[محمد السعيدالنوي]

*كان ذلك عام 1994 , عندما كنت أستاذا لمادة الرياضيات في أقصى الجنوب من الوطن المفدى.. الجزائر!!.

كنت أذهب إلى عملي و أترك زوجتي وحيدة في البيت رفقة ابننا الرضيع .. ليس معهما إلا الله !!.

ابننا الذي هو اليوم ما شاء الله , طالب بكلية الطب.. حفظه الله من كل سوء ومن عين الحاسدين و زاده من فضله .

* و بينما ذات يوم فتحت الباب لإخراج سيارتي و التوجه للعمل, إذ لفت انتباهي جرافة تبعد

عن بيتي بحوالى 500 م , تقوم بأعمال الحفر.

تركت السيارة في البيت و ذهبت إليها مسرعا , أستفسر ,و كانت الساعة تقارب 7و النصف صباحا.

- السلام عليكم.

- و عليكم السلام.

- من فضلك , ماذا تقصدون بهذا الحفر المبكر في هذا الشارع؟!.

- نقوم بحفر خندق بعمق 3 أمتار لتمرير أنبوب من أجل الصرف الصحي.

- إذن لا داعي أن أخرج سيارتي من البيت؟ .

- لماذا؟!.

- لأنكم ستغلقون الطريق .. سيمر الخندق أمام بابي , و لن أتمكن من إدخال السيارة للبيت مرة أخرى!!.

- أين هو بيتك؟

- ذلك .. المقابل للمدرسة.

- مستحيل ... لن نصل إليه اليوم.

- أأنتم متأكدون ؟!.. الحفر أمام بيتي , يعني بقاء سيارتي في الخارج حتى نهاية الأشغال!!.. قد تدوم شهورا!!.

... أنا غريب في هذه المدينة ..لا أعرف أحدا سوى الله.. قد تتعرض سيارتي للخطر إن قطع الطريق !!. ..

- ألا تفهم الحديث بالعربية؟!.. قلنا لك اذهب لعملك مطمئنا .. لن نصل إلى بيتك اليوم.

* أخرجت السيارة و ذهبت للعمل و لم أعد إلى بيتي إلا بعد نهاية الدوام .

و عند اقترابي من الحي الذي أسكنه .. صدمني ما رأيت !!.

لائحة كتب عليها : انتبه أشغال.. الطريق مقطوع!!.

أوقفت السيارة و نزلت أمشي , باتجاه بيتي .. أتخطى أحجارا و أتسلق صخورا و ركاما من تراب تم

استخراجها بواسطة الجرافة من تحت الأرض!!.

اجتزت الخندق بصعوبة كبيرة , و واصلت السير إلى ان اقتربت من بيتي .

و إذا بأربع رجال واقفون قرب بابي .. ينتظرون عودتي ؟!!.

سلمت عليهم فردوا السلام .

فجأة .. اندفعوا نحوي .. يمسكون بيدي .. يقبلونها ظاهرا و باطنا ..و أمسك أحدهم برأسي و أخذ يقبلها؟!!!!.

و أنا واقف .. مندهش .. لا أفهم ما يحدث حولي ؟!!!!... و هم يترجون مني مسامحتهم !!!!.

- ثم تشجعت و سألت أحدهم : ألست أنت صاحب الجرافة الذي تحدثت معك صبيحة هذا اليوم؟!!.

- بلى سيدي .. أنا هو شخصيا.

- كيف فعلت بي هذا؟!!.. لماذا غدرت بي ؟!!...أين أضع سيارتي الآن.. أحمّلك كل المسؤولية اتجاهها!!.

- سيدي.. نطلب منك فقط أن تسامحنا!!.

- لا و لن أسامحكم حتى تجدون لي مكانا آمنا أضع فيه سيارتي...لا أعرف الناس في هذه البلدة !!. .

- لقد كانت قوة الله أقوى من قوة جرافتنا... منعنا الله أن نقطع عنك الطريق !!. أنت و سيارتك الآن في أمان.

- لا أفهم ما تقول؟!!.

- واصلنا حفرنا .. لم نعر أي اهتمام لما قلناه لك .. حتى بلغنا الباب الذي تخرج منه سيارتك!!.

.. إذا بصخرة كبيرة تقطع الشارع !!..عرضها 3 أمتار..تقابل تماما بابك الذي له نفس العرض!!..

لم نستطع كسرها بهذه الجرافة, فجئنا بجرافة أخرى مزودة بمطرقة مخصصة لتكسير الصخور!!.

عندما بدأنا بالضرب عليها , بدأت الأرض تهتز من تحتنا!!.

نصحنا المهندس الذي يتابع المشروع , بأن نتركها و نواصل الحفر بعدها مباشرة , كما ترى!!.

قال لنا .. إن استخدام القوة مع هذه الصخرة, يؤثر على البيوت المجاورة و يعرض سكانها للخطر!!.

لحسن حظنا سمكها مترين فقط .. نستطيع أن نمر أسفلها بالحفر اليدوي!!.

* كنت استمع لما يقول و انظر إلى أسفل الخندق و العمال يحفرون تحت الصخرة و يرمون بالتراب إلى

الأعلى و أنا مندهش للمنظر العجيب و للجسر الرّباني الذي وجد أمام بيتي!!.

قام صاحب الجرافة بإزالة الأتربة و الصخور على طول الشارع الموازي للخندق من الجهة الأخرى.

ثم قال لي: تفضل سيدي ..أدخل إلى بيتك و أنت في سيارتك عن طريق هذا الجسر!!... سامحنا يا شيخنا !!..

بقت استخدم ذلك الجسر ما بقي ذلك المشروع الذي استغرق أكثر من 3 أشهر!!.

و بقيت الوحيد الذي يدخل و يخرج في الحي مستخدما سيارتي عبر الجسر الذي أوجده الله لي منذ الأزل!!.

و الناس ينظرون إليّ و يتعجبون من أمري و أمر الجسر الذي وجد أمام بابي !!.

فسبحان الله و بحمده سبحان الله العظيم

... و اعتبروا يا أولي الأبصار.