[يمامة الوادي]

باقات لم تكتمل
أنور الداود النبراوي

باقة أفراح:
جميلة هي أيَّام العيد، وجميلة هي التبريكات والتَّهاني، وقد زاد جَمالَها براءةُ الطفولة المتوشِّحة بِجديد الثِّياب، قد تزيَّنت بطيِّب العطور وابتسامات الثُّغور، وتمايلت فملأت الأرْجاء والأجْواء، وأنشدت فأطربتِ الجوانح والأصْداء.

فأصبحَ أطفالُنا زهورًا ورْديَّة، تتلألأ بأرْوع الكلِمات والعبارات، وأصْدق الدَّعوات المشْرقة، مصحوبةً بأحلى تعبير وهتافات، بعيدٍ سعيد، وفجر جديد، وعمر مزيد، وغيرها من روائع الباقات، رافق ذلك موائدُ وولائم تزيَّنت بما لذَّ وطاب.

والسماء ازدان حسنُها بأنوار ألْعاب تناثرت مضيئة وسط أصوات تعالت، وضحِكات انطلقت من أفواه براعم نديَّة، من فتيان وفتيات كالزهور اليانعات.

باقة تهنئة:
هنيئًا لكلِّ مسؤول أو أبٍ، أو كاتبٍ أو رجُل إعلام، ولكل داعية أو مصلحٍ، أو كان للمسجد إمامًا.
هنيئًا لهم جميعًا يوم جمعوا شمل الأحبَّة والأصدِقاء، وبذروا بذورَ التَّواصُل والالتِقاء.

باتُوا وبات همُّهم جمع القلوب والأرواح، وشغلهم كيف يحصل الاجتماع والعطاء والإصلاح، ودأبهم بذْل النَّدى وصنْع التَّلاقي والانشراح، فتراهُم قدِ ابتسم لهم العيد بعِطْره الفوَّاح.

بأيديهِم حملوا الهدايا المتواضعة، وبقلوبِهم حملوا المعانيَ الرَّائعة، وبأفكارِهم توقَّدت الأماني السَّاطعة.

أمانيهم كيف يسعد البشَر، وكيف يصلح حال الناس وينعمون، بل وامتدَّت خُطَى الخير والإصلاح مِن أجل تأْليف الأرْواح المتناثرة بلهيب الخصومات ونار العداوات.

وهنا تكتمِل الصورة والفرحة أن نُزيل عن القلوب أثْقال الكراهية والشَّحناء، ونبعد عنها ركام وآصار الغلِّ والبغضاء، فتصْفو صفاء السَّماء ورمال الصحراء.

باقة اعتذار:
عذرًا، فإنِّي أكتُب لا لأُطْفئ الفرْحةَ؛ ولكِن لتبقى تلك الفرحة وضَّاءة متوقِّدة، كالشَّمس المشْرِقة في الكوْن الفسيح.

ولن يتأتَّى ذلك لنا ولن يكون إلاَّ حين تُضيء أفراحُنا في قلوبنا وأنفسنا، كما أنارتْ أرضَنا وسماءَنا، فما زال فئامٌ ممَّن لبسوا الجديد وهنؤوا بالعيد السَّعيد لَم يلبسوا لباس العفْو والصَّفح، ولم يهنؤوا بالصِّلة والتَّواصُل، ولَم ينعموا بحلاوة الحبِّ والودِّ.

وكيف لهم ذلك وقد استسْلموا لحظوظ نفسيَّة، وحيل وهْميَّة، من مشاغلَ مادِّيَّة، وارتِباطات حياتيَّة - كما يزعمون؟! لكنَّها في الحقيقة غدت للهروب مبرِّرات وعنوانًا، ومفسدات للطمأنينة والتراحم والإيمان، قد قطعت التَّراحم والتواصي بين بني الإنسان؛ {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد: 22، 23].

وقفة:
هل أصبح العيدُ للصغار ملاهي، وللكبار منتديات ومقاهي، أين احتِفالات القلوب التي تشعُّ حبًّا وإخاء، وتنشر التَّسامُح والصَّفاء؟! حينها ستنطلق العِبارة والابتِسامة، كأجْمل وأبْهى يمامة.

لا يليق أن نملأَ الشَّواطئ والمنتزهات، والقلوب لم تصِل إلى شاطئ الحبِّ والسَّلام، فإنَّ أكْمل عيدٍ للمُؤمنين في دار السَّلام، الَّتي يدخل أهلُها ويقال لهم: {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ} [الحجر: 46]، فيدخلونَها سالمين.

أولئك الَّذين تنعَّموا بالحب والوئام، فأفشَوا السَّلام؛ امتثالاً لتوْجيه خير الأنام، عليْه الصَّلاة والسَّلام: ((لا تدخلوا الجنَّة حتَّى تؤمنوا، ولا تؤمِنوا حتَّى تحابُّوا، أولا أدلُّكم على شيءٍ إذا فعلْتُموه تحاببتُم؟ أفشوا السَّلام بينكم)).