[يمامة الوادي]

هل سمعت عن (وقف الفاخورة) للأطفال؟
كنت أبحث وأقرأ في مواضيع اجتماعية كثيرة لأحضر لمحاضرة سألقيها في هولندا الشهر المقبل بعنوان «ليتعلم الغرب منا» وأقصد بذلك الجوانب الاجتماعية والأسرية التي سبق بها الإسلام جميع المواثيق والقوانين الدولية، والتي نستوردها اليوم من الغرب لتعلمنا حقوق الإنسان وحقوق المرأة وحقوق الطفل، واستوقفتني حادثة عجيبة فيها دليل عظيم على سبق الإسلام في مراعاة نفسية الطفل من الجانب التشريعي للدولة، فكلنا يعرف أن القرآن الكريم ذكر الاهتمام بالطفل حضانة ورضاعة وتعليماً، وكذلك السنة النبوية ذكر فيها أحاديث كثيرة، وسيرة الحبيب محمد- صلى الله عليه وسلم

مع بناته وأحفاده فيها إشارات كثيرة كذلك، ولكن استوقفني فعلاً ماذكره ابن بطوطة الرحالة المعروف عند ذكر قصة بعنوان «المملوك الصغير والصحفة» فيقول: مررت يوماً ببعض أزقة دمشق فرأيت مملوكاً صغيراً قد سقطت من يده صحفة الفخار الصيني، فتكسرت، واجتمع عليه الناس، فقال له بعضهم: اجمع شقفها واحملها معك لصاحب أوقاف الأواني، وذهب إلى صاحب الأواني وبدّل له صحفته حتى إذا ذهب إلى والده أو معلمه لا يعنفه على الكسر فكان هذا الموقف جبراً لقلبه.
إن رعاية الطفولة وتنميتها والمحافظة علىها من أهم ما اهتمت به الشريعة الإسلامية، حتى إنه تأسس نظام في الدولة الإسلامية يسمى «وقف الفاخورة أو الكاسورة»، حيث كان لهذا الوقف دكان خاص بالسوق لتوزيع الأواني الفخارية، وكان الدكان مشهوراً في باطن بيروت، والهدف من هذا الوقف ضمان نفسية الطفل وحمايتها حتى إذا كسر الإناء أو الإبريق بيده يستطيع أن يذهب إلى صاحب الدكان ليعطيه الإناء المكسور ويأخذ بدلاً منه إناء سليما، وذلك مراعاة لنفسية الطفل حتى لايتعرض لغضب من سلمه الإناء، سواء كان معلمه أو أهله، وانكسر في يده، وأن هذا نوع من أنواع الضمان الاجتماعي الراقي للأحداث.
وإني أؤكد، لو كان عندنا باحثون ودارسون ينقبون عن مثل هذه الميزات في تاريخنا وتراثنا في المجال الأسري ويعرضونها على الغرب اليوم فإن الغرب سيقف عاجزا أمام هذه الإبداعات في حق الطفولة.
والملاحظ من سيرة نبينا محمد- صلى الله عليه وسلم - وهو يربي الأبناء والأطفال على الاتزان النفسي والاستقرار العاطفي في الحديث المشهور عندما قال للغلام: «ياغلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك بشيء إلا قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف».
نعم إن الغرب يتعلم منا تلك القيم والأخلاق في حق الإنسانية والعالم.
المطوع