[غ الرديني]

أنا وأنت فوق كل تنافس وفوق كل إبداع

لم أكن أنوي سرد هذه القصة الجميلة، ولكن مشاهدتي لعبارة مكتوبة في منتدى من المنتديات جعلتني اشارك بهذه القصة خاصة وأنني تمنيت لو أُستبدلت تلك العبارة بعكسها تماما...
في الحقيقة لم أتمكن من البوح بذلك لصاحبها أو صاحبتها، وعوضا عن ذلك قررت المشاركة بهذه القصة.

" زيوكسيس " و " باراسيوس" رسامان من زمن الإغريق، وهما أصدقاء عُرفوا بعلاقتهما المتينة، بل هي علاقة حميمة سمع عنها كل من عاصرهما، ومن الأمور التي عرفت عنهما، أنهما يتنافسان في مجال الفن، وكان كل منهما يرى أن ما يقدمه هو الأفضل، فكان الأول يرى أن ما يقدمه من رسومات لها طابع خاص قد يكون أجمل من رسم الطبيعة الذي أعتاد عليه الناس، ولكن باراسيوس يخالفه الرأي إذ أنه لا يرى أن هناك جمال يفوق جمال الطبيعة وفنها.

زيوكسيس كان محبا للعمل ومحب للكثير من الفنون، فقد اختلط مع شعراء فطاحله في عصره، وقد قال ذات يوم لصديقه الحميم:

لا يهم يا صاحبي من يرسم أفضل، ولكن المهم أن نرسم الفن الجيد، أن نقدم ما هو أفضل لمحبي الرسم، ولمن ينظر لعملنا وما نقدمه لخدمة المجتمع العاشق للفنون الجميلة... وقال: دعنا من موضوعنا القديم ( هل الطبيعية وتصويرها برشتك أفضل ، أم الفن وما أقدمه أفضل )، دعنا ندخل في تجربة تنافسية جميلة ونرسم للعالم أفضل ما لدينا لنريهم كيف يبدو الغير حقيقي وكأنه حقيقي !!!

فاتفقا على أن يرسم الأول رسمة ويكون صديقه هو الحكم، ثم يرسم الثاني رسمة ويكون الأول حكم يقيم لوحته؟

أنتهى زيوكسيس من لوحته، وكانت عبارة عن سلة من الفواكه، وكانت فاكهة الخوخ ناضجة شهية، وحبات التوت يتناثر حولها ندى الصباح، وظهر العنب بشكل يجعل لعاب الناظر يسيل من حلاوة منظره.

أخذ زيوكسيس اللوحة إلى حديقة المنزل، وجلس يرقبها هو وصديقه عن بعد، ولم تمضي دقائق حتل جاء طائران فحط كل منهما على شجرة قريبة من اللوحة محاولين التقاط بعض الفاكهة من تلك اللوحة!!!!! عندها تبسم صاحبه باراسيوس قائلا: يا لك من رسام رائع، هنيئا لك ذلك الإبداع، حتى الطيور أنصفتك وشهدت لإبداعك، وما فعلته بالفعل يبدو وكأنه حقيقي، وقد صعبت مهتمتي ولا أعلم إن كنت قادر على الإتيان بما هو أفضل.

بعد مرور أسابيع دعا باراسيوس صاحبه إلى ورشة عمله حيث يرسم، وفي تلك الأثناء عرض عليه لوحة كبيرة جدا كانت بالقرب من حائط المرسم وقال لصاحبه: ( ما الذي تظنه )؟؟؟؟
فقال زيوكسيس : ما الذي تسأل عنه؟؟؟ لو أنك تزيح الستائــــــر على جنب سأخبرك ما تعنيه الرسمة...، فقال باراسيوس وهو يضحك :

يـا صديقي العزيز إن الستائر هي اللوحـــــــــــــــــــــــــة !!!!

فقال زيوكسيس: أظنك تغلبت علي يا صديقي، فما فعلته أنا أظهر عجز الطيور عن إدراك الحقيقة، وأنت أظهرت عجزي كفنان...

فلتبقى صداقنا للأبد، ولنترك التنافس جانبا، ولنترك الجدل حول أيهما أفضل، وليرسم كل منا اعمال تفرح الآخرين، ترسم البسمة وتأخذهم لعالم آخر... دعنا من المنافسة القاتلة التي تقتل روح الصحبة، دعنا من إخفاء أعمالنا كي لا يراها الآخر حتى تعرض، ودعنا نتشارك الرأي منذ البداية، اسمح لي أنظر للوحاتك قبل إتمامها لأقول لك كم هي جميلة قبل ان ينطق بها غيري، وقبل أن يمضي وقت وتفقد اللوحة بريقها.

أتمنى أن الرســـــــــــــــــــــالة وصلت.

وشكرا للجميع