر –وليس المسلمين فقط- للعمل والتواصل في ظل هذه العبودية.

يكون القران هدى للناس بهذه التوجيهات والإرشادات التي بإتباعها يكون الامتثال ، فبالقراءة الهادفة تنهض الأمم وترتقي ، ونحن الآن أحوج ما نكون إليها فكل فرد في أمتنا هو مطالب بقراءة هادفة كجزء من مسؤوليته في النهضة ، فهي ليست ترف فكري و إنما امتثالا لأول أمرٍ أمَرَ به الله في كتابه ، فهل من مشمّر ؟


يوسف المبارك