[يمامة الوادي]

كيسُ القمامة الذي كان عند المسجد !

عادت إلى البيت منهكة من دوام يوم دراسي شاق , عادت لتعانق أمها الحبيبة , لتقبل يد أباها الضرير , فهذه هي ( لمياء ) الطالبة الحافظة للقرآن الكريم , البارة بوالديها , تعيش بين كنفي والديها في حياة لا يكدر صفوها شيء ..

وفي أحد الأيام دخل أشخاص عند والديها , وطلبوا رؤية لمياء لا لأجل خطبتها ولكن ليعيدودها إلى الملجأ .. نسيت أن أقول لكم أن ( لمياء ) هي يتيمة الأب والأم ووالديها الذبن تحدثنا عنهما في البداية لم يكونوا سوى والديها بالتبني ..

خيَّرها مندوبو الملجأ بين دار فيها فتيات من نفس حالتها ومشكلتها , وبين هذا العجوز وامرأته , اختارت نداء العاطفة والأسرة , فكيف لها أن تفارق يدين طالما منحتها مشاعر الحب والحنان , رفع الأب يده شاكراً لله على هذا الاختيار ..

وتمضي الأيام ويفارق الأب الحياة وتنطفئ شمعة في حياة ( لمياء ) , وجاء أقارب الأب يطالبون بميراثه فرحمه الله تعالى كان صاحب ثروة طائلة , وبعد صولات في المحاكم , اتضح أن هذا الأب الكفيف قد أوصى بجميع ثروته لابنته ( لمياء ) وزوجته , ولكن بطلة القصة أعطتهم درس في حقارة الدنيا وعدم مساواتها لشيء .. عندما أخذت فقط نصيبها الشرعي في الميراث , وجعلت أقارب أباها يقتسمون معها ثروة بالملايين ..

تزوجت ( لمياء ) من أحد الصالحين , وفي أحد الأيام كشفت والدتها عن السر التي لطالما كانت تتحاشى أن تعرفه ابنتها , فمضت تقول الأم : لقد كنا في حال لا يعلم بها إلا الله تعالى ..

وفي أحد الأيام وعند ذهاب أبيك لصلاة الفجر وجد كيس قمامة ... ! فيه طفلةٌ رضيعة تطلق صرخات الطفولة البريئة , فأخذها الأب إلى البيت ودعا الله عز وجل بأن يجعلها صالحة وحافظة لكتاب الله , ولم تكن تلك الطفلة إلا ( لمياء ) , وتكمل الأم : والله لقد تبدلت حالنا ورزقنا الله بتلك النعم التي تريْن , بل إنه أوكل أحد محارمه رضاعتك حتى تصبحي محرماً له ..

ولا تتعجبي من وصية والدك بكتابة إرثه لك .. لأن هذا الخير لم يأتي إلا بسببك , وهنا تساقطت دموع الحزن والأسى على خدي لمياء ! وسألت نفسها ماذا لو لم يأخذني هذا الرجل الصالح , ماذا لو بقيت مشردة , ماذا لو أصبحت أسيرة لدور الرعاية , فلك يا أبي كل دعوة صادقة بأن تلقى أجر ما عملت ..

وفي ذات الحين تفكرت في حال أخواتها الذين من نفس حالتها والذين لم يجدوا مثل هذا الرجل , وأصبحوا غرباء لا أب ولا أم , أو أخت أو عم ولا خال أو أخ , هذه هي يومياتهم في إطلاق الزفرات المكلومة ,, ولكنها لا تتجاوز جدار سجنهم .. عفواً ( أقصد غرفهم ) .. فلكم الله يا أيتام ..

المصدر : شريط ملفات السجينات ( بتصرف ) .

وكتبه .. أبو همام .. بخيت الزيادي