[طالـ.. غيابكـ]

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
ففي الصحيح كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله وجد وشد المئزر.كما تقول عائشة رضي الله عنها.
ولذا شرع الاعتكاف فيها حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله ثم اعتكف أزواجه من بعده، كما في الصحيح أيضا.
ولما فيها من تحري ليلة القدر في العشر حيث تقول عائشة رضي الله عنها: قلت: يا رسول الله أرأيت أن وافقت ليلة القدر ما أقول ؟ قال : قولي :"اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني"رواه الترمذي وغيره وقال: هذا حديث حسن صحيح.
ولهذا علينا معشر المسلمين أن نشمِّر عن سواعدنا في هذه الليالي المباركات لطاعة الله في هذه الليالي، وقد أعجبني اقتراح من ابنتي -سلمها الله- من خلال التواصل عبر (الواتساب) أن يتوقف عن الرسائل في هذه الليال، وهذا اقتراح وجيه وسديد منها سلمها الله وجزاها خيرا.
وأوصي نفسي وإخواني وأخواتي بأن يُترك الانشغال بصفحات التواصل الاجتماعي (الفيسبوك وتويتر والواتس آب) والانترنت وغير ذلك من الوسائل ليالي العشر الأواخر من رمضان، وإن كان لابد بشيء من ذلك ففي نهار رمضان.
ولتُجعل صلتنا مع الله – عز وجل – في هذه الليالي المباركة، ونقوي تواصلنا الحقيقي مع أهالينا وأولادنا وأسرنا وأقاربنا، لأن ما يسمى بصفحات التواصل أصبحت تواصلا مع البعيد وتقاطعًا مع القريب الذي معنا في المجلس الواحد إلا ما شاء الله.
وعلينا أن نحسن فيما بقي من أيام وليال، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"مَن أحسن فيما بقِيَ؛ غُفرَ له ما مضَى، ومن أَساءَ فيما بقيَ ؛ أُخِذَ بما مضَى وما بقيَ".
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط وابن عساكر في "تاريخ دمشق "وقال المنذري في "الترغيب "(4/79) - وتبعه الهيثمي (10/202):"رواه الطبراني بإسناد حسن ".
وحسنه شيخنا في السلسلة الصحيحة وصحيح الترغيب.
ورواه الدارمي في أول "سننه " وفيه:
أن رجلاً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله ! إنا كنا أهل جاهلية وعبادة أوثان، فكنا نقتل الأولاد، وكانت عندي ابنة لي، فلما أجابت، وكانت مسرورة بدعائي إذا دعوتها، فدعوتها يوماً، فاتبعتني ، فمررت حتى أتيت بئراً من أهلي غير بعيد ، فأخذت بيدها ؛ فرديت بها في البئر، وكان آخر عهدي بها أن تقول:
يا أبتاه ! يا أبتاه ! فبكى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -حتى وَكَفَ دمع عينيه، فقال له رجل من جلساء رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: أحزنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -فقال له :
"كف ؛ فإنه يسأل عما أهمه ".
ثم قال له: "أعد عليَّ حديثك "، فأعاده ، فبكى حتى وَكَفَ الدمع من عينيه
على لحيته، ثم قال له:
"إن الله قد وضع عن الجاهلية ما عملوا، فاستأنف العمل ".
ويشهد له حديث ابن مسعود:
" مَن أحسنَ في الإِسلام، لم يُؤاخَذ بما عمِلَ في الجاهليّةِ ، ومن أساءَ في الإِسلام؛ أُخِذَ بالأوّل والآخر".أخرجه البخاري ومسلم.
( وكف الدمع) أي:سال الدمع.
وانظر للمزيد: السلسلة الصحيحة 3389.
وقال الفضيل بن عياض رحمه الله لرجل : كم أتى عليك ؟
قال : ستون سنة.
قال له : أنت من ستين سنة تسير إلى ربك، يوشك أن تبلغ.
فقال الرجل : إنا لله و إنا إليه راجعون.
فقال فضيل: من علم أنه لله عبد، و أنه إليه راجع، فليعلم أنه موقوف وأنه مسؤول، فليعد للمسألة جوابا.
فقال له الرجل : فما الحيلة ؟
قال : يسيرة
قال : ماهي ؟
قال: تحسن فيما بقي يغفر لك ما مضى، فإنك إن أسأت فيما بقي أخذت بما مضى و ما بقى.
خذ في جد فقد تولى العمر ... كم ذا التفريط قد تدانى الأمر
أقبل فعسى يقبل منك العذر ... كم تبنى كم تنقض كم ذا الغدر
من "لطائف المعارف فيما المواسم العام من الوظائف".
والله أسأل أن يستعملني وإياكم في طاعته وفيما يرضيه، وأن يجعل كتاباتنا وسائر مشاركاتنا فيما يرضيه سبحانه وتعالى، وأن نكون مفاتيح خير ومغاليق شر، وأن يحسن خواتمينا.

والحمد لله رب العالمين.

--
أ.د. عاصم بن عبدالله القريوتي
أستاذ السنة وعلومها بكلية أصول الدين
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية