["الخنساء"]

ماذا حلّ اليوم بالقراءة والكتاب؟
أستغرب كيف أنني في زمن ليس ببعيد لم يكن يحلو لي النوم إلاّ وقد قرأت كاتبا أو بعضا منه، على حسب حجم صفحاته، واليوم أشتري كتبا قد جذبني عنوانها أو كنت قد سمعت عنها، فأتركها في محفظة يدي أو فوق الرف دون أن اتصفحها !!
فأتساءل: لماذا؟ ما الذي تغير؟

هل النفس لم تعد عطشى للمعرفة والنهل من لذة الكتب الأدبية كما كانت في السابق؟
أم أن وتيرة حياتنا الحالية والتطور التكنولوجي الرهيب قد ربّيا في النفس الكسل وأحدثا فيها فتورا؟
بالأمس كنت أغلق على نفسي في غرفة أشبه ما تكون بالمكتبة ساعات ليست بالقليلة وانتقي من بين الكتب ما يعجبني فأبدأ قراءتها بكامل حواسي، إلى درجة أذهل فيها عن الوجود ولا أشعر بشيء سوى بصوت حروف الكتاب وهي تكلمني. عجيب كيف كان الكتاب يقتلعني من الوجود ويمتص روحي فتنصهر بين طياته، ولم أكن انتبه إلاّ بعد شعور مفاجئ بوحشة المكان، لأنه لم يكن يدخله تقريبا أحد غيري!

نعم، الكتاب كان أعز أصدقائي وخير ناصح وونيس. وإن كنت أحيانا أعتقد أن تربيته لي على المثالية وهو يحدثني عن الأخلاق السامية والمدينة الفاضلة، قد صنعت مني امرأة من كوكب آخر غير كوكب الأرض! وجعلتني أشعر دوما أنني مغتربة وأنا في بلدي ووسط أهلي.

وحينما ابتعدت عن الكتاب وأحدثت قطيعة بيني وبينه، وجربت أن أنصهر في المجتمع وأعيش وسطه بدل العيش على هامشه، وأن أكون من سكانه بدل أن اكون مغتربة فيه، رحت أفقد نفسي شيئا فشيئا حتى تهت عن هويتي وأضعت ملامحي، لأن الأشخاص غير الأشخاص والأخلاق غير الأخلاق والمدينة غير المدينة.
ففضلت الاغتراب والعيش على الهامش وأنا محتفظة بهويتي الذاتية وملامحي الدقيقة، على أن أكون من بين أفراد مجتمعي وأنا فاقدة لذاتي وقناعاتي الشخصية وكأني جسد بلا روح.
وقررت الاختلاء بالكتاب من جديد، ولكن هيهات أن يرجع نفس الشغف ونفس الاقبال على القراءة! وهيهات ان أنام كل ليلة على صوت كلماته!

(من بوحي)