[بو عقاب]

"قرة عيني"



ساذج جدا حين كنت (ولا أزال) أدس مشاكلي اليومية الصغيرة في جيب معطفي .. أتجاهلها ولا أواجهها لاعتقادي أنها "أتفــه" من أن تستحق مني الإهتمام .. ومع مرور الوقت ذهبت أبعد من ذلك فغدى لي طقسي الخاص .. فصرت أراكم الهم والهمّان والثلاث من الماضي بالتفاصيل في "أوراق" مرقمة بالتاريخ والوقت من كتيبات زرقاء صغيره وأدسّها في أرفف كتبي .. وقد أخبئ بعض ذكريات طفولتي وصور قديمة لبعض الراحلين إلى الله بين البومات الصور في أحد أدراجي حيث لا أحد يبحث هناك ولا أحد يهمه طفولتي .. وفي نهاية كل يوم أضع رأسي تحت وسادتي وأنام بلا وسادة حيث السرير الصلب يعطيني حسّا بالتوازن الذي فقدته في حياتي .. وحيث السكون والحنّية والدفء تحيط بوجهي كزوج دفن وجهه في صدر زوجته .. لأستيقظ كل صباح وأعيش يومي كالمعتاد اعتقادا مني اني اخفيت كل ذلك جيدا وانه لا احد سيلحظ الحزن القديم والعبرة المكتومة في قسمات وجهي..

لم أكن أعي مقدار سذاجتي في رميي لهمومي ومراكمتها وراء ظهري إلا مؤخرا .. لم أعلم أنها تتبع الإنسان كظله .. ولم أعي حتى أتى يوم اختفى البريق من عيني وغابت ضحكتي وواجهتني أمي بتغيري .. والحق الحق ان كل ما أخفيته وأخفيه ظهر ويظهر لا وعيا مني .. ورغما عني .. في سائر أمري وسنحتي وصحتي وكل حياتي .. كل شخص بلا استثناء أبصر حزني في عيناي ونبرة صوتي .. في هدوئي وشرودي .. في تحديقي إلى الفراغ والتفكير المتواصل .. في نظري الطويل إلى الزوبعة الصغيرة داخل فنجان القهوة .وفي لعبي بخصل شعري .. بل حتى في طريقة وقوفي ومشيتي وطأطأة رأسي ..

طبيعة الرجل انه اذا لم يستطع التعايش مع همه حزم حقائبه ورحل .. انا شخصيا اتوق للرحيل وأكره البقاء .. لكني كلما قررت الرحيل أجد سبب يدفعني للبقاء وكلما قررت البقاء أجد الف سبب يدفعني للرحيل .. لا أقوى على الرحيل ولا أحتمل البقاء ..
ومن أسباب بقائي أمي .. التي كلما عصفت بي الدنيا وأحسست بالضياع وفقدان الأمان ضمتني بقلبها الكبير وهدوئها الـلا متناهي وأقنعتني بمنطقها الذي لا يرفضه عقل .. أمي التي لا يهون عندها دمعتي ولا حزني ولا ضعفي ولا انكساري .. أمي التي لا أشكو لها همي ومايؤرق بالي لأني أعرف أنها ستحزن أضعاف حزني .. أمي هي من ينتشلني في كل مرة أغرق في وحل الإكتئاب والسلبية والوحدة .. أمي "قرة عيني" بهجتي فرحتي وأملي وحبل نجاتي .. أمي موطني الأول والأخير والأزلي ..

وكلما داعبتها "يمممه الله يخليك !! لا تصيرين بهالطيبة !! ترا بُكرَه لا توظفت وسافرت وبعدت عنك ماني لاقي إنسانه مثلك أبد!! بذاك الوقت ترا بحس بالفراغ وبفقدك كثيييير كثيييير!!"

وتردِّدْ .. "الضنا غالي يا نواف الضنا غالي" : (


من أهدافي ..
أجد الشجاعة في نفسي لأقبّل قدمْ أمي ..

" أُقبلها لا كمن يشتهي قدمَ أٌمهِ .. بل كمن يتشَهّى وجْهَ من عَشِقَ"

...

بقلمي وسبق نشره


رسالة خاصة عامة: أعتذر منكم على فترة الإنقطاع وشحّ التواصل, لكن اتمنى مشاركاتي تكون مطر صيف على المنتدى وعليكم , لكم ودي واحترامي !!