[البارقه 2009]

الصحابي الصغير في رحاب السنة

لقد كان الصحابي الغلام عمر بن أبي سلمة في رعاية الرسول الكريم صلى الله عليه واله وسلم وكنفه وتحت نظره وبينما هو يأكل على المائدة مع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ويده تطيش في الصحفة أي (تتحرك فتميل إلى نواحي القصعة ولا تقتصر على موضع واحد) أرشده صلى الله عليه واله وسلم بأن يسمى بالله تعالى ويأكل مما يليه.

عن وهب بن كيسان انه سمع عمر بن ابي سلمة يقول: (كنت غلاما في حجر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم (يا غلام سم الله، وكل بيمينك وكل مما يليك) فما زالت تلك طعمتي بعد).

تعلم الصحابي الصغير من توجيه الرسول صلى الله عليه واله وسلم كيف يأكل وبماذا يبدأ حتى قال: (فما زالت تلك طعمتي بعد) بكسر الطاء، أي صفة أكلي، ولزمت ذلك فصار عادة لي.

وقال الكرماني: وفي بعض الروايات بالضم يقال: طعم إذا أكل والطعمة الأكلة، والمراد جميع ما تقدم من الابتداء بالتسمية والأكل باليمين والأكل ما يليه.

ان اكل الانسان مما يليه يدل على محاسن الاخلاق وكذا تناول الانسان بيمينه مع التسمية، كل ذلك من المحاسن والمحامد، فاذا تناول الانسان من غير المكان الذي يليه فقد حاز على طعام غيره فهو ناهم مع سوء الادب.

وتوجيه النبي الكريم صلى الله عليه واله وسلم انما هو لفت نظر للصحابي الصغير ان يجتنب الاعمال التي تشبه اعمال الشياطين والكافرين ليلتزم بآداب الأكل والشرب ويواظب على ذلك، و يكون ذلك درسا وتوجيها لسائر الناس كبيرهم وصغيرهم.

وبينما الصحابي الصغير رديف النبي صلى الله عليه واله وسلم فقد استغل صلى الله عليه واله وسلم الفرصة ليوجهه ويعلمه ويرشده بأسلوبه المباشر كيف يحفظ الله، وكيف يسأل وبمن يستعين.

فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه واله وسلم فقال: (يا غلام! إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سالت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على ان يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف).

استخدم صلى الله عليه واله وسلم هذا الاسلوب وذلك لغرس العلم في نفس الصغير، ودعوته الى التوحيد والاستعانة بالله وسؤاله، والتوكل عليه، وان النافع الضار هو الله تعالى وليس الخلق.

لقد جاء الخطاب النبوي للصغير، معلومة تلو الأخرى بشكل مختصر، كي تكون سهلة الفهم والحفظ، فهي تشكل في نفس الصغير قواعد فكرية وثقافية وعقدية لينطلق من خلالها في مواجهة الحياة، فيتخلص منذ صغره من امراض القلب كالحسد والبغضاء ويعتقد ان الفرج بعد الشدة وان اليسر بعد العسر.

انها تربية نبوية للاطفال الناشئين الذين تقع عليهم مسؤولية احياء القيم والمحافظة عليها.

د. رفيق السامرائي