[غيوم ممطره]

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



أخوين أمام القاضي


قصة يرويها د/محمد الحمد
عن موقف حدث بين أخوين بينهما شراكة،أحدهما كان قائماً بشؤون العمل،والآخر لايكاد يعرف شيئاً من ذلك،وكان حقه يأتيه كاملاً موفراً.

وفي يوم من الأيام جاء أحد شياطين الإنس،فأغرى هذا الأخ -الذي لايقوم بشؤون الشركة- ،وقال له:إن أخاك يلعب بمال الشركة،ويأخذ النصيب الأكبر،ولايعطيك إلا القليل،فلابد أن تضع لهذا الأمر حداَ.
فما كان من ذلك الأخ إلا أن صدق ذلك المفسد،وصار يبحث عن الطريقة المناسبة للحيلولة بين أخيه وبين مايقوم به –كما خُيل إليه-.

وبعد تفكير ومشاورة مع ذلك المفسد،رأى أن يرفع قضية على أخيه يطالبه برد حقوقه إليه،فرفع دعوى دون دليل أو بينة،وإنما مجرد أوهام وظنون حاكها ذلك المفسد،وتلقفها هذا الأخ الجاهل دون تدبر أو روية.

وبعد رفع الدعوى،تلقى الأخ الآخر استدعاء من المحكمة،فذهب إليها،ووقف أمام القاضي،ورأى أخاه الشقيق في مجلس القضاء فأصابه الذهول!

بادره القاضي بقوله:إن هناك دعوى مقدمة ضدك.
فسألَ الأخُ القاضي عن تلك الدعوى وفحواها،وعن مقدمها،
فأجابه القاضي:أن مقدمها هو أخوك الماثل أمامك،وهو يدعي بأنك أخللت بحقوق الشركة ولعبت بأموالها.
فسأل الأخُ أخاه:هل أنت من رفع الدعوى ضدي؟
قال:نعم
قال:وماذا تريد إذاَ؟
قال:الشرع يفصل بيني وبينك
حينئذ قال الأخ المدعى عليه للقاضي:
هذا أخي ادعى علي وأنا بكامل قواي العقلية،ولاأقول لك إن له علي ممايخص الشركة فحسب،بل أقول:إن كل ما أملكه مما يخص الشركة أو يخصني وحدي ،تحت تصرف أخي هذا،فله أن يأخذ مايشاء،وأن يدع مايشاء،وأريد يافضيلة القاضي أن تثبت ذلك علي، لأن الذي بيني وبين أخي أكبر من ذلك كله،ولو علمتُ برغبته لما ألجأته إلى رفع تلك الدعوى.

وما أن انتهى الأخ المدعى عليه من كلامه،إلا وقام الأخ المدعي من مكانه،وقال للقاضي:لاتكتب شيئاً!
ثم أخذ برأس أخيه يقبله،ويبكي بكاءً حاراً،وهو يقول:سامحني ياأخي،حسبي الله على فلان،لقد أغراني بك،وملأ قلبي عليك،وأنا الملوم لأني صدقته،وأسلمت قيادي له،فأرجو منك ياأخي أن تغفر لي هذه الزلة،وأن تبقي الأمور على ماهي عليه.
فقال له أخوه المدعى عليه:الأمر يسير ،وهذه نزغة شيطان،وإذا أردت الانفصال عن الشركة أو الاستمرار فلك ذلك.
ثم تعانقا طويلاً،وأنهى القاضي الجلسة،وأقفل ملف القضية بهذا الموقف النبيل.

========================
من كتاب: مروءات معاصرة،-بتصرف-.