[أحمد عبد العزيز]

كنت قد تحدث عن أسرار لبيت من أبيات طرفة ابن العبد ذلك الشاعر الفطحول في حلقة مضت كان اسمها ::

... ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ....

وكان الحديث يسلط ضوءه على البيت الذي قال فيه

... ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا **** ويأتيك بالأخبار من لم تزود

وفي هذه الحلقة سأكمل بقية الأسرار المتعلقة بهذا البيت المكنونة داخل النفس والمشاعر لعلنا نصل إلى فائدة مرجوة ، وما هي إلا محاولة ، لفهم عميق لبعض أبيات فطاحلة الشعراء و إن شاء الله تكون بداية لسلسلة مليئة بالخواطر القيمة والمفيدة ...

4ـ ومما يضفي على قول طرفة ستبدي لك الأيام نوعا من القداسة.... نعم القداسة .....هكذا قصدت....

قول الصحابي الجليل ابن عباس رضي الله عنه :: ـ هذا كلام نبي ـ

يا له من تعبير رائع ... وكيف لا يكون كذلك وصاحبه هو ترجمان القرآن... بل إن هذه الكلمات هي أروع ما قيل في ...هذا البيت كلام نبي ...
...لعلها من الأسرار التي جعلت رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يتمثل ويأتيك بالأخبار من لم تزود...

لم يقلها ابن عباس رضي الله عنه هكذا.... لعله استشعر المعنى العميق الذي ترمي إليه تلك الكلمات ـ فهي كلام نبي ـ


وياليت كان له وقفات يتأمل فيها هذا البيت الجميل

... كما يتأمل الفقير الخبز الناعم الحار فهو لم يره منذ أيام ...

... وكما يتأمل الغني جوهرته المكنونة الوحيدة في الوجود فهي ثمينة ونادرة الوجود...

ليته تأمل.... وتأمل.... حتى يخرج لنا ما لا نعرف من تلك الكلمات... لكنا استفدنا كثيرا ... بل وعكسناها على واقعنا

....ليتك يا بن عم رسول الله حدثنا عما تعرف... فحديثك لا يمل... فنبحر بمعاني سامية يترجم معناها القلب من غير ما مترجم... فهي صادقة تنبع من قلب صادق...


يكفي أنه قال هذه الكلمات ــ هذا كلام نبي ــ .... وحمدا لله أنه قالها ...

ولكننا نشعر بالظمأ ... عند مواضيع لها بعد في النظر ... دقة في الفكر.... قوة في الأسلوب ... لا يكفيها سطرا أو سطرين من الشرح ..

وهذا في المشاركات العادية... الذي يكتبها أنا وأنت... والمبدعين والمبدعات ...

...فما بالك بكلمات وخواطر خرجت من ترجمان القرآن...

لا بد أن له نظرة بعيدة... ترى ما بعد حواجز الغموض.... ترى ما هي تلك النظرة ؟؟؟
أقف عاجزا ضعيفا

5ـ من باب الرواية ....قالت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها ( كان إذا استراث الخبر تمثل في بيت طرفة ويأتيك بأخبار من لم تزود)

6ـ وفي فن الدراية قال أهل اللغة : استراث أي استبطأ

... وثمة هناك أمر زاد علي من الألغاز ومن هنا سأقف عاجزا ولن أكمل فيكفي ما كان :::
....لعمرك ما الأيام إلا معارة فما***** استطعت منها من معروفها فتزود ....
....على المرء لا تسأل وسأل عن**** قرينه فكل قرين بالمقارة يقتدي ....
تلك الأبيات المنشودة وقيل أنها لعدي بن زيد ـ كما ذكر ذلك الإمام النحوي إمام اللغة والبلاغة والأدب الإمام التبريزي ـ

... حيرتني كثيرا تلك الأبيات السابقة .... لماذا جعل هذين البيتين يرويان الفائدة من بعضهما ؟؟؟
فهذا يسبق هذا !!! وذاك يفسر الذي قبله ....ترى ما علاقة الصحبة والأقران بالتزويد بالأخبار ؟؟؟

لعل الشاعر وجد خبايا الصحبة تحتاج الكثير من الوقت والأخبار حتى تتضح الأمور على حقيقتها...

هل تعرفون لماذا ؟

لتصبح واضحة بشفافية كاملة فيظهر من كان يرجو الله واليوم الآخر ويظهر من عبد الله على حرف... وقس على ذلك في أمور كثيرة

وأخيرا

لننظر للعالم من حولنا ...

ألم يتمثل أحدنا قول ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا وهو يسمع مايقع هنا وهناك من نكبات متتالية في العالم الإسلامي ؟؟
ألم يتمثل أحدنا قول طرفة ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا حين يسمع خبر يشيب له الرأس وتتعب العين من مجاهدة الجفن حتى تغمضه قليلا لترتاح وتنام أو لتأخذ قسطا يسيرا من الراحة ، لتنسى ما كان وتسجله في عالم الأحلام... الأحلام المزعجة ....
أليس فينا من يردد هذا البيت كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يردده ؟؟

على الأقل حتى يشفي ما في صدره ليخفف عن نفسه عبئ التفكير في المستقبل ... لا التفكير في النفس ... لا ليس هذا ما أقصد ....ولكن التفكير بالإسلام والمسلمين ....


بدأ الضباب يجتمع من حولي ويصنع حاجزا يفصل بين أفكاري وبين هذه الخاطرة شيئا فشيئا حتى بدأت بالاختفاء فعلمت أن فكري المحدود لم يستطع الإبحار أكثر من ذلك...

.... لذلك قلت انتهت الخاطرة...

.

بإذن الله قريبا

تأملات .... على شاطئ البحر