[محمد السعيدالنوي]

الطريــــــــــــــــــــــــــــــــــق الأسود!!.. و اعتبروا يا أولي الأبصار.

تنبيه!: لكل من يعاني من أحد الأمراض التالية :


القلب.. الضغط.. السكر.. القرحة المعدية.. القلون العصبي ..الأعصاب.. آلام الرأس....


أدعو الله له بالشفاء و أنصحه بعدم قراءة هذه القصة !!.

الجزء الثالث


صلينا صلاتنا .. تناولنا عشاءنا .. و جلسنا مطمئنين ..


و لم نكن ندر.. أن ما أخفاه عنا القدر.. كان أقسى و أمر !!!.

مسكت بيد ابنتي الصغيرة و دخلنا الكوخ وقد بنيت جدرانه بلبنات من طين أحمر!!!...


و نسج سقفه من سعف النخيـــــــــــــــــل!!.


و هي المرة الأولى التي أدخله .. رغم مروري من هنا


عدة مرات.. خلال رحلاتي الصيفية و الشتوية !!.


فوجدت عجوزا .. تجاوزت الثمانين !!.


متكئة على سرير .. صنع من جذع النخيل !!.


و ابنها .. يقدم خدمات لعابري السبيل .


سلمت عليهم , فردوا السلام...و ابتسم الفتى في وجهي و كأنه يعرفني منذ سنين!!.


إشتريت منه حاجات , كنت في غنا عنها .. فقط كي يتعاط الحديث معي ..


ثم لاحظت آثارا لوقود المركبات خلف الكوخ , فسألته :


ألا يمكن أن أجد عندكم بعض لترات من البنزين؟.


فأجابني, بأن هذا الأمر لم يعد ممكنا بسبب مضايقات رجال الأمن .


فاستفسرته .. إذا كان من الممكن, أن أبيت في سيارتي بجواركم ؟!!.


نظر إلي وقال : غير ممكن ..أنصحك بمغادرة المكان ..إنهم أشرار!!.


فهمت منه أنه كان يقصد قطاع الطريق !!.


قلت له: نحن الآن ثلاثة .. بالإضافة لعائلتي..


فقال لي و هو ينظر لابنتي.. التي كان عمرها آنذاك 6 سنوات ..


أنصحك : أحصل على الوقود بأي طريقة ..و غادر المكان قبل منتصف الليل!!.


ففهمت ما كان يعني !!.


و عاد الخوف يمزق صدري من جديد !!!!... الخوف على بناتي !!!!.


فهدأ من روعي. قائلا.. إن قدر لك و بت معنا , فسنعمل ما في قدرتنا لحماية أبنائك !!.


بينما كنت أنوي العودة إلى السيارة ..إذ طلع عليّ شيخ من مكان خفي !!.


لا يبدو على وجهه أثر السفر !!.


قد صبغ لحيته بالحنّاء .. و على جبينه بصمة السّجود !!.


قلت في نفسي .. هذا من فضلك ربي.. لقد صرنا ثلاثا !!.. الحمد لله.


و بادر بتحيتي :


- السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.


- و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته.


- أأنت صاحب العائلة التي في السيارة ؟!!.


- نعم .. تلك عائلتي .. و من أنت ؟!!.


- أنا حامل دكتوراه دولة في الكمياء العضوية !!!!.


- اندهشت لجوابه و مستواه العلمي الرفيع .. ثم تساءلت مع نفسي:


دكتور دوله.. تخصص كمياء عضوية ..في قلب صحراء قاحلة ؟!!!!.


يا سبحانك .. يا علي ..يا قدير ..أرسلت إلي دكتورا يزن جبلا بعلمه !!!!.


- نعم.. ماذا قلت؟.... " سمعني أتحدث مع نفسي "!!.


- لا.. لا.. لا شيء.. و ماذا تفعل هنا وسط هذه الصحراء الخالية؟!!!!.


- أعبد ربي الذي خلقني .. ألم يخلقنا لعبادته ؟ّ!!!!.


- بلى.. بلى.. " و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون ". صدق الله العظيم.


.. أسألك فضلا دكتور.. كيف تعبد ربك في مثل هذا المكان ؟!!!!.


- عندما كنت في مخابر الجامعة.. أتدبر في خلق الله للذرة و ما يحيط بها


من مدارات و ما يدور حولها من إلكترونات .. تماما هو كون متناه الصغر


في حجمه.. يعكس حجم هذا الكون الفسيح !!!!...


.. أتفكر في خلق السماوات ليلا.. نجومها و قمرها!!!! ..


.. و أقوم الليل و أرتل ما استطعت من القرآن الكريم !!!! .


و أتدبر في الأرض نهارا.. كثبانها و رمالها .. أحجارها و جبالها !!!!.


و أحفظ ما استطعت من القرآن الكريم !!!!.

كنت استمع إليه و أنا أتعجب لقوة إيمانه و مخططه المحكم... ثم يواصل..


لقد سئمت صخب المدينة و هرجها .. أريد أن أتفرغ لعبادة الواحد الأحد !!!!.

كان نصف عقلي مع الدكتور المرسل.. و النصف الآخر و قلبي كله مع عائلتي !!!!.


عائلتي التي تنام في سيارة ..و قد أرخى الليل عليها سدوله .. كصخر حط من عل !!!.


لكن لقائي مع هذا الشيخ العالم , وسط هذه الصحراء المترامية الأطراف..


زادني إيمانا بالله و توكلا عليه حق توكله..فكان لي بمثابة زاد في طريق أسود !!.

- يتبع-