[سارة2008]

بعد دخولنا الثلث الاخير من شهر رمضان، لازال الكثير لم يجتهد في العبادة كما يجب .. على الرغم من أن الأحوال مهيأة وقد سلسِلت الشياطين وفتحت أبواب الجنة وأغلقِت أبواب النار وقد ناد مناد يا باغي الخير أقبِّل ويا باغي الشر أقصِّر .. فإذا لم تكن قد حصدت الثمار المرجوة إلى الآن، فلابد أن تقف وقفة محاسبة وتعلم أن المشكلة تكمن في نفسك التي بين جنبيك ..
والدافع الذي سيدفعك للتحرك وأخذ القرار بالتوبة إلى الله تعالى، هو:
أولاً: إستشعــــار الخطر .. فالموت لا ينتظر أحدًا، إما أن تسارع لإستدراك ما فاتك أو تندم وتتحسر عليه يوم لا ينفع الندم .. يقول الله عز وجل {وَهم يَصطَرِخونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخرِجنَا نَعمَل صَالِحًا غَيرَ الَّذِي كنَّا نَعمَل أَوَلَم نعَمِّركم مَا يَتَذَكَّر فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءَكم النَّذِير فَذوقوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَصِيرٍ} [فاطر: 37]

[COLOR="Red"]ثانيًا: رجــــاء رحمة الله عز وجل والخوف من عقابه [/COLOR].. عن ثابت عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على شاب وهو في الموت، فقال "كيف تجدك؟"، قال: أرجو الله يا رسول الله وأخاف ذنوبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وآمنه مما يخاف" [رواه ابن ماجه وحسنه الألباني]
ونحن في زمن المغفرة .. ألا تحب أن يغفر الله لك؟!!

ومن أسبـــــاب المغفرة ونزول رحمة الله عز وجل .. التي ينبغي أن تحرِّص عليها، كي تفتح صفحة بيضاء جديدة مع ربك سبحانه وتعالى ..

1) إصلاح الصيـــــــام .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" [متفق عليه] .. فلا يكن يوم صومك كيوم فطرك، بل لابد أن تحصِّل من صيامك ثمرة التقوى ..
وتتحقق التقوى بغض البصر .. ففيه تتجسد معاني الخيانة والتقوى، يقول تعالى {يَعلَم خَائِنَةَ الأَعينِ وَمَا تخفِي الصّدور} [غافر: 19] .. لأنك حينما تغض بصرك تعلم أن الله هو الرقيب، وإنه ناظرٌ إليك ومطلعٌ عليك .. وهذه هي المراقبة لله عز وجل في السر والعلن، التي تتحقق بها التقوى.2) إصلاح القيــــــــــــام .. فقد قال صلى الله عليه وسلم "ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" [متفق عليه] ..

تعلَّم لذة المناجـــــــاة في القيـــــام .. وبث شكواك إلى الملك سبحانه وتعالى، لكي تنال مغفرته إذا ما أطلَّع على ما في قلبك فوجد الرغبة الملحة والأكيدة للإنابة .. قال تعالى {يَا أَيّهَا النَّاس أَنتم الفقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّه هوَ الغَنِيّ الحَمِيد} [فاطر: 15] ..3) تحري ليلة القدر .. قال صلى الله عليه وسلم "ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" [متفق عليه] .. فلابد أن تستفرغ كل ما عندك من جهد وطاقة في هذه الليالي، لكي تستدرك كل ما فاتك ويصلِّح الله عز وجل أحوالك وتخرج بقلب طاهر نقي.
4) كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .. قال رسول الله "من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا" [رواه مسلم] .. وصلاة الله على العبد ثناوؤه عليه في الملأ الأعلى، وصلاة الملائكة على العبد الإستغفار له. 5) عيادة المرضى .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما من مسلم يعود مسلما غدوة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإن عاده عشية إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح وكان له خريف في الجنة" [رواه الترمذي وصححه الألباني] .. فتظل الملائكة تدعو لك بالمغفرة والرحمة.6) دعـــــاء الفراغ من الطعام .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من أكل طعاما فقال الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه" [رواه الترمذي وحسنه الألباني] .. فإذا قلته بصدق وأستشعرت إنه لا حول ولا قوة لك إلا بالله، صرت عبدًا شكورًا وزادك الله من فضله.
7) إحسان الوضوء وصلاة ركعتين بعده .. عن زيد بن خالد الجهني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى ركعتين لا يسهو فيهما غفر له ما تقدم من ذنبه" [رواه أبو داود وحسنه الألباني] .. فتدعو الله أن يُطهِّر قلبك بالتوبة، كما يُطهِّر بدنك بالمـــاء .. وعسى أن تكون هاتين الركعتين سببًا لتوبة الله عليك ومغفرته لذنوبك، ولكن أصلِّح نيتك وأعزم على عدم العودة إلى الذنوب مرة أخرة.8) حضور مجالس الذكر .. عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله عز وجل لا يريدون بذلك إلا وجهه إلا ناداهم مناد من السماء أن قوموا مغفورا لكم قد بدلت سيئاتكم حسنات" [رواه أحمد وصححه الألباني].
9) الذكر .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألا أعلمك كلمات إذا قلتهن غفر الله لك وإن كنت مغفورا لك قل لا إله إلا الله العلي العظيم لا إله إلا الله الحكيم الكريم لا إله إلا الله سبحان الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم الحمد لله رب العالمين" [صحيح الجامع (2621)] .. وهذا الذكر قد جمع جميع معاني التوحيد من الحب التام والذل التام لله جلَّ وعلا، فمن قاله بصدق وأستشعر معانيه غفر الله له.


إذا كنت قد استشعرت خطر الذنب وعلمت أنه سبب كل ما أنت فيه من إبتلاءات .. إنتهز فرصة رمضان لإصلاح حالك مع الله تعالى ...وإياك أن تكون من المحرومين .. فالنبي صلى الله عليه وسلم قال " إن جبريل عرض لي فقال بعد من أدرك رمضان فلم يغفر له، قلت آمين" [رواه الحاكم وصححه الألباني] .. فإذا أدركت رمضان ولم تظفر بجائزة المغفرة، فقد صرت ممن دعا عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالطرد والبُعد من رحمة الله عز وجل!!فكفانا غفلة وبُعد عن طريق الله عز وجل وحرمان من لذة القرب منه سبحانه وتعالى ..اللهم لا تخرجنا من رمضان إلا بذنب مغفور وتبّ علينا توبة ترضى بها عنا،،

المصادر:

درس "رسالة من رمضان" للشيخ هاني حلمي